عرض كتاب مستقبل الحرية
عمار ديوب
أثارت ولا تزال تثير مسألة الديمقراطية كثير من الاختلافات والتدقيقات تبدأ من أهميتها ، إلى توافقها مع الليبرالية و تلازمها مع العلمانية ،واختلاف معانيها عند اليونان ، عنه، مع مشروع الحداثة الأوربي. يطرحها الفكر الليبرالي كبداهة تمتلك القدرة بذاتها على تغيير المجتمعات بالتزامن مع حرية السوق وقداسة التملك. يطرحها الماركسيون بالتلازم مع الاشتراكية ولصالح الطبقة العاملة وبقية الطبقات.
ورغم كل ما قيل عنها تطرح كذلك بأنها في أمريكا، تتميز عنها في فرنسا، عنها في بريطانيا وهكذا في كل دول العالم. يحاول بعض الإسلاميون طرحها من زاوية الشورى ،أو أنها ممكنة بدون علمانية وعلى أرضية الماهيات الدينية ويشكك كثير من المفكرين الحداثيين في نجاعتها ما دام العقل العربي لا يزال عقل قروسطي وأن مجتمعاتنا ليست مؤهلة لها. لكل ذلك وجدت فائدة في عرض هذا الكتاب الذي يتحدث عن كل هذه القضايا.
يرى الكاتب أن الديمقراطية هي الشيء الذي عمّ في القرن العشرين كل بلاد العالم ولم تعدّ حكراً على أوربا وأنها انتقلت من كونها أحد أشكال الحكم إلى كونها أسلوب للحياة.حيث أن الاقتصاد ،الادخار،الاستهلاك،لم يعد حكراً على مجموعات صغيرة من رجال الأعمال المصرفيين البيروقراطيين بل أصبح ظاهرة جماهيرية،وان الطبقة الوسطى هي الأساس في المجتمعات الراهنة،وأن الديمقراطية تعبر عن هذه الكلية.
الثقافة بدورها أصبحت ديمقراطية وغاب عنها مفهوم الثقافة الرفيعة حيث انتشرت الموسيقى الشعبية والأفلام الصاخبة وبرامج ساعات الذروة على الشاشات التلفزيونية.
ويعتبر الكاتب أن من أهم القوى الموّلدة للموجة الديمقراطية ،الثورة التكنولوجية والثراء المتنامي للطبقة المتوسطة وانهيار النظم والإيديولوجيات ثم وأيضاً ظهور أمريكا كقوة مهميمنة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
التكنولوجية بكل أشكالها كانت تعزز المركزية،إلا أن الثورة المعلوماتية وشبكة الانترنيت أزالت الحواجز وجعلت الجميع متواصلين،دون أن يتحكم احد بأحد.حتى التكنولوجية النووية أصبحت مباحة على المشاع؟!
ينتقد الكاتب الديمقراطية غير المشروطة بالليبرالية بأنها تؤدي إلى انتخاب عنصريين فاشيين أو نظام حكم ديني إسلامي أو نظام بدون قيود دستورية على سلطته.أما الديمقراطية الليبرالية فهي تعني:نظام سياسي ديمقراطي علماني وقابل للتطور حسب موازين القوى.
كانت غالبية البلدان في أوربا الغربية ،حتى القرن العشرين أوتوقراطيات ليبرالية أو نظم شبه ديمقراطية و كان حق الاقتراع فيها مقيداً للغاية وكانت مجالسها التشريعية المنتخبة محددة السلطات وفي عام 1830 كانت بريطانيا تسمح بنسبة 2 في المائة بالكاد من سكانها بالتصويت لانتخاب مجلس نيابي واحد.
ومنذ عام 1945 صارت الحكومات الغربية تجسد في غالبيتها كلا من الديمقراطية والليبرالية الدستورية.ويستطرد بالقول: إن التاريخ الحديث لأوربا وأمريكا الشمالية سادت فيه الليبرالية الدستورية وليس الديمقراطية ولعب القاضي النزيه دوراً أساسياً فيه وليس الاستفتاء العام.
ويوضح الكاتب أن الولايات المتحدة الأمريكية تقع في تناقض خطير:فهي المدافع عن الديمقراطية غير المقيدة في الخارج ولكن النظام الأمريكي يميزه عدم ديمقراطيته فهو يضع قيوداً متعددة على الأغلبيات الانتخابية ،وهناك ميثاق الحقوق الذي لا يجوز للحكومة المس به،وأن أشخاص المحكمة العليا التسعة يرأسونها مدى الحياة وهي هيئة غير منتخبة ،ويعتبر مجلس الشيوخ الأمريكي أبعد المجالس عن التمثيل النيابي في العالم.ولكل ولاية عضوين من الشيوخ وبغض النظر عن حجم الولاية؟!.
يشير الكاتب إلى أن الليبرالية الدستورية تتميز بالانتخابات الحرة النزيهة وبسيادة القانون والفصل بين السلطات وحماية الحريات الأساسية في التعبير والتجمع والتدين . إلا أنها ليست الديمقراطية ولم تتزامنا دائماً مع بعض.
يلفت الانتباه الكاتب أن هتلر أصبح مستشار لألمانيا من خلال انتخابات حرة وبعض الأنظمة الديكتاتورية في آسيا الوسطى وصلت إلى السلطة بنفس الطريق وأدت الانتخابات في يوغسلافيا واندونيسيا إلى تفاقم النزاعات بين الجماعات والتوترات الاثنية.وقد تؤدي في العالم العربي إلى أنظمة رجعية.
البلدان الحديثية العهد بالديمقراطية تتحول فيها إلى عملية زائفة تفرز الفوضى والعنف وأشكال جديدة من الاستبداد (إيران ،العراق).
الانتخابات في إطار الديمقراطية السياسية تعتبر بمثابة جوهر للديمقراطية وقد تفرز حكومات فاسدة وقصيرة النظر.ولكن هذا لا يلغي ديمقراطيتها.ولذلك لا بد من توافر بعض الشروط لهذه الديمقراطية كحماية حرية التعبير والتجمع ومنح المرأة حق الانتخاب؟ وأما إذا لم تراعى هذه الحقوق وكان فيها بعض الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فهي ديمقراطية غير ذات معنى.
ثم يؤكد الكاتب على أن الديمقراطيات الغربية تشهد تجاهلاً حقيقياً من قبل الشعب بها،إلا أنها تظل مع ذلك النموذج الذي يحتذي به سائر أنحاء العالم.الديمقراطية ليست مطلقة وإلا ستؤدي إلى الفوضى.ولذلك كان للنظام الذي تشكله جوانب متعددة لا تخضع كلها للانتخاب وتلك المؤسسات والمجموعات غير الديمقراطية كان الغرض منها تلطيف الانفعالات الجماهيرية وتثقيف المواطنين ،وتوجيه الديمقراطية وتأمين الحرية.
إذن لا بد من التوازن بين الديمقراطية والحرية وان الديمقراطية لوحدها إيديولوجية محضة ولها حدود فاصلة ولا بد من إعادة إحياء العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية والحرية واستيعاب ماضيها.
أما تاريخ الحرية فيرى الكاتب أنه يعود إلى الانفصال بين الكنيسة التي بقي أسقفها في أوربا وبين الدولة الرومانية التي انتقلت إلى تركيا.وقد أدى الفصل والنزاعات لاحقاً إلى اندلاع نيران حرية الإنسان.وبالتالي الحرية هي التي قادت إلى الديمقراطية وليس العكس وهنا يرفض الكاتب اعتبار اليونان أصل الحرية بقدر ما يؤكد أنها تمثل حضارة للفلسفة والعلوم والآداب.و إنها كانت أقرب إلى الديمقراطية بلا حقوق مقدسة للأفراد وقد شهدت إعدام سقراط.
أما الرومان فقد أكدوا على حرية الأفراد أي أن يتمتع جميع المواطنين بمعاملة متساوية أمام القانون وفي الجمهورية الرومانية تم تقسيم السلطة إلى ثلاثة فروع وانتخاب المسئولين فيها لفترات زمنية محدودة.ومنها استقت أمريكا المصطلحات السياسية:مجلس الشيوخ الجمهورية،الدستورية،الولايات الخ.
ولكن أكبر نقيصة في القانون الروماني عدم سريانه على الطبقة الحاكمة حيث أدى ذلك إلى انحلال الجمهورية وتحولها إلى الملكية وإن أسؤ انتهاك للقوانين كان تعيين حصان كاليجولا سناتور عضواً في مجلس الشيوخ؟؟!!
أسهمت الجغرافيا والتاريخ في تشكيل الهيكل السياسي لأوربا،حيث تحوّل ملاك الأراضي في أوربا إلى أرستقراطية تملك المال والشرعية وتنافس الملوك.وكانت تطالبهم بأن يكفلوا لها حقوقاً معينة لا يستطيع الجالس على العرش انتهاكها.كما قاموا بتأسيس هيئات نيابية –برلمانات-مجالس طبقات الأمة الثلاث(النبلاء-رجال الدين-الشعب)والمجالس التشريعية،للتعبير عن مطالبهم بصورة دائمة.وبعد المواجهة بين الكنيسة والدولة ،وبين الملك واللوردات كان الصراع التالي بين الكاثوليك والبروتستانت وبالرغم من دمويته فإن له دوراً في تعزيز مسألة الحرية.
مع حلول القرن السابع عشر وبروز التحولات التكنولوجية ،والمنافسة العسكرية المتصاعدة،وإثارة النزعات الوطنية،والقدرة على تطبيق مركزية جمع الضرائب،استطاعت الدولة أن تفرض نفسها على الارستقراطيات والنبلاء فقام الملوك بإغلاق غالبية البرلمانات ومجالس الطبقات والمجالس النيابية والتشريعية التي عرفتها القرون الوسطى.
بعد الثورة الفرنسية الكبرى 1789 بسطت الحكومة المركزية نفسها ونزعت القوة من السلطات المحلية والإقليمية.وظهر مفهوم السيادة الشعبية على حساب السلطة المطلقة وأعلنت الأهداف الكبرى “الحرية، المساواة ، الإخاء“.
بحلول القرن الثامن عشر نسفت الرأسمالية أنماطاً من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دامت آلاف السنين وخلقت طبقة مستقلة من رجال الأعمال وأصبحوا يشكلون القوة المهيمنة في المجتمعات المتقدمة في العالم.
وبحلول أوائل القرن التاسع عشر ازدهرت في المملكة المتحدة الحرية الفردية وسادت المساواة في ظل القانون ،ولكن لم تكن ديمقراطية.فقبل مرسوم الإصلاح لعام 1832 كان 1،8 في المائة من الراشدين في بريطانيا يتمتعون بحق الانتخابات وبعد المرسوم ارتفع إلى 2،7 في المائة وبعد عام 1867 أصبح 6،4 فقط وبعد عام 1884 وصل الرقم إلى 12،1 في المائة ولم تنل المرأة حق الانتخاب الكامل إلا في عام 1930 …
أما في أمريكا فقد كان 5 في المائة يقترعون بين 1824و1848 ولم ينل السود حق الانتخاب إلا بعد عام 1960.
ثم يشير الكاتب أنه من الخطأ إعادت الديمقراطية إلى نوع من الثقافة أو الدين وإنما إلى السياسات التي يتبناها القائمون على النظام الحاكم.
وأما بخصوص أشكال الاستعمار فيرى الكاتب:إن الإمبراطورية البريطانية تركت ورائها ميراثان من القانون والرأسمالية أما فرنسا فلم تشجع إلا القليل من الحكم الدستوري أو الأسواق الحرة ولكنها أطلقت حق الاقتراع.إلا أن غالبية دول العالم الثالث التي أعلنت عن نفسها ديمقراطيات بعد الاستقلال ،تحولت إلى نظم ديكتاتورية في غضون عقد واحد.
يستطرد الكاتب بان في أوربا سقطت نظم حكم ملكية كثيرة بعد الحرب العالمية الأولى وتوزعت أممها نزعات الفاشستية والديكتاتورية والشيوعية .إلا انه وبعد عام 1945 استقرت الديمقراطية الليبرالية فيها بدعم أمريكي مباشر واستطاعت أن تحتوي الخطر الشيوعي .
اليونان واسبانيا والبرتغال حققت الانتقال إلى الديمقراطية بعد السبعينيات وبعد عام 1989 استطاعت أوربا الشرقية الانتقال إلى الديمقراطية وإن تعثر بعضها قليلاً .ويسأل الكاتب هنا ، أية عوامل تفرز ديمقراطية ليبرالية ؟ ويؤكد بان الموضوع يكمن في نجاح الدولة الاقتصادي وارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي وكلما ارتفع الدخل باستثناء الدول الريعية تصبح الديمقراطية خالدة؟
قد تتغير الدول نحو الديمقراطية لأسباب مختلفة “الحروب ،الأزمات الاقتصادية ،الوفاة”ولكن ما يثبت الديمقراطية هي الثروة المتنامية. ويرى أن الإصلاح الاقتصادي يلعب دوراً أكيداً وتدرجياً في الإصلاحات السياسية اللاحقة وهو ما تم في المكسيك وما سيتم لاحقاً في كثير من دول العالم ولا سيما الصين ولكن أحياناً يقود إلى الفوضى كما يشير وهنا خطر أكيد.
يرى الكاتب إن تجربة ألمانيا الخاصة تتعلق باختلاف التكوين التاريخي للرأسمالية وسيرورة التطور وغياب الثورة الصناعية وتأخر ديمقراطيتها حيث أن بسمارك هو الذي منح الألمان حق الاقتراع العام لجميع الذكور في ألمانيا عام 1871 واستخدم الايديولوجيا القومية والوطنية .إلا أن ألمانيا لم تصبح ديمقراطية ليبرالية إلا بعد الحرب العالمية الثانية .
ويورد الكاتب مفارقة تؤكد دور الدولة الاقتصادي في بناء الصناعة في بداية إقلاع الرأسمالية الألمانية وهو ما تكرر في اليابان وفي كل الدول المستقلة عن الاستعمار وفي دول الاشتراكية المحققة.
ويشير إلى أن في الديمقراطيات الليبرالية الناضجة يمكن عادةً احتواء الانقسامات العرقية بدون اللجوء للعنف أو الإرهاب.غير انه في غياب خلفية من الليبرالية الدستورية فإن تطبيق الديمقراطية في مجتمعات منقسمة، أثار بالفعل النعرات القومية والنزاع العرقي والحرب ذاتها.
اندونيسيا مثلاً لم تكن المرشح المثالي للديمقراطية فهي تعتمد على الموارد الطبيعية ومحرومة من المؤسسات السياسية الشرعية ويحكمها الديكتاتور سوهارتو مع أتباعه ودخل الفرد منخفض ومع تحولها”الديمقراطي”انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5 في المائة وارتفع عدد الفقراء إلى 20 مليون نسمة ووصل 20 من المائة من البرلمانيين الإسلاميين إلى البرلمان وزاد الفساد والمحسوبيات لذلك كان الأفضل كما يستنتج الكاتب إطلاق إصلاح سياسي متدرج بدلاً من ثورة شاملة.
الهند الدولة المتعددة الأعراق ،والكثيفة العدد،أًصبحت في نواح معينة ديمقراطية ولكنها أقل تسامحاً وأقل علمانية وأقل التزاماً بالقانون وأقل ليبرالية. ولا يزال التعصب الديني يشوه الديمقراطية الهندية عدا عن الفساد الواسع النطاق وعدم الاكتراث بسيادة القانون ففي أوتار براديش حصل رئيس وزرائها على الأغلبية البرلمانية عام 1997 بعد أن قام بتشكيل وزارة من 93 وزيراً وقسم كبير منهم من أصحاب السوابق ومنهم متهمون بجرائم قتل؟!.
ثم يستعرض عملية انتقال روسيا من البيروقراطية السوفيتية إلى الديمقراطية غير الليبرالية.ففي زمن يلسن اتجه النظام نحو ديمقراطية هشة،وسياسات شبه ديكتاتورية ضد القوى السوفيتية القديمة .فقد حلّ المجلس التشريعي وتقدم بدستور جديد في عام 1992 وكان يصدر أوامر وقرارات رئاسية دون المرور بالبرلمان.وكذلك حلّ نظام الحكم المحلي برمته لأنه عارضه وحرم رئيس المحكمة الدستورية من راتبه ودفعه للاستقالة لأنه رفض تطبيق أحد قراراته. روسيا هذه لم تستطع الانتقال إلى ديمقراطية ليبرالية ولكنها تنتقل إلى حكم مطلق فردي وخاصة بعد مجيء بوتين،وهو ما تكرس بانتخاب خليفته.وبالتالي لم تستطع التطور المستمر بقضيتين اثنتين:التنمية الاقتصادية وبناء مؤسسات سياسية.
الصين كدولة شيوعية بدأت بالإصلاح الاقتصادي الذي يتجه بها نحو دولة رأسمالية ولا تزال تؤجل الإصلاح السياسي.
أما بخصوص أمريكا اللاتينية فإن الديمقراطية في اثنين وعشرين دولة شهدت مستويات من الإساءة لحقوق الإنسان تتعارض مع تدعيم الديمقراطية الليبرالية.
يشير الكاتب أن فنزويلا قبل شافيز كانت على شفا اندلاع الثورة ولكنها حصلت على رئيس جديد للدولة،لديه طموح كبير في توسيع صلاحياته.
إفريقيا التي شهدت انتخابات متعددة الأحزاب(42 بلد) وحققت شيء من الحرية، تم في كثير من بلدانها تقويض الدولة وأفرزت تحديات إقليمية وإثنية أمام الحكومة المركزية.وبعض دولها وقعت في الفوضى وعدم الاستقرار واستشراء الفساد والخروج على القانون .ويعلق الكاتب أن إفريقيا تحتاج إلى التنظيم والإدارة الجيدتين أكثر من الديمقراطية .
ويتسأل الكاتب بذكاء:هل تفتح الانتخابات نحو المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقانونية أم توفر غطاءً للاستبداد والشعبوية.
ثم يشير إلى “الاستثناء الإسلامي”حيث يؤكد على بعد “العرب والمسلمين”عن الديمقراطية الليبرالية.حيث عبر الانتخابات سيتم إفراز سياسيين عرب أقرب إلى أسامة ابن لادن ويبني حجته بحادثتين:رفض مجلس النواب الكويتي المنتخب ديمقراطياً منح المرأة حق الاقتراع ورفض اقتراح الملك عبد الله السعودي قيادة المرأة للسيارات؟.
ويستخلص من هذا الاستثناء أن المسار العربي الديكتاتوري هو الذي ولّد الإرهاب والحركات المتأسلمة وهذا نتيجة الشلل الاقتصادي والركود الاجتماعي والإفلاس الفكري.
يشيد الكاتب بالأردن والمغرب ليس لديمقراطيتهما بل لتبنيهما بعض أشكال الليبرالية ويضيف بموضوع الإرهاب أنه ليس نتيجة الفقر بل هو نتيجة الغنى الناتج عن احتكار الموارد الطبيعية وغياب الليبرالية والحريات العامة ،حيث أن المال الذي يسهل الحصول عليه يعني تحديثاً اقتصادياً وسياسياً قليلاً.
الإسلام السياسي لم يواجه منافسة تذكر حيث يعتبر الكاتب أن العالم الإسلامي بلا أحزاب سياسية حقيقية وبدون صحافة حرة ونتج عن ذلك أن أصبح المسجد ساحة للمناقشة السياسية فأخذت لغة الاعتراض لغة الدين ومزج بالسياسة.
ويقدم رؤية هامة بموضوع هيمنة القوى السياسية الإسلامية فيشير :أن المنظمات الأصولية “الإخوان المسلمين ، حماس ، حزب الله وغيرها” قامت بتقديم خدمات عامة لم تقمْ بها الدولة والأصح أنها تخلت عنها، كتقديم الخدمات الاجتماعية والمساعدة الطبية والمشورة والإسكان المؤقت.مما أعطى هذه الحركات الشرعية.وهذا شبيه بما فعلته النازية والفاشية وكذلك الشعبوية.
بعد ذلك يؤكد:إن حل مشكلات العالم العربي والإسلامي ليس في الإصلاح الديني أو الإسلامي وإنما في الإصلاح الاقتصادي والتحول نحو الليبرالية وليس نحو الديمقراطية.ومع أن مشكلات منطقة الشرق الأوسط ليست اقتصادية فإن بداية حلها قد يكون من الاقتصاد.
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الثمانينيات استقراراً وارتفاعاً في الدخل وتعزز موقعها العالمي خاصة بعد انهيار الاشتراكية المتحققة. إلا أن الأمريكيون بدورهم ، فقدوا ثقتهم بديمقراطيتهم، وأصبحوا أقل حرية في بلادهم.فقد كانت مستويات التصويت بنحو 20 في المائة عام 1960 وأما العضوية في حزب ما أو مدرسة ما فقد انهارت بصورة كبيرة وإن الانخراط في الشئون العامة والمدنية بصفة عامة شهد تراجعاً قدره 40 في المائة منذ منتصف الستينات.
وفي سؤال ما الذي جعل النظام الأمريكي ينحدر يجيب أنه إضفاء الطابع الديمقراطي على السياسة ؟ وأن أحداً لا يستمع للفقراء أو للفئات الوسطى وان الجماعات المنظمة المصالح الخاصة هي التي تدير واشنطن .
يشير الكاتب إلى أن الأحزاب الأمريكية تختار مرشحيها وبرامجها السياسية بعيداً عن الجماهير وأن النواب والشيوخ يلتقون في لجان من أجل المتاجرة والمقايضة والمساومة في القضايا.
ولا يعتبر “جيمي ماديسون “واضع الدستور الأمريكي أن أمريكا ديمقراطية والأفضل تسميتها بالجمهورية لان نواب الأمة هم الذين يقررون وليس الأمة.
الأحزاب السياسية في الساحة الأمريكية لم يعد لها وجود أكثر من وسيلة لجمع التبرعات من أجل مرشح في دائرة ما،ففي النظام الأمريكي السياسي نشهد فقط زيادة في عدد أبناء الأسر السياسية الحاكمة والمسئولين الذائعي الصيت والسياسيين من أصحاب المليارات.
ويشرح دور جماعات المصالح باعتبارها المتحكمة بالتعبير عن أهدافها ورؤاها وباعتبار السياسيين يخافون على مصالحهم، وخشيت إبعادهم عن السلطة. فإنهم يعملون دون هوادة على كسب رضا جماعات الضغط “اللوبي والمصالح”وبالتالي جلب الناخبين إلى صناديق الاقتراع لانتخابهم.
