محاذير مقترح «سوريا أولاً»
د.منار الشوربجي
رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد أعلن بوضوح عن نيته في فتح حوار جدي مع إيران وسوريا بما يمثل تحولا واضحا عن سياسة سلفه التي قامت على عزل الدولتين وحصارهما، إلا أنه لم يتضح بعد شكل التوجه الجديد للسياسة الأميركية إزاءهما. كانت إدارة أوباما قد تسلمت من سابقتها خريطة للمنطقة تكشف عن فشل سياسات بوش في تحقيق أهدافها. فقد انطلقت إدارة بوش من هدف أيديولوجي استخدمت أحداث سبتمبر لتحقيقه.
فقد كان الهدف الرئيسي هو إعادة رسم خريطة المنطقة برمتها باستخدام القوة الغاشمة. وكان احتلال العراق هو الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك الهدف. فالعراق كان الحلقة الأضعف في النظام الإقليمي العربي والذي يمكن أن تساق ضده مزاعم كتلك التي اخترعتها إدارة بوش وسوقت بموجبها الاحتلال للعالم.
وكان المخطط هو أن يتم احتلال العراق أولا فتؤدى »الصدمة والرعب» الذي يتحقق بفضل استخدام القوة الغاشمة إلى تركيع الخصوم والأعداء وضمان ولاء الحلفاء. وتكون أميركا باحتلال العراق وإقامة نظام حليف فيه على حدود كل من سوريا وإيران فتغير النظامين فيهما إما بالقوة أو عبر مجرد الصدمة والرعب. وتؤدى تلك التحولات المذهلة إلى تركيع باقي من تسول لهم نفسهم في المنطقة معاداة الهيمنة الأميركية والإسرائيلية.
لكن المحافظين الجدد أصحاب هذا المخطط الأحمق اتسموا بخليط فريد من الغطرسة والجهل معا، فلم يدركوا أن الأمور أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. وفشلت القوة الغاشمة في تحقيق ما صبت إليه نفوسهم داخل العراق نفسه فعجزوا عن الانطلاق منه إلى ما يليه من خطوات. غير أن حماقتهم سرعان ما هيأت لهم أن فرصة استخدام القوة الغاشمة قد سنحت من جديد في حرب لبنان فوقفوا بالكامل وراء إسرائيل أملا في تحقيق ما يريدون فأصابهم الفشل من جديد.
هنا، سارع أنصار إسرائيل بالسعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فتفتق ذهن دنيس روس عن فكرة قبيحة سرعان ما تبنتها إدارة بوش، وهى فكرة كان هدفها أن تحقق أميركا عبر الدبلوماسية ما فشلت في تحقيقه عبر القوة الغاشمة. وهى ببساطة فكرة المحاور. والفكرة كان قد نشرها روس في مقال له بعنوان «المظلة العربية» فما كان من كوندوليزا رايس إلا أن جاءت إلى المنطقة تحملها بحذافيرها وهى باختصار تقسيم المنطقة إلى محورين محور للاعتدال ومحور للراديكالية.
ومحور الاعتدال مطلوب منه أن يساعد أميركا على عزل محور الراديكالية. أما المظلة التي قصدها روس فكانت إيجاد غطاء عربي لتحقيق الأهداف الأميركية. فكان المطلوب من مصر والسعودية والأردن أن تساعد أميركا على عزل إيران وسوريا وعلى دعم محمود عباس للقضاء على حماس والسنيورة للقضاء على حزب الله، كما قال روس بل ووزيرة الخارجية نفسها.
ورغم أن العرب ابتلعوا الطعم وسقطوا في الفخ الذي نصبه أنصار إسرائيل، حيث أصاب فيروس المحاور «الراديكاليين والمعتدلين» على السواء إلا أن المفارقة كانت أن أميركا بوش فشلت رغم ذلك في تحقيق هدفها. فلا هي قضت على حماس وحزب الله ولا أدت محاولاتها لعزل سوريا وإيران إلى إخضاع الدولتين.
ومن هنا، جاءت إدارة أوباما للحكم وهى عازمة على التخلص من تلك السياسة الفاشلة وفتح صفحة جديدة تقوم على استخدام الدبلوماسية في التعامل مع إيران وسوريا. لكن من المهم هنا الإشارة إلى أن أنصار إسرائيل سعوا طويلا حتى خلال الحملة الانتخابية لإثناء أوباما عن عزمه في هذا الصدد، ولما لم يفلحوا في ذلك سعوا للعمل على تطويع أهدافه لخدمة أغراضهم. لذلك فهم يروجون الآن ومنذ فترة لصيغة »سوريا أولا».
والمقصود بذلك هو إعطاء الأولوية في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي للملف السوري. والهدف هنا هو عقد صفقة مع سوريا تكون فيها الأرض ليست مقابل السلام وانما الأرض مقابل تحالفات سوريا الإقليمية.
أي باختصار الهدف فك ارتباط سوريا بإيران وضمان تخليها عن حزب الله والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها. بعبارة أخرى الهدف من تلك الخطة التي يروج لها أنصار إسرائيل ويعملون جاهدين لإقناع إدارة أوباما بتبنيها هو عزل إيران عن سوريا والاستفراد بكل منهما في التفاوض والسعي، مرة أخرى، للقضاء على حزب الله وحماس.
وحقيقة الأمر فإن تلك الخطة التي تنطوي على مخاطر جمة بالنسبة لسوريا والأطراف العربية عموما، تنطوي أيضا على مخاطرة لا يبدو حتى الآن ما إذا كانت إدارة أوباما تعي تبعاتها. فهي لا تمثل جديدا من حيث الجوهر بالمقارنة بسياسة بوش التي ثبت فشلها والتي قامت على تجاهل الواقع المعقد من ناحية والتماهي مع الأهداف الإسرائيلية من ناحية أخرى.
فالولايات المتحدة بإصرارها على موقفها من حماس وحزب الله انما تتبنى موقف إسرائيل وترفض الاعتراف بقوى لها وجود شعبي على الأرض وهو الأمر الذي يدفعها دوما للعمل على عزل تلك القوى والقضاء عليها، وهو ما فعلته فيما سبق مع منظمة التحرير الفلسطينية بل ومع حركات تحرر وطني أخرى في العالم. والسعي للقضاء على قوى ذات وجود شعبي أو عزلها ثبت أنه لا يجلب للولايات المتحدة سوى نقمة الشعوب ويؤدى لارتفاع الشعور بأن أميركا تقف ضد الطموحات المشروعة للشعوب في العدل والحرية.
البيان الإماراتية