صفحات سورية

أين التغيير في سوريا إزاء الانفتاح الأميركي المستجدّ عليها ؟

null
روزانا بومنصف
تبادل الجانبان الاميركي والسوري في الاسبوع المنصرم الذي أعقب زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان ورئيس دائرة الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي دانيال شابيرو لدمشق في اول زيارة ديبلوماسية اميركية للعاصمة السورية منذ اربع سنوات تفسيرات متباينة لمضمون الزيارة. وقد سجل كل منهما ثوابت موقفه من الاخر في المضمون، وان شهد الشكل بعض التغييرات. ولفت مراقبين ديبلوماسيين متابعين قول الرئيس السوري في حديث الى صحيفة يابانية عشية توجهه الى الرياض للمصالحة مع المملكة العربية السعودية ومصر ” نحن لم نتغير، الاميركيون هم الذين تغيروا”، في إشارة علنية صريحة الى ان الاميركيين في الادارة الجديدة برئاسة باراك اوباما اعادوا حساباتهم وقرروا فتح حوار مع سوريا بعد قطيعة اربع سنوات، وفي اشارة ضمنية ايضا الى الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة التي تعيد فتح ابوابها امام سوريا مجددا على رغم ما شاب علاقاتها من توتر خلال الاعوام الاخيرة.
وبحسب المراقبين أنفسهم فإن كلام الاسد هو للاستهلاك الداخلي وربما العربى بعض الشيء لمن يعتقد بالممانعة التي تقوم بها سوريا. لكن الكلام على التغيير الاميركي وعدم التغيير السوري، بغض النظر عن التقويم الايجابي او السلبي لعدم التغيير ومواكبة التطورات السياسية في العالم، أمر قد يصح، باعتبار ان التغيير الديموقراطي في الولايات المتحدة يحمل معه على ما هو معروف تبدلا في الاسلوب والمضمون احياناً، في حين ان تغييرا مماثلا لا تشهده سوريا، بل هي تراهن على ثبات الحكم فيها وبقائه من اجل تسجيل انتصار لها في هذا الاطار. كذلك الامر من زاوية ان المقاربة لدى ادارة اوباما تختلف عن المقاربة التي اعتمدتها ادارة الرئيس جورج بوش، الا ان موقف سوريا تبدل ايضا، وان تكن لا تزال تلعب على هامش التكتيك والشكل من دون المضمون في مسائل كثيرة. ففي اساس الاختلاف الاميركي السوري عام 2003، لم يكن لبنان في جوهر هذا الخلاف ومنطلقه، بل كان العراق الذي اجتاحته القوات الاميركية في ذلك العام، فيما وقفت سوريا موقفا مختلفا غير متعاون، بل مناوىء، من خلال السماح للمقاتلين بالعبور الى العراق عبر حدودها. والموقف السوري من العراق بات مختلفا اليوم الى حد بعيد، على رغم استمرار مطالبة الاميركيين للسوريين بالتعاون مع حكومة المالكي في العراق وضبط الحدود أكثر مع العراق، على ما أكد فيلتمان وشابيرو في النقاط الاربعة الاساسية التي اثاروها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم . لكن العراق كان حتى الان الموضوع الذي تجاوبت فيه سوريا أكثر من غيره بحيث لا يمكن القول ان سوريا لم تتغير بل على العكس من ذلك، الى درجة يمكن القول ان هذا التغير هو الذي شجع الانفتاح البريطاني ايضا قبل الانفتاح الاميركي.
وفي موضوع المفاوضات مع اسرائيل، تبدو سوريا اكثر اندفاعا من الاميركيين انفسهم على رغم ان كثرا يعتبرون ان هذا الاندفاع تكتيكي، وسببه ادراك سوريا ان موضوع السلام والمفاوضات مع اسرائيل يستمر في فتح الابواب امامها من المجتمع الدولي، وقد كان في اساس التشجيع على فك العزلة الدولية عنها، فضلا عن ادراكها ان لا العرب ولا الولايات المتحدة في وارد عرقلة السلام الشامل مع اسرائيل. والموقف السوري من السلام مع اسرائيل شهد بدوره تغييرا من جانب سوريا، وإن على سبيل المناورة، لكن سوريا تجتمع مع اسرائيل، وإن بطريقة غير مباشرة على نقيض ما يعتبره حلفاؤها في هذا الاطار.
في موضوع لبنان، يقر المراقبون ان سوريا لا تزال تناور بشدة ان من خلال الدعم الملتبس للقرار 1701 لجهة اتاحتها عبور الاسلحة الى “حزب الله” او من خلال ارجاء استكمال خطوة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان والمماطلة في تعيين سفيرلها لديه وفي ترسيم الحدود بينهما. لكن العلاقات الديبلوماسية مع لبنان لم تكن واردة في حساباتها قبل اربع سنوات. ويرى كثر انه كان على الاميركيين ربط انفتاحهم على سوريا بالتزام هذه الاخيرة الوعود التي قطعها الرئيس السوري لنظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، ومؤداها ان دمشق ستعين سفيرا لها قبل نهاية العام المنصرم، ثم لاحقا في مطلع السنة الجديدة من دون ان تلتزم دمشق هذا الوعد. لكن بعضا آخر يعتقد ان ما مسّ الصدقية الفرنسية في هذا الاطار لا علاقة للاميركيين به، انما يتعين عليهم على الاقل عدم تعيين سفير أميركي جديد في سوريا قبل ان تخطو سوريا خطوة مماثلة نحو لبنان على رغم انها خطوة مباعة سلفا من الفرنسيين. فحتى الان استبقت الديبلوماسية الاميركية انفتاحها على سوريا بعدم الافساح في المجال أمام تفسيرات وتكهنات تعرف جيدا ان سوريا ستذهب اليها توظيفا لهذا الانفتاح في وجه خصومها، على ما فسّر مضمون المحادثات مع فيلتمان وشابيرو في ما قاله الرئيس السوري في شكل اساسي عن تغير الاميركيين وعدم تغير سوريا. ومن غير المستبعد ان تحاول سوريا ان تبيع اي خطوة، وإن تكتية، في اتجاه لبنان او في التأثير على “حماس” من اجل الافساح امام المصالحة الفلسطينية ودعم السلطة الفلسطينية للغرب، على ما فهم من كلام الاسد على نيته السعي لان يأتي بـ”حزب الله” و”حماس” الى مفاوضات مع اسرائيل. فهذه اوراق تبقي سوريا لاعبا اقليميا في الاساس. وقد يكون التغيير الاميركي هو الذي حتم الانفتاح وليس التغيير في السلوك السوري، لكن هذا الاخير كان محط تجربة ومتابعة، اذ ان التغيير كان حافزا مشجعا بقوة ايضا لاعتماد مقاربة مختلفة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى