السعودية: حتي يضيع النسب
د. مضاوي الرشيد
يبدو ان النظام السعودي ينشغل بنسبه واصله اكثر من اي نظام عربي في هذه المرحلة. نجد بعض الامراء المتمكنين في الدولة منهمكا في سجالات تاريخية تتعلق بنسبه وعلاقاته مع جيرانه اكثر من انهماكه بتسيير امور الدولة والتجاوب مع متطلبات شعبه. خير دليل علي هذه الملاحظة ما يقوم به امير الرياض سلمان بن عبد العزيز من نشاط ثقافي
يبدو في مجمله كمحاولة لتثبيت المروية التاريخية الرسمية لنشوء الدولة السعودية ونسب مؤسسيها. حيث بدأت هذه المساجلات والردود عندما بعث الامير برسالة الي احدي الصحف الكويتية يرد فيها علي كتاب تاريخي للدكتورة سعاد الصباح تعرضت فيه للعلاقات بين آل صباح وآل سعود. وبعدها القي الامير محاضرة عن السيرة الذاتية لوالده علي جمع من الاكاديميين الذين صفقوا لهذه السيرة والتي سردت وكأنها سيرة نبوية مقدسة لا تقبل المراجعة والتمحيص او اعادة النظر.
ومؤخرا أرسل الامير رسالة توضيحية لاحدي الفضائيات العربية المعروفة بتبنيها للخط السعودي ونظرته للماضي والمستقبل. وعندما دار الجدل في هذه القناة عن موضوع نسب آل سعود استدرك الامير الامر برسالته ليحسم الجدل حول هذا النسب في اطار سلسلة من الحلقات المتلفزة المتعاطية مع موضوع تاريخ السعودية. ومن منطلق تثبيت هذا النسب كتب سموه الي المشرف علي هذه القناة نظرته الي نسب اسرته والذي تكرر التعاطي معه وتعددت المرويات فيه. حسم الامير الجدل مستشهدا بسلسلة من اقوال المؤرخين المحليين والمستشرقين الغربيين واعلن للجمهور المستمع ان آل سعود من بني حنيفة وليس من بني تميم او اي قبيلة اخري رغم كونهم يرتبطون ارتباطا بعيدا ببني وائل من عنزة لا يهمنا هنا حقيقة هذا النسب وتثبيته ولكن يلفت اهتمامنا هذا الهوس من قبل المسؤولين السعوديين بنسبهم والجدل الحاصل الذي يدور حول هذا النسب. فلم نجد مثلا حكاما في الخليج أرسلوا رسائل توضيحية لوسائل الاعلام والقنوات الفضائية تنشر علي الجمهور الناطق بلغة الضاد خفايا انسابهم واشجارهم العائلية ربما لانهم يعرفون تماما ان المشاهد العربي لا يهمه هذا الجدل المحلي وان آخر اهتماماته في القرن الواحد والعشرين وتحت الضغوط المعيشية الحالية وقضايا الاحتلال والجوع والقهر هو قضية أنساب الاسر الحاكمة. يبدو لنا ان الاهتمام المتزايد من قبل المسؤولين السعوديين بنسبهم ومحاولاتهم الكثيرة لتثبيته هو انعكاس لحالة التشكيك الحالية بهذا النسب في مرحلة تشهد فيها السعودية منذ مدة طويلة اعادة موضة الانساب وموضوع القبائل وصولاتها الشعرية وتاريخها الماضي التي تجد فسحة لها في وسائل الاعلام التقليدية والجديدة. مما اضطر الصحف السعودية ان تكتب عن مثل هذه السجالات والعصبيات القديمة المتجددة. اليوم لكل قبيلة موقع الكتروني وشعراء وكتاب ومفاخر بدأت تظهر بشكل مكثف ومتواتر. وفي ظل مثل هذا التهافت علي الانساب نجد ان القيادة نفسها تنخرط في لعبة النسب ولعلها تشعر ان تعدد مصادر المعلومة قد يؤدي الي ضياع نسبها هي، حيث نجد اليوم اكثر من رواية عن اصل الاسرة السعودية بعضها لا نستطيع ذكره علي صفحات هذه الجريدة لكنه بدأ يأخذ بعدا كبيرا حيث تردده الألسن وتنشره الاصابع علي صفحات العوالم الافتراضية. وفي مرحلة تتزايد فيها مسابقات الانساب ومحاولات تثبيت الاصالة ربما تجد الاسرة الحاكمة نفسها متخلفة عن سياق الاحداث ومضطرة ان تنخرط في لعبة النسب بعد ان شكك الكثير في تثبيته وعلي شاشة فضائية مرتبطة بالسعودية بشكل ما. ان يضطر امير الي ارسال رسالة عن نسبه واصله انما يعكس حالة تشظ لشرعية نظام يستغل كل مناسبة لتثبيت مرويته التاريخية عن اصله واسباب قيامه رغم انه انشأ من المؤسسات التي تسمي ثقافية مهمتها الوحيدة هي ترسيخ مروية احادية عن اصل الدولة وفصلها ونشر الكتب المعنية بهذا الشأن. ترديد هذه المروية التي تذكر جمهورها بانها دولة قامت علي الكتاب والسنة وليس علي العصبية انما هو ردة فعل علي محاولات اخري ومرويات كثيرة بدأت تظهر علي السطح تطعن بالخطاب الرسمي والسير الذاتية والتي لا تجد طريقها الي معارض الكتب المقامة سنويا في الرياض او غيرها من المدن.
علي خلفية هذه التعددية المحمودة والتي يشارك فيها عدد قليل من مؤرخي وعلماء الداخل نجد ان النظام يخاف علي نسبه من الضياع في خضم هذا الزخم الذي وفرته تعددية الاتصال ونشر المعلومة. فليس من المستغرب اذن ان تصاب القيادة بحالة هستيريا نتيجة تعدد المرويات وتدخل في سجالات متلفزة علها بذلك تثبت نسبها هي وتستعرض اصلها علي جمهور لم يعد يبالي بهذا النسب وان استحضره بين الحين والحين اما ليثبت شرعية ما او لينزع هذه الشرعية. لكن الغريب في الامر ان هذه القيادة نفسها تعتز بكونها قضت علي شرعيات سابقة اعتمدت علي انساب مقدسة تحت مظلة دينية واستأصلت بعض العوائل التي استدعت نسبها وارتكزت عليه لقرون طويلة في حكمها لمناطق مقدسة في الجزيرة العربية. وها هي اليوم تنخرط في الصراع والجدل علي الانساب لتثبت نسبها قبل ان يضيع علي الهواء او علي صفحات افتراضية لها جمهورها الخاص. فان كانت الدولة تعترض علي الانساب والعصبية لماذا نجدها اليوم منهمكة ومنخرطة في هذه المعركة العقيمة لولا ان هناك خوفا حقيقيا من ضياع هذا النسب وتبعثره. فماذا بعد ان تثبت هذا النسب من خلال رسالة امير الي فضائية هامشية وترسخ في اذهان المستمعين: هل تتغير نظرة المواطن الي وضعه الحالي وهل ستنخفض معدلات البطالة واسعار الارز ام سترتفع اسعار الاسهم ويعم الوئام والعيش الرغيد علي الجميع. بصراحة لن يغير تثبيت نسب اسرة اي معاناة او حقيقة واقعة علي الارض. ولكن نفسر هذا الولع بالنسب كانعكاس لغياب شرعيات حقيقية تكتسبها انظمة الحكم من خلال انجازات يعيشها المجتمع وتؤثر علي فرص حياته ومستقبله. وفي مرحلة تتآكل فيها شرعيات قديمة دينية سواء كانت اقتصادية أم تنموية نجد ان النسب يستحضر كما تستحضر الساحرة الجان والارواح للتعاطي مع مشكلات حقيقية وواقعية. أكانت الاسر من بني حنيفة او تميم او وائل او غيرها ام لم تكن هناك الجدل والذي قد يتحول الي جدل بيزنطي عقيم. هذا الجدل ليس رحلة فكرية في غياهب الماضي، بل هو ردة فعل علي الحاضر وافرازاته التي تخيف النظام السعودي والمتمثلة بتآكل هيبة الدولة وتشرذم مؤسساتها. عسي ان يجد النظام في تأصيل نسبه مخرجا من ازمة الهيبة المفقودة فيرسم شجرته ويلونها باللون المناسب للزمن المناسب. فما اصعب العيش لرجل تعددت الروايات في نسبه خاصة ان كان هذا المرء يعيش في مجتمع يولي هذه القضية جل اهتمامه ويسخر لها وقتا طويلا. ولا يسعنا هذه اللحظة الا الترحم علي المناضل الشهيد ناصر السعيد والذي كان من الاوائل الذين فتحوا الباب علي مصراعيه في قضية نسب النظام ليته كان حاضرا يشارك في حوارات الفضائيات.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
القدس العربي
28/04/2008