الدور الفرنسي في تصدير ممارسات التعذيب
The Japan Times
سيزار شيلالا
شكّلت الاستعانة بموظفين عسكريين يرتدون ألبسة مدنية، ويبحثون عن خصوم سياسيين لاستجوابهم وتعذيبهم، تقنية طبقها الفرنسيون في الهند الصينية والجزائر، وصُدّرت لاحقاً إلى الأرجنتين بواسطة مستشارين عسكريين فرنسيين.
تُدان البلدان النامية دوماً لممارستها تقنيات وحشية على السجناء، لكن يجب أن تطاول هذه الإدانة عينها البلدان الصناعية التي لا تستخدم هذه التقنيات بنفسها فحسب، بل تصدّرها إلى بلدان أخرى، أيضاً.
وفرنسا هي خير مثال على ذلك، فثمة أدلة غزيرة عن الاستخدام الواسع النطاق لتعذيب الخصوم السياسيين واغتيالهم خلال احتلال الجزائر. لكن ما لا يعرفه كثيرون أن ضبّاطاً عسكريين فرنسيين درّبوا الجيش الأرجنتيني على تعذيب السجناء السياسيين في الأرجنتين نفسياً وجسدياً.
في هذا الإطار، استجوب أحد القضاة الفرنسيين، روجيه لولوار خلال تحقيقه عن اختفاء مواطنين فرنسيين في الأرجنتين خلال الحكم العسكري الأخير، القائد بول أوساريسيس بشأن معرفته بأساليب التعذيب التي كان يوفّرها جنوده للجيش الأرجنتيني. فساعدت شهادة هذا الأخير على فهم دور الجيش الفرنسي في تدريب زملائه في الجيش الأرجنتيني على التعذيب. لكن أوساريسيس دافع عن لجوئه إلى التعذيب خلال الحرب الجزائرية في كتاب The Battle of the Casbah، مجادلاً لمصلحة التعذيب في القتال ضد تنظيم «القاعدة».
على الرغم من أن المؤرخين يتجادلون حول ما إذا كان القمع في الجزائر مدعوماً من الحكومة أم لا، ذكر أوساريسيس أن الحكومة الفرنسية أصرت على أن «يصفي الجيش في الجزائر جبهة التحرير الوطنية بأسرع وقت ممكن»، وعقب الجدل الذي أججته بياناته، جُرد من رتبته، ومن حقه في ارتداء زيّه العسكري ومن ميدالية الشرف التي حصل عليها.
كان أوساريسيس على صلة وثيقة بالجيش البرازيلي، ووفقاً للقائد مانويل كونتريراس، الرئيس السابق لمديرية الاستخبارات الوطنية التشيلية، جرى تدريب ضباط تشيليين في البرازيل من قبل أوساريسيس، كذلك قدم للجيوش في أميركا الجنوبية مشورات حول المعارك ضد التمرد وحول استخدام التعذيب.
كان المقدم روجيه ترانكييه على ما يفترض مهندس عمليات القمع الوحشية في الجزائر والمسؤول عن تطوير مفهوم «الحرب الحديثة». من المبادئ الأساسية لذلك المفهوم «مبدأ السرية»، الذي كان يقضي بإحداث حالة فوضى في الأرجنتين خلال النظام العسكري الأخير الذي حكم البلاد.
يتمثل أحد الأحكام المهمة لذلك المبدأ في الحاجة إلى الحفاظ على السرية بشكل تام في ما يتعلق باعتقال السجناء السياسيين، وكذلك بموتهم، والحرص على محو آثار الجثث كافة، فأُلقي كثير منها في المحيط، ولكن جرف البحر بعضها إلى شواطئ الأرجنتين والأوروغواي.
شكّلت الاستعانة بموظفين عسكريين يرتدون ألبسة مدنية، ويبحثون عن خصوم سياسيين لاستجوابهم وتعذيبهم، تقنية طبقها الفرنسيون في الهند الصينية والجزائر، وصُدّرت لاحقاً إلى الأرجنتين بواسطة مستشارين عسكريين فرنسيين. في الأرجنتين، أسفرت هذه التقنيات عن «اختفاء» نحو 30 ألف سجين سياسي في سبعينيات القرن الماضي، مازال مصير معظمهم مجهولاً حتى اليوم.
أمّا المسؤولون الفرنسيون فيبررون هذه «المساعدة» بأنها بطلب من الحكومة الأرجنتينية، وكما ذكر بيار ميسمير، رئيس وزراء سابق، «أرادت الأرجنتين المستشارين فأعطيناها ما تريد. الأرجنتين بلد مستقل ولم يكن هناك من سبب يدفعنا إلى رفض طلبها».
يشير ذلك إلى أن التدريب على القمع لم يكن قراراً منعزلاً اتخذته قلّة وإنما سياسة دولة واضحة.
إن كان هناك من عبرة وراء هذه القصة الحزينة، فهي أنه لا بلد، بغض النظر عن مدى تقدمه تقنياً، خالٍ من المخاطر المتأصلة في استخدام أساليب القمع الوحشية وتصديرها، ومن واجب المواطنين المطّلعين إدانة هذه السياسات الفاسدة.
* أحد الفائزين بجائزة نادي الصحافة الأجنبية في أميركا لعام 1979 لأفضل مقال حول حقوق الإنسان، لمشاركته في كتابة قصة غلاف في مجلة نيويورك تايمز بعنوان «مفقود أو ميت في الأرجنتين: البحث اليائس عن آلاف الضحايا المختطفين».