الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

خامنئي وأوباما.. المفاوضات بدأت

سعد محيو
لو أن زعيماً آخر غير آية الله خامنئي رد بهذا العنف على غزلية الرئيس الأمريكي أوباما ل”قادة إيران وشعبها”، لقلنا إن حوار طهران – واشنطن أُجهض قبل أن يبدأ.
فخامنئي أعاد التذكير بكل “قلة الاحترام” التي مارستها الولايات المتحدة في الماضي ضد بلاده، من اسقاط ال”سي. آي. إيه” لحكومة محمد مصدق في الخمسينات، إلى حرب صدام ضد إيران وما تلاها من حصار وعقوبات اقتصادية، وصولاً إلى قوله إن أمريكا “أرادت تحويل إيران الثورية إلى مرعى لها”.
بيد أن هذه إيران. ومعها يأتي كل ما اختزنته الحضارة الفارسية العريقة من دهاء وحذاقة وبراعة خوض أعتى أنواع المفاوضات الدبلوماسية وأعقدها.
ثم: لا أحد كان يتوقع أن يهرع مرشد الثورة الإسلامية بهذه البساطة إلى تلقف رسالة أوباما كأنها حبل نجاة أو قفة نزلت من السماء، على الرغم من المضائق المائية الخطرة التي تمر بها سفينة الاقتصاد الإيراني هذه الأيام، وتدهور عائدات البترودولار جنباً إلى جنب مع ترهل منشآت النفط والغاز، والارتفاع الشاهق في معدلات البطالة. فإيران لم تنس بعد السكاكين التي تلقتها من واشنطن بدل الورود بعد تعاونها معها في حربي أفغانستان والعراق، وجرح حشرها في زاوية “محور الشر” لما يندمل بعد.
خامنئي في حاجة إلى وقت وتكيّف نفسي حقيقي كي يرد على غزل أوباما العلني بغزل علني مماثل. لكن هذه الحيطة والحذر لن تعنيا أن ما يجري فوق الطاولة سيكون هو نفسه مايجري تحتها. ففيما كان المرشد يقرّع أمريكا، كانت طهران تجهز وفدها الذي سيبدأ بعد أسبوعين في موسكو (27 آذار/مارس الحالي) وفي أمستردام (في 31 آذار/مارس) مفاوضات مباشرة مع الأمريكيين، على هامش المؤتمر الدولي حول أفغانستان.
وهنا، ومع هذا التطور الاخير، تتضح قليلاً الصورة الحقيقية لما يجري الآن: أوباما يمد يد المصالحة السياسية والدبلوماسية و”الحضارية” إلى خامنئي، في الوقت نفسه الذي ينشط فيه لمواكبة هذا الحوار بتحضير قائمة طعام جديدة من العقوبات الاقتصادية بالتعاون مع دول كبرى أخرى، فيرد خامنئي بتصعيد خطابه العلني المحدد لكل شروط إيران في الحوار (خاصة رفع العقوبات) ويطلق العنان في الوقت عينه للمفاوضات السرية وغير السرية مع أوباما.
كتبت رولا خلف (فاينانشال تايمز): “رد خامنئي على رسالة أوباما يعكس ما كان يتوقعه الأوروبيون، وهو أن إيران ستمارس لعبة المفاوضات الشاقة، وسيكون على رأس أولوياتها الضغط على أمريكا للتخلي عن جهودها الهادفة إلى فرض عقوبات جديدة عليها”.
وقال روجر كوهن (واشنطن بوست): “ملالي إيران ليسوا مجانين، وهم دوماً يغلّبون الحسابات على العواطف. ولذا فهم سيأخذون أوباما على محمل الجد”.
ونقول نحن إنه على الرغم من رفض خامنئي مصافحة أوباما بيده اليمنى، إلا أنه كان يومىء بيده اليسرى بطريقة يفهم منها أن إيران جاهزة للتفاوض بلا شروط، وإن كانت تفضّل الحصول على بعض الأدلة الملموسة التي تؤكد انتهاء مرحلة سوء النوايا الأمريكية فعلاً لا قولاً.
والحصيلة؟ إنها واضحة: مفاوضات خامنئي وأوباما بدأت بالفعل.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى