ستة وأربعون عاماً على حالة الطوارئ.. أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
زهير سالم
منذ الثامن من آذار 1963 أُعلنت في وطننا سورية حالة الطوارئ، وصودرت الحياة العامة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمصلحة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تكرس بعد ذلك في دستور 1973 حزباً قائداً أو وصياً على الدولة والمجتمع..
إن المسمى اللغوي والمفهوم الدستوري والقانوني لحالة الطوارئ يعني أنها حالة عارضة تستوجبها ظروف خاصة من مهددات الأمن القومي والوطني، وهي بهذا الاعتبارلا يمكن أن تبقى الأصل في حياة الدولة وحياة المجتمع وحياة الفرد على مدى ما يقرب من نصف قرن..!!
إن مواطناً سورياً ولد في الثامن من آذار 1963 هو الآن في السادسة والأربعين من عمره ولم يعرف في وطنه قط معنى أن يتمتع المواطن بحقوقه الدستورية كاملة، حقوقه السياسية والمدنية الأساسية كحقه في الإنجاز وحقه في الإبداع وحقه في المشاركة الفاعلة في بناء وطنه وحمايته…
يظن البعض أن الانعكاس العملي لحالة الطوارئ يتعلق بالجوانب الأمنية أو السياسية فقط، بينما يؤكد رجال الرأي والفكر أن أبعاد الانعكاسات السلبية لمصادرة الحريات والعيش تحت قوس المتابعة والتخويف تشيع الإحباط واللامبالاة وانعدام الشعور بالمسئولية وفقدان المبادرة والتقاعس عن القيام بالواجب.. مما يعني انتشار حالة من الشلل في أديم الحياة العامة يدفع ثمنها الوطن والمواطن على السواء.
إن الراهن السلبي الذي يعيشه مجتمعنا في سورية بدءاً من ارتفاع مستوى الجريمة كما وكيفا مرورا بتدهور الواقع الاقتصادي بتقلص الأرض المزروعة، وتدمير الصناعة الوطنية، وانتشار البطالة، واتساع رقعة الفقر، وتآكل الطبقة الوسطى، وانتشار الفساد الذي أصبح أصلا في الحياة العامة مثله مثل حالة الطوارئ، وهشاشة المخرج التعليمي، وهجرة العقول والسواعد، وتخلف المستوى الصحي، وحتى الاختراقات الأمنية للسيادة الوطنية كل أولئك السلبيات هي مخرجات مباشرة أو غير مباشرة لحالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية التي تحمي الشر وتعتم عليه بغياب الشفافية، وانعدام الشعور بالمسئولية الذي يكرسه حالة ألقت وما تزال بوطننا على قارعة الفعل الناهض المنشود.
ألا ينبئ استمرار حالة الطوارئ كل هذه العقود المتطاولة أن هناك ضعف ثقة بين أجهزة السلطة وجموع المواطنين، وأن هذه الأجهزة ما تزال تجد نفسها بحاجة إلى تلك القوانين الاستثنائية لحماية وجودها أو لإحكام السيطرة على حياة الناس وتصرفاتهم…
إن قوام الدولة القوية هو المجتمع القوي الذي يؤسس للقاعدة الصلبة الموثوقة لكل تطور مستقبلي إيجابي بناء.. مجتمع السواء الوطني والشراكة الوطنية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أليس من واجب العقلاء أن يتساءلوا : لماذا لم تحم حالة الطوارئ سورية من عدوان السابعة والستين؟ وهل حقا يمكن أن تكون هذه التشريعات الاستثنائية درعا وطنيا ساعة تهديد خارجي حقيقي؟! هل يمكن أن تكون حالة الطوارئ، حالة الخوف والتخويف والشك والارتياب، قاعدة وطنية لحماية سورية من أي عدوان جديد؟!
إن كل كلام عن أي مشروع للتطوير أو التحديث أو الحفاظ أو الممانعة أو المقاومة يبقى لا معنى له، ولا حقيقة له؛ إذا لم يقم على قواعد صلبة من الإرادة الوطنية الصلبة، والمشاركة الجماعية الفاعلة، المشاركة التي لا تقصي ولا تستثني.
ستة وأربعون عاماً وإرادة شعبنا وتطلعاته وقدراته مصادرة بإعلان حالة الطوارئ، وبالمادة الثامنة من الدستور وملحقاتها من القوانين الاستثنائية والسياسات الأحادية.. شعب سورية في حاضره ومستقبله يستحق أفضل من هذا وهو بخلفيته الحضارية الأقدر على العطاء والأقدر على خوض غمار التحديات.
في الذكرى السادسة والأربعين لإعلان حالة الطوارئ تتساءل في سورية الحضارة ويتساءل التاريخ والإنسان: أما آن لهذا الفارس أن يترجل..؟!
مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق