صفحات سورية

هل يذهب “حزب الله” و”حماس” الى مفاوضات سوريا؟

null
سركيس نعوم
لا احد يستطيع أن ينكر التقدم الذي حققه الرئيس بشار الاسد منذ خلافته والده الراحل حافظ الاسد على رأس النظام الحاكم في سوريا منذ نحو تسع وثلاثين سنة. ولا احد يستطيع انكار الخبرة التي اكتسبها أثناء رئاسته المستمرة الى أجل غير مسمى والتي جعلت اكتسابها ممكناً التطورات الدراماتيكية السلبية والايجابية التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط منذ 11 ايلول 2001 والتي لا تزال مستمرة وطالت فلسطين واسرائيل ولبنان والعراق وافغانستان وسوريا. لكن لا احد يستطيع أن ينكر وإن في احيان قليلة وجود شيء من المبالغة في عدد من مواقفه، ولا سيما الاعلامية منها، يجعل المواطن العادي في كل الدول العربية يتساءل عن اسبابه والدوافع.
ما هي مناسبة هذا الكلام؟ وما الهدف منه؟
مناسبته هي وعده الرأي العام في مقابلة خاصة أجرتها معه اخيرا صحيفة يابانية مهمة هي “أساهي شيمبون” باشراك “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” الفلسطينية في المفاوضات مع اسرائيل اذا استؤنفت بعدما اوقفتها الحرب على غزة واذا تحولت مباشرة برعاية اميركية وبدا انها يمكن ان تكون مثمرة.
أما الهدف منه فليس التهجم على الرئيس الاسد. فهو يبقى رئيس دولة شقيقة ومجاورة للبنان يسعى اللبنانيون الى افضل العلاقات معها في حال تسليمها بسيادته واستقلاله وحريته وديموقراطيته. وهو قادر بحكم موقعه على تأمين الاستقرار للبنان او على اشاعة عدم الاستقرار بل الفوضى وربما الحرب الاهلية فيه.
لكنه، اي الهدف من الكلام، هو ابراز الصعوبات امام تنفيذه للبنانيين ولكل المعنيين، وهي ليست قليلة على الاطلاق، ويبدو ذلك جليا من خلال الآتي:
-1 ان “حزب الله” حليف لسوريا الاسد وله علاقة عضوية بالجمهورية الاسلامية الايرانية باعتراف الجميع. لكنه حزب لبناني على الاقل رسمياً وبالممارسة التي هي التحرير. وهو ليس الدولة في لبنان على الاقل حتى الآن، ولا “يدّعي” انه يعمل كي يصبح الدولة رغم عدم اقتناع كثيرين من اللبنانيين بذلك. وسوريا الاسد او اي سوريا اخرى لا تستطيع اشراكه في مفاوضات مع اسرائيل اذا كان لبنان الدولة غير مشترك فيها، ورافضاً الاشتراك فيها.
-2 ان “حزب الله” ليس سورياً رغم حلفه مع سوريا. وهو يراعيها في كثير من الامور منها السياسي ومنها الامني. لكن سوريا لا تستطيع ان تفرض عليه موقفاً مهما بل خطيراً بأهمية الاشتراك في التفاوض مع اسرائيل هو الذي تقوم ايديولوجيته الدينية والوطنية والقومية على اعتبارها غدّة سرطانية في جسم العالم العربي لا بد من استئصالها.
