“الكوتا” وتمكين المرأة
د. إدريس لكريني
حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام عربي وعالمي واسع، خلال السنوات الأخيرة، بعدما اقتنع المجتمع الدولي بحجم التمييز والتهميش الذي يطالها، ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات. وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية، إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالاً، لا يسمح لها بتحقيق المساواة الفعلية، على رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية، وعلى رغم الأسس القانونية التي تؤكد حقوقها في هذا الشأن، فإن عدداً من الدول ابتدع سبلاً وشروطاً قانونية مرحلية، حاول من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعوقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية، ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج.
ويندرج نظام الحصص أو “الكوتا” ضمن هذا الإطار، وهي آلية مرحلية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظاً داخل المجتمعات. وفي علاقتها بالنساء تتنوع “الكوتا” بين نظام محدث دستورياً، ونظام حصص محدث بمقتضى قانون انتخابي، وهما معاً يسمحان بتنافس النساء على نسبة من المقاعد المخصصة لهن حصراً.
وقد استأثرت هذه الآلية التي تنحو إلى تحسين مشاركة النساء، باهتمام لافت في مختلف الأقطار، المتقدمة منها والنامية، التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية. وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين، على عكس نظام المناصفة -النصف- الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوروبا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين، ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص “الكوتا” وإلى مراعاته للواقع السوسيو- ثقافي للدول التي تعتمده.
وقد تباينت المواقف الفقهية بصدد هذه الآلية “الكوتا”، بين متحفظ ومعارض من جهة، وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية. فالاتجاه الأول، يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعوقات، العلنية منها والخفية، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية، والانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس، وتجاوز ضعف التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص، ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزاً ضد الرجل، بل يرونها تعويضاً للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها. ويركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح، ويعتقد جانب مهم داخل هذا الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها، لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديمقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل، مما يظل معه العديد من الفعاليات النسائية الكفؤة في مختلف الميادين والمجالات، مستبعدة ومقصية عن المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها.
وإذا كانت “الكوتا” تعد إجراءً تحفيزياً ودعماً قانونياً يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام المرأة لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه خللاً حاصلاً في تمثيليتها في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلاً، فإن الاتجاه الثاني يرفض هذا الخيار، معتبراً أنه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص، فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديمقراطي يمنح النساء حقوقاً اعتماداً على اعتبار النوع لا الكفاءة، بل إن هناك من يعتبره حيفاً في حقها، ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه الآلية سلباً على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل.
وقد اعتبره بعض آخر تشويشاً على الممارسة الديمقراطية، من حيث إنه يفرض على الناخبين مسبقاً الاختيار بين مرشحات فقط، كما يرى أنصار هذا الاتجاه أن منطق العدالة والديمقراطية، يفرضان دخول المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية، من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضاً، وإقناع الناخبين، بعيداً عن أية إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص.
كاتب وأكاديمي مغربي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “منبر الحرية”