المعارضة السورية بين التعليق الفكري والسياسي لنشاطها
غسان المفلح
تشهد الساحة الإقليمية موجة من المصالحات، ومن الانفتاح السياسي على النظام في دمشق، شهدت المنطقة خلاله عدوانا إسرائيليا على غزة، كان من شأنه أن يتناسب مع التمدد الإيراني، الذي غير في موازين القوى على الأرض، وليس من باب التذكير فقط أن نعود لحادثة انفتاح الرئاسة الفرنسية على النظام في دمشق،نتيجة لاجتياح بيروت 2007 من قبل حزب الله، ومؤتمر الدوحة. وكرت موجة الانفتاح هذه، ثم حدث بعد هذا العدوان أن جر معه محاولات قائمة الآن لعودة التواصل مع حركة حماس وحزب الله من قبل بعض الحكومات الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا.
كما جرت قمة الرياض للمصالحة، استكمالا لمبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، في ظل تغير القوى لصالح المشروع الإيراني، جاءت مبادرة الإخوان المسلمين في تعليق نشاطهم السياسي، والذي كنا ناقشناه في إطاره السياسي ايضا في أكثر من مقالة، كما ناقشه غيرنا. ولكن الملفت في هذا الإطار في الحقيقة هو مقالة للباحث السوري ياسين الحاج صالح نشرتها جريدة الحياة هذا اليوم،15.03.2009 بعنوان” تعليق مسار المعارضة السورية استجابة لشرعية «الثوابت» وعالميتها” والمقال يقسم في الحقيقة إلى قسمين أحدهما نقدي متناسب مع عنوان المقال، في أن الإخوان علقوا نشاطهم استجابة لموجة الإسلام العالمي في علاقته بنظام دمشق، وهذا بدوره ينقصه أمر في غاية الأهمية، هو موقع السياسة الإيرانية في هذا السياق، فليس نظام دمشق هو من غير لوحة القوى في المنطقة بل إيران بالدرجة الأولى.
لهذا يبقى المشهد التحليلي ضيقا مالم نضعه في سياقه الإيراني والدولي. ولكن يصر ياسين ككل مرة على إعادة هيكلة التغيرات بما يتناسب، مع التعليق الفكري للنشاط المعارض، والمؤسس أصلا على فهم ياسين لموضوعة السلطة، من جهة وبشكل أوسع على فهم سياسوي للسياسة. إن ما يعيب به ياسين على نشاط المعارضة هو نفسه يمثل الوجه السياسوي الآخر له، منذ زمن وياسين يصر على ألا تكون قضية السلطة هي الأساس للنشاط المعارض، وهذا بالضبط ما قام به الإخوان المسلمين وعلى خلاف بما تراه المعارضة السورية سواء في الداخل أو في الخارج، وهذا التصنيف الذي نسيته المعارضة السورية عاد الآن ليتصدر واجهة التحليل لدى ياسين. ما لفت نظري في المقالة استخدام ياسين لمفهوم الصبر، مستندا لسياق فهمه للسياسة الإخوانية في مرحلة ما، ونحن نميل دوما إلى أن الكلمة عند ياسين موزونة بموقعها وبمكانها في لوحته التحليلية، الصبر هو ببساطة، هنا وفي هذا السياق” اصبروا حتى تحوزوا على القوة” الصبر هنا فهما سياسيا، لموضعة المعارضة والسلطة.
يقول ياسين من جهة أخرى”لكن هنا أيضا تقيم حدود هذا التوجه «الأممي» أو «العالمي» في الشرط الأساسي للإخوان كتنظيم معارض اضطرارا (واختيارا)، الأمر الذي يُلزمه رغم كل شيء بقدر من «سورية» وقدر من «علمانية». وكمحصلة عامة، ربما يسعنا التكلم على إعادة تموضع واسعة، فكرية وسياسية، توسّع هامش مبادرة الإخوان السوريين الذاتية، وقد تسهم في إعادة هيكلة الحقل السياسي السوري باتجاه أقل استقطابا وتشنجا. هذا تطور إيجابي يتعين الترحيب به من أية وجهة نظر غير سياسوية. وهو إن كان وثيق الصلة بإخفاق سياسة المجابهة في 2006 و2007، وكذلك بانتهاء سياسة المحاور واسترخاء (وقتيّ على الأقل) الأوضاع الإقليمية، إلا أنه يستجيب لحاجات سياسية وإنسانية سورية يمتنع إلغاؤها. وحتى ما يحتمل أن تعرضه السياسة الإخوانية في المستقبل من مركزية إسلامية قد يكون محرضا مرغوبا لتنشيط أكبر للجبهة الفكرية في سورية، بعد سنوات من هيمنة تفكير سياسوي ضيق في الشأن العام، يحشر نفسه في السياسة وحدها، ومن هذه في مسألة السلطة وحدها” قبل المضي مع ياسين، لابد من تأكيد قضية بسيطة من وجهة نظري، وهي ووفقا لمعرفتي المتواضعة في شؤون المعارضة السورية في الداخل والخارج، أقله في جبهة الخلاص وإعلان دمشق، التركيز يبدو لي ليس على السلطة، وإنما على فكرة التغيير بحد ذاتها، وهنالك فارق في هذا الأمر نعتقد أنه لا يغيب عن بال ياسين، والفارق يتجلى في أن المعارضة السورية تلجأ لوسائل سلمية من أجل هذا التغيير هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا تفكر بشكل انقلابي مطلقا.
وهذا لا يعني أنه ليس هنالك طموحات لبعض الشخصيات في أن تكون بموقع السلطة بعد التغيير. ولكنه هامشي في تفكير المعارضة بقضية التغيير الديمقراطي. بالعودة لتأكيد ياسين على إيجابية التعليق السياسي وإمكانية حدوث استقطابات جديدة، في لوحة المعارضة السورية والمشهد السياسي السوري برمته، متناقض مع ما يقول به ياسين في عنوان مقالته أن التعليق لم ياتي لحاجة سورية، بل لحاجة عالمية إسلامية. فهل حاجة الإسلام العالمي تتوافق مع حاجة المشهد السياسي في سورية؟ وعن أي تموضع جديد يتحدث ياسين؟ وكيف وما هي حوامله؟ وما هو برنامجه السياسي؟
وكيف يضمن مساحته في مشهد القوى في سورية وفي خارجها؟ وهنا نذكر ببداهة بسيطة، أن النظام في دمشق منذ أيام الراحل حافظ الأسد لم يكن يمانع بعودة منفيي الإخوان بوصفهم أفرادا، ودون أية مصالحات سياسة تعترف بالإخوان كطرف سياسي. والآن أكثر من أي وقت مضى النظام لا يحتاج أية مصالحة مع الإخوان لاعتبارات كثيرة يضاف إليها في الواقع، أن النظام يحاول الابتعاد عن أية علاقة علنية مع الإسلام السياسي في سورية. هذه واجهة يريد تصديرها للغرب. وهذا لم ينتبه له قادة السياسة الإسلامية في العالم العربي، ومنهم أخوان سورية. التعليق السياسي وليد لتعليق فكري ينبع أصلا من مقدمة مخفية تقول” ان ميزان القوى يفرض هذا التعليق السياسي للنشاط المعارض” وهذا أيضا يتوافق مع تعليق ياسين الفكري لمفهوم نابع من مفهومه الخاص لقضية السلطة، بما هو فهم سياسيوي ينبع من رؤية لتغول السلطة في دمشق.
الحوار والمساومات السياسية قضية مشروعة في العمل السياسي، ولكنها تفترض ظرفية ما. والخلاف هنا ليس على حق البشر والأحزاب في خياراتهم هذه، ولكنه على قراءة ظرفية هذا الخيار وانعكاسه على مجمل الشأن العام. عندما يقول الإخوان أنهم يعلقون نشاطهم لحاجة إنسانية، أو لوساطة إسلاموية ضاغطة يكون الأمر مفهوما، أما أن يتم بناء على تخوين الآخرين في مواقفهم من قضية فلسطين فهذا هو الأمر غير المفهوم في الواقع. ويؤكده ياسين في ختام مقالته بشكل غير مباشر عندما يقول”ربما يظهر المستقبل القريب تمايزا من نوع مختلف ضمن الطيف السوري المعارض: قوى ذات جذور اجتماعية و/ أو فكرية حقيقية (المعارضة الداخلية والإخوان) مقابل قوى بلا جذور (أكثر المعارضة الخارجية…)؛ تمايز كان الاصطخاب السياسي في السنوات الأربع الماضية شوّشه أو محاه” في هذه الخاتمة يؤكد ياسين أن للمعارضة الداخلية جذور اجتماعية، كيف تبدت هذه الجذور؟ اخشى ان يكون ياسين قد وقع في رغبوية تريد إعادة هيكلة المعارضة بما يتوافق مع الهامش الفكري الذي يتيحه النظام في سورية ويتبحبح به مفكرينا، والذي لا يصل للفرد السوري المسحوق، الذي لم يسمع غالبية شعبه ربما باعتقال رياض سيف، فما بالنا ببقية المعتقلين؟
وربما نستطيع قريبا العودة لمناقشة فكرة السلطة عند ياسين.
ايلاف