-3 يرتبط “حزب الله” ايديولوجياً بايران الاسلامية الرافضة حلاً سلميا مع اسرائيل والاعتراف بها والعاملة عبر دعمها حركات وتنظيمات لبنانية وفلسطينية ومن جنسيات عربية اخرى تقاوم اسرائيل الوجود عام 1948 واسرائيل “الاحتلال” عام 1967. وايران هذه لن ترضى بأن يتوجه الحزب الذي رعت انشاءه ولا تزال ترعى مسيرته والذي حمته بالتحالفات (مع سوريا) وبالمال والسلاح والتدريب الى التفاوض مع اسرائيل ولن تسمح بذلك. علما انها منذ ايام الراحل حافظ الاسد اعلنت عدم اعتراضها على استعادة الاخير اراضي سوريا التي تحتلها اسرائيل بالطريقة التي يراها مناسبة. ولا تزال على هذا الموقف. لكن ذلك لا يلزمها التضحية باستراتيجيتها الاقليمية التي صارت فلسطين ولبنان وحتى سوريا جزءا منها ولا بمصالحها الحيوية من أجل تأمين عودة الجولان الى سوريا وعودة سوريا الى كنف المجتمع الدولي وزعيمته اميركا. “فهي الآن في الدق” والمواجهة التي تخوض عربياً واسرائيلياً ودولياً واميركياً تفرض عليها عدم التساهل ليس مع العدو فحسب بل ايضا مع الصديق والحليف وخصوصا مع الابرز بين الاصدقاء والحلفاء وهو سوريا.
-4 دخلت اسرائيل منذ انتخاباتها العامة الاخيرة في 10 شباط الماضي عهد اليمين المتطرف. واذا كانت اخفقت او بالاحرى لم تشأ ايام عهد “الاعتدال” الذي سادها التوصل الى حل جدي مع الفلسطينيين وسوريا، فهل ستعمد في عهد التطرف اليميني الى التعاطي بايجابية ومرونة مع اي مساعٍ سلمية قد تبذلها اميركا واوروبا وغيرهما؟ والجواب هو قطعاً لا. فبنيامين نتنياهو رافض لاعادة الجولان منذ ما قبل انتخابه ووصوله الى رئاسة الوزارة في بلاده. وغالبية الرأي العام الاسرائيلي مع الاحتفاظ بالجولان “السوري” وفقاً لاستطلاعات رأي عدّة.
-5 من يضمن نجاح سوريا في اخذ “حماس” معها الى التفاوض مع اسرائيل؟
وهل يكفي ان تكون ارضها “الملاذ الآمن”، وفق الوصف الغربي، لقيادة “حماس” وربما لمقاتليها والساحة لتدريباتهم ونشاطاتهم كي تستطيع ان تمون عليهم؟
طبعاً استضافتها لها مهمة ومؤثرة على قرارات كثيرة قد تتخذها قيادتها. لكن التأثير لا يشمل القرارات الكبيرة والمصيرية مثل التفاوض مع اسرائيل في ظل عدم وضوح اوضاع حلفائها ومواقفهم، وفي مقدمها ايران. وكذلك في ظل اختلافات، ولا نقول انقسامات، الرأي احيانا كثيرة بين “حماس”، الخارج و”حماس” الداخل. ومن يضمن ان “حماس” وهي التي خرجت من رحم “الاخوان المسلمين”، لن تخرج عليهم في موضوع مصيري يتعلق باسرائيل؟
-6 من يضمن عدم وقوع خلاف جدي بين سوريا وايران في حال عاودت الاولى مفاوضاتها مع اسرائيل سعت الى اشراك حلفاء الثانية، اي “حزب الله” و”حماس”، فيها وبالاحرى في حال نجحت في فرض الاشتراك فيها عليهما؟
ومن يضمن ان يبقى الخلاف سياسياً؟
ومن يضمن ألا تكون ترجمته وتالياً انعكاساته على الساحة المؤهلة اكثر من غيرها وبكثير لذلك اي لبنان؟
في النهاية غالبية اللبنانيين يريدون سلاماً عادلاً وشاملاً لقضية فلسطين، واستعادة سوريا لجولانها المحتل، وانجازاً لتحرير ما تبقى من ارض لبنانية محتلة. ويريدون احتراماً فعلياً لسيادة لبنان واستقلاله، والعيش بأمان واستقرار وكرامة وبشعور أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم، اي ليسوا مكشوفين امام العدو كما كانت الحال في العقود السابقة للحرب واثناءها والتي انتهت عام 1990. لكنهم لا يريدون ان يكونوا وبلادهم ودولتهم وسيادتهم واستقلالهم وديموقراطيتهم، وإن المتلاشية، ثمن سلام كهذا تدفعه الدول الكبرى ومعها اسرائيل وكذلك كبار العرب الى سوريا، او ثمناً يدفعه كل هؤلاء الى سوريا واسرائيل معاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى