الأزمة المالية العالمية

قـمـة لـنـدن: 5 تـريـلـيـونات دولار لانـتـشـال «بـريـتـون وودز»

وقع قادة مجموعة العشرين المالية في لندن، أمس، على «نظام عالمي جديد»، يعمل على انتشال الاقتصادات من أعمق أزمة منذ الكساد العظيم، ويسعى لتقويض تأثيرات الصادرات الأميركية «الأكثر ضرراً» للعالم المالي، بعدما عثروا على «طريق وسطي» بين معسكرين اثنين، الأول تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا ويريد إنفاق أموال إضافية للتخفيف من الأزمة المالية، والثاني فرنسي ألماني يتطلّع لفرض قواعد أشدّ صرامة لتنظيم عمل النظام المالي العالمي.
تريليون دولار سيضخّ في الاقتصاد العالمي. تسوية تلمست طريق التوافق حولها، بعد تبني خطة تضع نهاية للملاذات الضريبية التي ترفض نقل المعلومات، في موازاة التوقف عن «التنافس» في مجال تعويم العملات المحلية، ومقاومة نظام حماية المنتجات الوطنية، وعدم فرض أي التزام على الدول لتبني إجراءات إضافية لتحفيز الاقتصاد، إجراءات تنظم اتفاقية «بريتون وودز»، المعمول بها منذ اكثر من ستين سنة، ولا تسقطها.
وقد أعلنت السعودية انها رفضت المساهمة في تمويل إضافي قيمته 500 مليار دولار تعهّدت قمة مجموعة العشرين بتقديمه لصندوق النقد الدولي. وقال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف «جرى نقاش مؤخراً بشأن تدبير دعم قدره 250 مليار دولار… نحن لم نشارك في هذا»، مضيفاً في الوقت ذاته ان السعودية «تدرس إمكانيات» تقديم أشكال اخرى من الدعم لصندوق النقد.
وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في مؤتمر صحافي في ختام أعمال القمة «هذا هو اليوم الذي اتفق فيه العالم على التصدي للكساد العالمي. ليس بالكلمات، بل بخطة للإنعاش العالمي والإصلاح وبجدول زمني واضح».
وأعلن براون أن قادة المجموعة اتفقوا على توجيه موارد جديدة تبلغ قيمتها تريليون دولار للاقتصاد العالمي، عن طريق صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى. وقال إن هذه المبالغ مصدرها «أموال جديدة» وحقوق سحب خاصة لصندوق النقد الدولي، مؤكداً ان القمة اتفقت على السماح لصندوق النقد الدولي بتسييل احتياطه من الذهب لمساعدة الدول الأكثر فقراً.
وتشمل الموارد الجديدة (التريليون دولار) التي جرى التوافق حولها 250 مليار دولار من حقوق سحب خاصة لصندوق النقد، الذي سيشهد زيادة موارده إلى ثلاثة أمثالها بضخ 500 مليار دولار من الأموال الجــديدة. كما تمّ الاتفاق على خطة لتمويــل التجــارة بقيمة 250 مليار دولار على مدى عامين لدعم تدفقات التجارة العالمية.
وبشأن مطلب رئيسي لفرنسا وألمانيا، قال براون إن الزعماء اتفقوا «على وضع نهاية للملاذات الضريبية التي لا تنقل المعلومات بناء على طلب بذلك.. وان سرية المصارف السابقة يجب أن يوضع لها حد». وأوضح ان القمة اتفقت على ان يصار فورا الى نشر قائمة بالدول التي لا تبدي تعاوناً في مجال التهرب الضريبي، أكدت باريس لاحقاً أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ستنشر خلال ساعات لائحة بهذه الملاذات الضريبية غير المتعاونة.
كما امتنعت القمة عن فرض أي التزام على الدول لتبني إجراءات اضافية لتحفيز الاقتصاد، علماً أن هذه المسألة تثير توتراً مع تأييد واشنطن اتخاذ مثل هذه الإجراءات، في حين قالت المانيا وفرنسا إنهما تفضلان إعطاء فسحة من الوقت لإجراءات التحفيز التي اتخذت في الشهور الماضية.
وفيما أكد براون أن مجموعة العشرين اتفقت على وضع «قواعد جديدة» دولية ترعى منح العلاوات وتحديد الأجور، رحب بانبثاق «نظام عالمي جديد» من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، مؤكداً أن المجموعة ستكون بحلول نهاية 2010 قد أنفقت ما مجموعه 5 آلاف مليار دولار لتحفيز الاقتصاد، مما سيساعد على «رفع معدلات النمو بنسبة 4 في المئة».
وفي بيانهم الختامي، تعهّد قادة مجموعة العشرين بأن يديروا سياساتهم الاقتصادية «بطرق مسؤولة ومن خلال التعاون»، في ما يتعلق بتأثير هذه السياسات على الدول الأخرى، «والتوقف عن التنافس في مجال تعويم العملات المحلية والترويج لنظام نقدي عالمي مستقر ويعــمل بأفضل صورة، ودعم وجود صندوق نقد دولي مستقل يراقب اقتصاداتهم وقطاعاتهم المالية». كما تعهّدوا «بتقوية ودعم المؤسسات المالية الدولية، ومقاومة نظام حماية المنتجات الوطنــية والترويج للتجارة العالمية والاســتثمار، والتوصّل إلى نتيجة متوازنة وطموحة لجولة مفاوضات التنمية في الدوحة».
وعقب صدور البيان الختامي، قال الرئيس الأميركي باراك اوباما ان قمة العشرين «رفضت الإجراءات الحمائية التي ستفاقم الأزمة المالية»، مؤكداً التزامه بـ«التوصل الى تسوية بدل إملاء شروطنا». ودعا الى «وحدة دولية» في التعامل مع التراجع الاقتصادي، معتبراً ان قمة لندن تمثل «نقطة تحول في الجهود الدولية للتعافي من الازمة». كما اعلن مضاعفة المساعدات الاميركية في مجال الغذاء والزراعة المخصصة لإفريقيا وأميركا اللاتينية وباقي المناطق الفقيرة الى مليار دولار.
بدوره، اعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن نتائج القمة جاءت «فوق المتوقع». وقال «منذ بريتون وودز (بعد الحرب العالمية الثانية) والعالم يعيش على نموذج مالي هو النموذج الانغلو ساكسوني.. لست بصدد انتقاده فهو له عيوبه.. لكن من الواضح ان صفحة طويت» في قمة العشرين، التي ستعقد اجتماعاً جديداً خلال العام الحالي في نيويورك في أيلول المقبل، عقب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في موازاة ذلك، قالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل إن مجموعة العشرين توصلت في هذه القمة إلى «تسوية تاريخية لأزمة استثنائية». وأضافت ان المفاوضات التي جرت في القمة بين القادة كانت «شاقة» ولا سيما بسبب الخلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان من جهة، وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، على موضوع التحفيز الاقتصادي بواسطة الموازنة الذي دعمه الفريق الأول ورفضه الثاني.
ورأى الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ان القرارات التي خرجت بها القمة تشكل «خطوة في الاتجاه الصحيح»، محذراً في المقابل من أن هذه الإجراءات لن تحل كل المشاكل. كما اعتبر المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس ـ كان، ان قمة مجموعة العشرين خرجت بقرارات تشكل مجتمعة «اكبر خطة نهوض اقتصادي موحدة على الإطلاق».
وأضاف انه رغم عدم وجود «حلول سريعة»، إلا ان القرارات تعني «أننا يمكننا تقصير أمد الكساد والحفاظ على الوظائف».
(ا ب، ا ف ب، رويترز، يو بي آي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى