من يتغير أولاً: أميركا أم إيران؟
عبد الوهاب بدرخان
دق أوباما الباب، فسمع الجواب من علي خامنئي. جرى اصطفاف أوروبي لكيل المدائح لرسالة الرئيس الأميركي إلى “الشعب والقيادة” في إيران، ومع المدائح نصائح بإبقاء الضغوط والعقوبات، هذا دليل آخر إلى أن الغربيين لا يزالون يجهلون منطق الملالي، التهنئة بعيد النوروز تعبر عن لطافة وكياسة وعن يد ممدودة لكنها واقعياً مجرد التفاتة لا أكثر ولا أقل، لذا كان من السهل للمرشد الإيراني أن يقول للرئيس: بيننا جبال من الخلافات، وأساساً ليس بيننا تخاطب، تهنئتك وصلت إلا أنها لا تعني لنا شيئاً، إذا تغيرتم سنتغير…
سجل أوباما نقطة في مصلحته، لكنها لم تعمر طويلا، أرسل تحية ولم يتلق أحسن منها. لعل رد خامنئي – المتوقع – هو ما جعل بوش يحجم عن بعث رسالة مماثلة قيل إنها أعدت ثم طويت.
بات أوباما مضطراً الآن لإتباع رسالته بمبادرة ما تفعيلا لعملية الانفتاح، لا يزال الوقت مبكراً على المبادرات، كان اقتراح نجاد أكثر جدوى فهو دعا إلى الانخراط فوراً في لقاءات بين الجانبين، حتى لو كانت لإيران شروط أيضاً على كيفية الاقلاع بالتفاوض.
جواب المرشد علّم المخططين الأميركيين للحوار درساً جديداً… فهموا أن هذا الحوار سيكون صعباً ومن مجمل الرسالة الأوبامية لم يبق في ذاكرة الإيرانيين سوى أمرين، الأول أنها قالت إن أميركا ملتزمة الدبلوماسية “الآن”، ما يعني أن الخيارات الأخرى ومنها استخدام القوة لا تزال واردة، والثاني قولها إن إيران يجب أن تتبوأ مكانها الصحيح في العالم “لكن بالسلام وليس بالقوة والإرهاب”، ولا داعي لشرح كثير لإثبات أن في هذه العبارة استفزازاً ولا معقماً كأنه معد خصيصاً لاختبار طهران، فإذا ابتلعته تكون كمن يبدي استعداداً لتسهيل الحوار والحاصل أنها رفضته لافتة إلى أكوام التفاصيل المريرة بين الطرفين.
تعرف إيران أن أميركا تحتاج إليها، في أفغانستان كما في العراق، لكن أيضاً -للذين ربما ينسون – في فلسطين ولبنان، وكذلك في الترتيبات الأمنية لمنطقة الخليج. في أفغانستان أولا، لأن الوضع ملح ومتفجر ومعقد. لكن ثنائية “الحوار والضغط”، أو “المفاوضات مع العقوبات”، لغة لا تبدو صالحة في نظر طهران. هذه عقدة ستضطر أوباما إلى مراجعة استراتيجيته للحوار، إذ أنه سيضطر للبرهنة بأنه يقبل على إيران بمنطلقات جديدة تماماً. مشكلته أنه يعتمد على صورته لبيع سياسة تبدو جديدة، لكن كل عناصرها مستخرجة من ملفات طغى عليها عصب التحاقد. فليس في طهران جيل مشابه للجيل الذي يمثله لكن حتى لو وجد، فإنه لا يملك ما يمكنه من تجاوز الماضي، لأن مفاعيل هذا الماضي لا تزال ماثلة بل فاعلة، وما يستطيعه أوباما لا يستطيعه خامنئي أو نجاد أو حتى خاتمي، فالجانبان محكومان بأن يتغيرا.
هذا لا يعني أن الحوار الأميركي – الإيراني سيتعثر أو سيفشل. فالبراجماتيتان ستتفاعلان عاجلا أو آجلا، والأكيد أن ما يتحدث عنه الطرفان لا بد أن يعني شراكة “في نهاية المطاف، إلا أنهما مدعوان إلى ما يشبه حرباً تفاوضية للتوصل إليها. سيحتاج الأمر إلى كل “عبقرية” اللا عبقري دنيس روس الذي سيضطر في هذه المهمة لأن يكون أميركياً أكثر منه صهيونياً، إلا إذا كان معيناً في هذه الوظيفة ليفشلها أيضاً ويشعل حرباً على غرار ما فعل بـ”السلام” الفلسطيني – الإسرائيلي – الذي تحوّل على يديه “رماداً”.
أكثر ما تفاداه أوباما في رسالته كانت الإشارة إلى الملف النووي، وكأنه يريد تحديد أولويات الحوار بما يناسب الأجندة الأميركية. أما طهران فليست متعجلة إلى بت هذا الملف، لكنها ستخضع كل شيء لما يخدمه، فهو يبقى ورقتها الرئيسية، وبالتالي يصعب تصور أن أحداً سيتمكن من الحصول على حرام أو حلال من إيران في أي ملف، إذا لم تكن مطمئنة إلى مصير برنامجها النووي، كل المقايضات ممكنة نظرياً، وعلى الورق لكن في انتظار القطعة الكبرى.
في أي حال، وبعد رسالة أوباما، ورد خامنئي يبقى أن أي رئيس أميركي لم يفكر يوماً في توجيه رسالة مماثلة بمغزاها، ومعناها إلى “الشعوب والقيادات” العربية. لماذا؟ لأن العلاقات العربية – الأميركية كانت ولا تزال على ما يرام. والدليل في الدعم الوقح الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل لتنزل بالعرب الهزائم تلو الهزائم إلى الحد الذي دفع إيران إلى حمل راية الدفاع عن القضايا العربية حماية لبرنامجها النووي.
الاتحاد