حق الاختلاف
أمجد ناصر
كاتب هذه السطور انتقد السلطة الفلسطينية أكثر من انتقاده ‘حماس’، خصوصاً ابان الحرب الاجرامية على غزة، لا لأنه ‘متيم’ بـ ‘حماس’ بل لأنه يعتبر أن السلطة لم ترتفع إلى مستوى التحدي الوجودي الذي تطرحه اسرائيل على الشعب الفلسطيني. لم ينشر موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية مقالات لكاتب هذه السطور. فهو لم يجد ضالته فيها. كما لم يرد اسمه في ما سمي ‘قائمة العار’ التي نشرها أحد المواقع العربية وتضمنت أسماء كتاب عرب نقل لهم الموقع الاسرائيلي المذكور مقالات. لا يفوت كاتب هذه السطور التنويه، كذلك، أنه يختلف، تماماً، في مواقفه السياسية والفكرية عن معظم الذين ‘اصطاد’ الموقع الاليكتروني الاسرائيلي كلماتهم ووضعها على موقعه ليبين أن للعرب، أيضاً، مشكلة مع ‘حماس’.
فليكن هذا واضحا.
لكن ذلك شيء وتخوين الكتاب الذين يختلفون في الرأي والموقف شيء آخر.
لا تكتسب تلك المقالات التي تنتقد ‘حماس’، في ظني، معنى آخر من خلال نشرها في موقع اسرائيلي، فهي نشرت في منابر عربية ولم يكن لها هذا الوقع الشائن الذي تبدو عليه الآن. لا يصبح كتابها ‘خونة’ لمجرد حشر اسمائهم في ذلك الموقع، خصوصاً، إذا تم الأمر من وراء ظهورهم. أدافع، هنا، عن مبدأ الاختلاف والنقد، وليس عن اولئك الكتاب. الاختلاف، كما أحسب، حق مشروع للناس. النقد، لا التربيت على الكتف، هو دور الكلمة.
أشك، بطبيعة الحال، أن يكون الموقع الحكومي الاسرائيلي طلب إذنا من اولئك الكتاب لإعادة نشر مقالاتهم. أشك، كذلك، أن تكون هناك علاقة مباشرة بين اولئك الكتاب والحكومة الاسرائيلية. أما ‘تقاطع المواقف’ بين الحكومة الاسرائيلية وبعض الكتاب العرب، على لحظة سياسية معينة، فلا ينبغي أن يحمل على اعتباره علاقة. نعرف أن اسرائيل تصطاد في المياه العكرة. لطالما كتبنا ذلك. فلِمَ نصدقها الآن؟ لِمَ نعتبر فعلتها هذه من باب ‘التطابق’ في الرأي والموقف والنوايا وليس لإحداث بلبلة بين الكتاب العرب، أو للقول إن صفوفنا ليست موحدة؟ صفوفنا ليست موحدة فعلا. لم تكن كذلك يوماً. هناك صراعات في الحياة السياسية العربية تصل حد الحرب الأهلية ولكن هذا لا ينبغي أن يحملنا على تخوين المختلفين عنا.
أريد أن أذكّر، هنا، بحقيقة نسيها مدبجو ‘قائمة العار’. لقد دأبت صحف عربية محترمة، ووطنية كذلك، على ترجمة مقالات من الصحافة الاسرائيلية بغية الوقوف على المواقف الاسرائيلية ومعرفة كيف تفكر نخبتها حيال قضايانا. لا أحسب أن الصحف العربية تلك استأذنت الكتاب الاسرائيليين ولا الصحف الاسرائيلية التي نقلت عنها تلك المقالات. غني عن القول أن بين تلك المقالات الاسرائيلية ما ينتقد الموقف الاسرائيلي الحكومي ويشرحه، بل بينها مقالات ‘أكثر تقدماً’ في موقفها حيال القضية الفلسطينية، مثلا، من مقالات بعض الكتاب العرب. لم نسمع أن الحكومة الاسرائيلية خونت اولئك الكتاب. فهم لم يكتبوا ذلك لإرضائنا. ليس ذلك، بالتأكيد، دافعهم، بل مارسوا حقهم في النقد من أجل المصلحة الاسرائيلية. الكتاب الاسرائيليون الذين يدافعون عن ‘حل الدولتين’، أو اولئك الذين انتقدوا وحشية الجيش الاسرائيلي في الحرب على غزة لم يفعلوا ذلك من موقع انساني صرف. قد يكون بينهم من لديه هذا الضمير الحي ولكن المؤكد أنهم فعلوا ذلك لأنهم يعتبرون ان امعان حكومتهم وجيشهم في الوحشية سيكون وبالاً على بقائهم في هذه المنطقة. هذا اختلاف في الرأي والموقف وطريقة المعالجة وليس انشقاقا أو خروجاً تاماً من الجلد. لِمَ لا يحق للكتاب العرب أن يفعلوا ذلك حيال أنظمتهم أو قواهم السياسية من دون أن يوضعوا في خانة الخونة؟
يعرف الذين نشروا ‘قائمة العار’ أن معظم كتاب تلك المقالات عبروا عن ‘المسكوت عنه’ لدى أنظمة عربية بعينها. فما لم يقله البيان الرسمي لتلك الأنظمة قاله كتاب محسوبون عليها. كان الحريّ أن يلحظ هذا الرابط. كان الحريّ، أيضاً، أن يتم ‘الدق’ بـ ‘الحمار’ وليس ‘البردعة’.
أخيراً.. أعرف أن دفاعي عن حق الاختلاف في الرأي لا يقابله موقف مماثل من معظم أصحاب ‘قائمة العار’ رغم انتسابهم المشكوك فيه لليبرالية. معظم اولئك الكتاب لم يفهم هذا الحق فعلا ولم يدافع عنه في المنابر التي يعمل فيها. إنهم يرون في المختلفين عنهم سياسيا وفكريا رِجعة وتخلفا ولا يتورعون، عند أدنى اختلاف مع الآخرين، عن اللجوء إلى ترسانة جاهزة من الشتائم.
القدس العربي