صحافي فرنسي ينحاز إلى الرجل الأبيض النازيّ: ليذهب العراق إلى الجحيم ولنعد وأمراضنا إلى بلادنا
ليال حدّاد
ما الذي يجري في العراق؟ ماذا يعرف الرأي العام الغربي عن غزو العراق باستثناء صور يومية لقتلى وجرحى بالمئات؟ والأهمّ، كيف تحيا القوّات الأميركية في بلد يعيش حروباً طائفية ومذهبية، ومقاومة ضدّ احتلال؟ حمل مراسل مجلة «باري ماتش» الفرنسية في الولايات المتحدة الأميركية، ريجيس لو سومييه، هذه الأسئلة، وسافر إلى العراق، ليعيش «تجربة العمر» كما يصفها إلى جانب قوات الاحتلال. في الرابع عشر من تشرين الثاني 2006، وصل لو سومييه إلى بلاد الرافدين، التي سيمضي فيها عشرين يوماً دوّنها بأدق تفاصيلها في كتابه «العراق لم يعد موجوداً».
ثلاث رحلات قام بها لو سومييه إلى العراق. أُولاها في آذار 2006، التي لا يذكر عنها إلا القليل. ثانيتها، التي تمثّل النصف الأول من الكتاب، وهي في تشرين الثاني من العام نفسه. أمّا الرحلة الثالثة، فكانت بعد ستة أشهر، التي يرويها في الفصول الخمسة الأخيرة من الكتاب.
الهدف الأوّل من الزيارة كان المشاركة في البرنامج الذي استحدثته وزارة الدفاع الأميركيّة، والذي يتيح للمراسلين في العراق قضاء مدّة محدّدة في إحدى القواعد العسكريّة ومشاركتها يوميّاتها و«عملياتها للقضاء على الإرهابيّين».
لم تكن الحياة في «المنطقة الخضراء» مع الجنود الأميركيّين بالسهولة التي قد يتخيلها بعض الناس، هذا ما يصرّ عليه لو سومييه، فملاحقة «الإرهابيين» أو مجرد التنقّل داخل آلية أميركية يعرّض المرء لخطر الموت، تفجيراً أو بهجوم انتحاري.
انطلاقاً من هذه التجربة ومن هذا الخوف اليومي، يوثّق الكتاب حياة جنود يجهل معظمهم سبب قدومهم إلى العراق، فمحاربة «الإرهاب» تبدو هدفاً بعيد التحقيق، كما أنّ نشر الديموقراطية أصبح بنظر هؤلاء، حلماً في ظلّ حرب طائفية لم تكن موجودة بهذا الشكل الواضح قبل الغزو. يتحدّث الجنود للو سومييه عن حلمهم بالعودة سالمين إلى بلادهم، «وليذهب العراق إلى الجحيم» كما يقول أحد الجنود.
إلّا أنّ أصدق عبارة سمعها لو سومييه حسب تعبيره هي تلك التي تفوّه بها الجندي سيرغي ميشو حين سأل «ماذا لدينا لنربحه هنا؟ هناك الصراع السني الشيعي الذي لا أفهم منه شيئاً، فلنؤمّن الحماية للبترول، ونستعِد كل ما أنفقناه في العراق ولنرحل عن هذا البلد اللعين».
كما يركّز الكتاب على الوضع النفسي لهؤلاء العسكريّين. فمعظمهم يشتمون الإدارة الأميركية ليلاً ونهاراً، وينتظرون البرامج الكوميدية التي تهزأ من رئيسهم جورج بوش «لينفّسوا عن غضب مكبوت ضدّ إدارة ضلّلت جنودها وأوهمتهم بضرورة خوض حرب بلا جدوى». ولكن، إلى جانب الغضب السياسي، يعاني الجنود كبتاً جنسياً بدأ يتحوّل إلى أزمة حقيقيّة في المجتمع العراقي. فعمليات الاغتصاب ازدادت بشكل كبير، ما دفع الإدارة إلى استقدام عاهرات من الفيليبين ومن لبنان يعملن داخل المنطقة الخضراء. وانطلاقاً من هذا الكبت، يفسّر لو سومييه صور التعذيب في سجن أبو غريب: «هل وجدت ليندزي انغلاند في المعتقلين العراقيين متنفّساً عن كبتها وكبت أكثر من 150000 جندي أميركي في العراق؟».
يعطي الصحافي الفرنسي في نصّه مساحة واسعة لوصف الصراع السنيّ ـــــ الشيعي، «أساس بلاء العراق» كما يجمع كل العراقيين الذين صادفهم، فيتنقّل بين منطقتي الخادمية الشيعية والأدهمية السنية واصفاً الوضع المتوترّ بين أهالي المنطقتين، وذاكراً المجازر التي وقعت بينهما منذ بداية الغزو.
إلا أن هذا الوصف لا يبدو متكافئاً بين طرفي النزاع. فالمتطرّفون السنة أو تنظيم «القاعدة» وتوابعهما والذين احتلّوا الصفحات الأولى، ورنّت بهم خطابات القادة الأميركيين، لا يذكرون إلا نادراً في الكتاب. أمّا «جيش المهدي» فـ«هم الأعداء وهم من يبقي العراق بعيداً عن مستقبله الديموقراطي المزدهر».
وفي يوم رأى أنّه الأكثر تشويقاً في العراق يصف مغامرة الثلاثاء في السادس والعشرين من آذار. «فأمر اليوم» كان إلقاء القبض على مسؤول «جيش المهدي» في منطقة «حرية»، أحمد رمضان. من القاعدة الأميركية وصولاً إلى بيت رمضان واقتحامه وإلقاء القبض عليه، يروي لو سومييه التفاصيل بكل لحظاتها، واصفاً وجوه الأميركيين وعائلة رمضان أثناء المواجهة.
من جهة أخرى، قد يبدو للقارئ أنّ الكتاب يتناسى غالباً مشكلة الاحتلال الأجنبي بسبب التركيز المفرط على الصراع الطائفي، كما أنه لا يحمّل الأميركيين أيّ مسؤولية عمّا وصل إليه العراق. إلّا أنه وفي أحرج اللحظات كتلك التي يموت فيها جنود أميركيّون يعود لو سومييه ليتساءل «لماذا القوّات الأميركية موجودة في مكان غير مرحّب بها فيه؟»، مؤكّداً أن لا شيء أفظع من أن يكون بلدك محتلّاً، وكل الجرائم والفظاعات مباحة لتحريره.
وفي ربط بين تاريخ فرنسا وتاريخ العراق، يفاجئ الكاتب القارئ حين يقارن بشكل مباشر بين ما يعيشه العراق وبين ما عاشته فرنسا في الحرب العالمية الثانية ضدّ النازيّين «أشعر بأنني اليوم أقف إلى جانب النازيّين»، بهذه الكلمات يصف مرافقته للأميركيّين ومشاهدته موت مدنيّين ومسلّحين عراقيين بحجّة «الديموقراطيّة الغربيّة».
وبالعودة إلى مقدّمة الكتاب، يتنبّأ لو سومييه بما ستكون عليه حال الجنود الأميركيين في العراق بعد عودتهم إلى بلادهم. فيتحدّث عن لقائه أحد الجنود الذين شاركوا في حرب فيتنام، والذي بعد مرور ثلاثين عاماً على انتهائها، لا تزال كوابيس فييتنام ومقاتليها تحوم في رأسه وتمنعه من النوم بهدوء.
أمّا في الفصل الأخير، فيتساءل الكاتب عن جدوى الحرب. وعمّا إذا كان تحرير العراق من صدام حسين يستحقّ كل هذه الدماء وهذه الحروب؟ ولا يتردّد في مقارنة العراق بيوغوسلافيا. فالبلدان تأسّسا بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد قرن على تأسيسهما، قرّرت الولايات المتحدة «تحريرهما من ديكتاتوريَّين، هما تيتو وصدام، وإطلاق العنان للصراع الطائفي والعرقي فيهما».
ينتهي الكتاب بخلاصة واحدة: العراق لم يعد موجوداً. لقد تحوّل إلى لعبة بازل يصعب جمعها، والعالم الغربي وإعلامه لا يزالان يتعاملان معه على أنّه بلد موحّد بسبب غياب قدرتهما على تصوّر نهاية لما بات يعرف «بكابوس العراق».
العنوان الأصلي
L’IRAQ N’EXISTE
PLUS
الكاتب
ريجيس لو سومييه