الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

السيناريوهات الكابوسيّة

حازم صاغيّة
كأنّ واشنطن، واثقةً مسبقاً من عدم استجابة إيران لدعوتها، تنوي رفع العتب عن نفسها، أو التمهيد لكسب المعركة السياسيّة قبل أن يحدث ما لا تؤمن عقباه عسكريّاً يوحي الردّ المتعالي الذي صدر عن المرشد الإيرانيّ علي خامنئي على الدعوة الأميركيّة بلسان باراك أوباما، بأكثر مما توحي الدعوة نفسها. فيجوز لنا، بالتالي، أن نرى في التشدّد الإيرانيّ بعض ما يجلو غوامض الرغبة الفعليّة الأميركيّة من وراء “الحوار”.
فكأنّ واشنطن، واثقةً مسبقاً من عدم الاستجابة، تنوي رفع العتب عن نفسها، أو التمهيد لكسب المعركة السياسيّة قبل أن يحدث ما لا تؤمن عقباه عسكريّاً. والذين وجدوا، بحقّ، أوجه شبه بين السياسات “الواقعيّة” الحاليّة للبيت الأبيض وبين تلك التي سادت حقبتي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، يحقّ لهم أن يتذكّروا، وهم يتابعون “الحوار” الراهن وتعثّره، محاولات جيمس بيكر للوصول إلى تسوية مع طارق عزيز، والتي ما لبث فشلها أن مهّد لأعرض تحالف دوليّ يحرّر الكويت.
هذا، بالطبع، مجرّد احتمال. إلاّ أنّه ليس احتمالاً ضعيفاً. فأوباما، المرشّح ثمّ الرئيس، لم يتخلّ عن تشدّده في خصوص إيران ومنعها من استكمال برنامجها النوويّ. وهو، بالتأكيد، سيحاول الحصول على هدفه سلماً، مدفوعاً باعتبارات أهمّها تجنّب حرب جديدة فيما الحربان الأفغانيّة والعراقيّة ما تزالان على قدم وساق، وتأمين خلفيّة آمنة للانسحاب من العراق حين يحين أوانه الوشيك. إلاّ أنّه، بالتأكيد نفسه أيضاً، يتحرّك سياسيّاً على غير جبهة: ففي مقابل الحوافز لإيران، بما فيها إشراكها في محاولات التسوية بأفغانستان، ثمّة توطيد متواصل للجبهة الأطلسيّة، الأميركيّة – الأوروبيّة، حيث يبدو، في ما خصّ إيران، قدر من التطابق بعيد. وهناك أكثر من إشارة الى أن شيئاً ما يحدث على الجبهة الأميركيّة – الروسيّة متّجهاً بها، رغم إشارات جزئيّة معاكسة، إلى درجة أعلى من الاستقرار. وغنيّ عن القول إن التراجع الهائل في أسعار النفط واتّضاح حجم الأزمة الروسيّة يساعدان في ذلك، خصوصاً إذا ما بلورت واشنطن سياستها الجديدة، الموصوفة بالمرونة، حيال نشر الدرع الصاروخيّ وتوسيع حلف الأطلسيّ (الناتو) شرقاً.
بلغة أخرى، يتبدّى كأنّ أوباما يعمل على خطّين متوازيين: خطّ العروض وخطّ الاستعداد لما بعد فشل العروض. لكنْ وفي ما يعنينا، في الشرق الأوسط بصورة مباشرة، قد نجد أنفسنا أمام لوحة مقلقة فعلاً. فالحرب سبب كافٍ بذاته للقلق، خصوصاً أن مفاعيلها ستنضاف إلى مفاعيل الأزمة الاقتصاديّة والماليّة في منطقة الخليج، كما ستنضاف إلى مفاعيل الأزمة الأهليّة وسلاح “حزب الله” في لبنان، فضلاً، بطبيعة الحال، إلى الانعكاسات الأشدّ دراميّة التي ستتجمّع في العراق. لكنّ هذا السيناريو المرعب قد لا يعفينا من سيناريو أكثر إرعاباً، هو أن تتولّى إسرائيل هذه المهمّة بدلاً من الولايات المتّحدة التي قد تؤثر عدم التورّط في نزاعات مباشرة. وفي حال كهذه ستغدو كلّ النتائج السيّئة مضروبة بألف، كما قد يطير آخر احتمال بإقامة دولة فلسطينيّة، أو بطرح هذه المسألة أصلاً. ففي ظلّ وضع كهذا يُرجّح أن تغلب على الولايات المتّحدة نزعة مكافأة إسرائيل على “خدمتها” تلك، تماماً كما حصل بعد حرب 1967، حين خدمت الدولة العبريّة واشنطن بضربها “موقعي النفوذ السوفياتيّ” في المنطقة، أي القاهرة الناصريّة ودمشق البعثيّة. فإذا عطفنا على اللوحة المرعبة هذه وجود بنيامين نتانياهو على رأس حكومة يشغل وزارة خارجيّتها أفيغدور ليبرمان، صار في الوسع أن نتخيّل الكوابيس التي يرتّبها علينا جموح السيّد علي خامنئي.
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى