خامنئي وأوباما: التزوير الكبير
سعد محيو
“إيران ترفض يد أوباما الممدودة”. “خامنئي ينهر ويزجر أوباما”. “طهران تفرض شروطاً قاسية مسبقة على الحوار مع أمريكا”. “إيران تتصلّب في مواقفها مع أمريكا، لكنها تُبقي الباب موارباً”.
هذه كانت بعض العناوين الرئيسية التي زيّنت بها كبريات الصحف الغربية صفحاتها، من “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى “لوموند” الفرنسية، ومن “فاينانشال تايمز” البريطانية إلى “دي فيلت” الألمانية، تعليقاً على رد خامنئي على رسالة الغزل الأوبامية إليه.
وقل الأمر نفسه أيضاً عن وكالات الأنباء الدولية، وكلها غربية أيضاً، والتي أضفت سمات التطرف على خطاب خامنئي في مقام الإمام الرضا في مشهد(22 آذار/مارس الحالي)، رداً على رسالة الرئيس أوباما.
ماذا يمكن أن يفعل أي مواطن، أوحتى أي محلل سياسي، في الشرق الأوسط وفي بقية أنحاء العالم، حين يتعرّض إلى هذا الوابل الكاسح من هذا النوع من التغطيات الإعلامية؟ لاشيء بالطبع، عدا تصديق كل ما يقوله ويقرره الإعلام الغربي، حتى ولو كان هذا المواطن اوالمحلل ناقداً أو رافضاً للسياسات الأمريكية إزاء إيران والشرق الأوسط.
إنها حقاً معضلة كبرى. وهي تتفاقم أكثر حين تكون الحقيقة مناقضة تماماً، وليس جزئياً وحسب، للرواية الغربية عنها.
أبرز دليل على ذلك هو خطاب مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية في مشهد. فمن قرأ النص الكامل لهذا الخطاب سيصاب بالصدمة أولاً، ثم بالدهشة ثانياً، ثم بالغضب (من الغرب) ثالثاً حين يعقد المقارنة بين ما قاله خامنئي وما فسّره الغرب.
فالنص لا يتضمن أي رائحة من روائح الهجوم أو الصلف أو الزجر والنهر. إنه من ألفه إلى يائه شكوى دفاعية مشبوبة من ممارسات واشنطن العدائية ضد إيران منذ ثلاثين عاماً وحتى الآن. وهذه عينات منها:
منذ اليوم الأول للثورة، ناصبتنا أمريكا العداء. نحن نفهم ذلك، لأن أمريكا كانت حوّلت بلادنا إلى مرعى لها فجاءت الثورة لتسلبها إياه. لكن كان في وسع واشنطن أن تعبّر عن معارضتها بشيء أقل من هذه العدائية.
منذ اليوم الاول للثورة أيضاً أطلقت واشنطن العنان لقوى المعارضة ودعمت الإرهاب بهدف تفكيك الوطن الإيراني، خاصة في المناطق حيث ثمة إمكانية لهذا التفكيك. بصمات أمريكا، من أموال وعملاء، لتحقيق هذا الهدف موجودة، ولاتزال، في كل مكان، بما في ذلك الآن على الحدود الإيرانية – الباكستانية.
ثم جاءت مصادرة الأصول المالية والأسلحة بقيمة مئات الملايين من أموال الشعب الإيراني، وتلتها مباشرة حرب صدام ضدنا التي تمت بضوء أخضر أمريكي والتي أزهقت أرواح 300 ألف من خيرة شبابنا. وفي ختام هذه الحرب أسقطت أمريكا طائرة مدنية إيرانية وقتلت 300 من مواطنينا، فيما كان مسؤولون أمريكيون يدعون إلى إزالة الأمة الإيرانية من الوجود، لأن إيران في رأيهم لن تكون طيّعة ومعتدلة إلا إذا ما تحوّلت إلى جثة هامدة.
هذا غيض من فيض شكاوى خامنئي، والتي يبدو فيها بجلاء أن ما هو في الميزان هنا ليس تطرفاً إيديولوجياً وعناداً استراتيجياً ومشاعر عظمة كما صوّرت لنا المداخل الإعلامية الغربية، بل على العكس تماماً: مشاعر الاضطهاد والضحية وآلام طرف معتدى عليه. وهي بالطبع أحاسيس سايكولوجية تستند إلى معطيات واقعية حقيقية، تشبه إلى حد كبير معطيات الحرب الأمريكية الطاحنة ضد ثورة القومية العربية الناصرية في الخمسينات والستينات.
لكن، هل ترجم آية الله خامنئي هذه الشكوى الغاضبة إلى مواقف رافضة لليد الممدودة الأوبامية؟
مرة أخرى، الإعلام الغربي لم يكن صادقاً.
الخليج