تنتشر في السياسة الأمريكية طبقة أخذة في الاتساع هي الاستشاريين المحترفين وجماعات الضغط ومنظمي الاستطلاع والرأي والنشاطات.وهم الذين يسيطرون على السياسة العامة.ويطرح السؤال التالي : من يتولى الرقابة والاستشاريين وجماعات الضغط،الجواب لا أحد. وبالتالي المسئولين عن السياسة في أمريكا يديرون شئونهم بشكل مستتر وعبر جماعات غير خاضعةٍ للمسائلة وغير مباليةٍ بالمصلحة العامة الكبرى.
في عنوان مثير للغرابة “وفاة السلطة”يسرد الكاتب مجموعة من الأفكار عن المؤسسات في الأنظمة الديمقراطية.فقد انهارت في العقود الأخيرة السلطة العمومية بمعناها القديم حيث القوانين الصارمة في مختلف المهن والأعمال .وبعكس ذلك بدأت السلطة تفقد معناها وأصبح الفرد لا يهتم بما هو عام وإنما بما هو فردي وخاص.فالقروض صارت تُعطى لكل من لديه عمل ويمكن للفرد شراء حاجياته وان يعيدها بالتدريج في السنوات المقبلة.
الكتب كذلك، أصبحت مع العولمة والسوق والديمقراطية أقل قيمة وأهمية وأيضاً الفن فقد أصبح سلعة رخيصة القيمة واستهلاكية.وهذا ينطبق على الأعمال والمحاماة والطب والفكر، فكلها تابعة لأصحاب المصالح.
وفي خاتمة الكتاب يشير الكاتب أن القرن العشرين تميز باتجاهين عريضين:وضع لوائح تنظيمية للرأسمالية حتى بداية السبعينيات وتحرير الديمقراطية من القواعد المقيدة بعد السبعينيات بما أدى إلى الخصخصة وتحرير الصناعات وانسحاب الدولة من مواقع القيادة العليا للاقتصاد.
وفي جواب ملفت لإحدى الاستطلاعات كما يشير الكاتب عن المؤسسات العامة التي يحترمها الأمريكيون ؟ فكانت الإجابة:المحكمة العليا،القوات المسلحة،نظام الاحتياط الفيدرالي ،ويعلق الكاتب أن هذه جميعها تعمل بطريقة غير ديمقراطية؟!.
وفي موضوع الإرهاب يعتبر دور الدولة ضروري لمحاربته ولكن دون أن تصبح عنيفة وشمولية فتولد الإرهاب من جديد.
يبدى الكاتب إعجابه بمؤسسة الاتحاد الأوربي أو منظمة التجارة العالمية باعتبارها مؤسسات معزولة عن الضغوط السياسية؟!ولذلك يؤكد على الليبرالية الدستورية وديمقراطية التفويض وليست المباشرة وبالتالي على ضرورة أن يتحمل مسئولون محددون نتائج القرارات التي تتخذ ،حيث يقول”إن ما نحتاج إليه اليوم في مجال السياسة ليس قدراً أعظم من الديمقراطية وإنما قدر أقل “
ويخلص بما يعاكس الأجواء الديمقراطية العربية:إن الديمقراطية نظام منفتح وسهل الوصول إليه من الناحية النظرية ولكنه خاضع في واقع الأمر لسيطرة أقليات منظمة أو متعصبة تحمي نفسها بنفسها من اجل الحاضر وتضحي بالمستقبل وقد تؤدي إلى أزمة تتعلق بشرعية أهميتها وقد تؤدي أيضاً إلى العجز والفوضى.
*الكتاب صادر عن دار الأهرام ،مؤلفه فريد زكريا،بعنوان مستقبل الحرية،الديمقراطية غير الليبرالية في الوطن والخارج،ترجمة رضا خليفة،الطبعة الأولى ،عام 2006.