صفحات أخرى

النص الحرفي لخطاب نائب الرئيس الأميركي: أمام مؤتمر”اللوبي الإسرائيلي” في واشنطن

ترجمة نسرين ناضر
هنا النص الحرفي لخطاب نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن الذي ألقاه أمام مؤتمر الـ”أيباك” في واشنطن في الخامس من ايار الجاري.

شكراً جزيلاً. لاري، شكراً على المقدّمة.
حضرة السيدات والسادة، هذا هو الرجل الذي عرّفني إلى أيباك. هناك قول سكسوني قديم مفاده أن المؤسسة هي الظل الممتد لرجل. وها هو الرجل.
كنت في الكواليس، وقالت لي شابة رائعة إنها مديرة المسرح، فقلت لها إنني أجيد تلقّي الأوامر. وكان لاري يتكلم، فقلت لها “أترين ذلك الرجل؟ إنه صديقي منذ 38 عاماً”. فنظرت إلي باستغراب، ليس لأنني لا أبدو كبيراً في السن بل لأنها لم تكن قد ولدت بعد كما أعتقد.
لكن الحقيقة هي أن لاري وزوجته المدهشة هما داعمان رائعان جداً لإسرائيل وأيباك. لقد تلقّيت تحصيلي العلمي النظامي على يد لاري وينبرغ في وست كوست ووالد مايكل أدلر في ميامي – ومايكل هو من أفضل أصدقائي – وأنا أشكرهما كثيراً.
أقول لمجلس الإدارة وجميع الحاضرين هنا إنني مسرور جداً بترحيبكم الحار. ومن الرائع أن أكون وسط أصدقائي. أود في البداية أن أهنّئ رئيسكم ديفيد فيكتور، والرئيس الجديد لي روزنبرغ. روزي، يذهب تفكيرنا إلى والدك “بيغ روزي” ونعرف أنه لا بد من أنه يشعر بفخر كبير الآن بينما تستعد لتولي مسوؤلياتك الجديدة. وأود أيضاً أن أهنّئ المدير التنفيذي لأيباك، هوارد كوهر، وباقي الطاقم على تنظيمهم هذا المؤتمر الناجح.
وأود أن أهنّئ أيضاً صديقاً قديماً أعتقد أنه على الأرجح الخطيب الأكثر بلاغة وفصاحة في العالم، شمعون بيريس، رئيس دولة إسرائيل، لمناسبة الذكرى الحادية والستين لاستقلال إسرائيل التي احتفلنا بها الأسبوع الماضي. نتطلع أنا والرئيس أوباما إلى الزيارة التي سيقوم بها لاحقاً اليوم إلى البيت الأبيض.
قبل أكثر من مئة يوم بقليل، انطلقت بلادنا على مسار جديد. اتخذ مواطنو هذا البلد قراراً أساسياً جداً. كانت البداية مع التنصيب التاريخي للرئيس الرابع والأربعين، باراك أوباما، لكن الزخم ازداد انطلاقاً من تصميم ملايين الأميركيين الذين يتوقون بشدة إلى التغيير، وليس فقط تغيير مسار هذه البلاد إنما أيضاً وبصراحة تغيير مسار العالم. وهذا ما عقدت إدارة أوباما-بايدن العزم على تحقيقه. إنه هدف سامٍ لكنه الحد الأدنى المطلوب، أي تغيير مسار هذه البلاد ومسار العالم. فنحن لا نريد تحقيق التغيير في الداخل وحسب، بل نؤمن أن مصيرنا هو على ارتباط وثيق بالاتجاه الذي يسلكه العالم.
لكن في خضم التغيير، ووسط كل التغيير الذي سوف تسمعون عنه، هناك مبدأ أساسي وثابت لن يتغير، ألا وهو التزامنا سلام دولة إسرائيل وأمنها. إنها مسألة غير قابلة للتفاوض وغير خاضعة للتغيير، بل يجب ترسيخها وتوضيحها. قد يبدو أنه لا حاجة إلى إعلان الأمر، لكنني أريد أن أعلنه من هنا كي لا يقع أحد في الخطأ.
بدأ ذلك الالتزام عندما خرجت الولايات المتحدة الأميركية من الحرب العالمية الثانية القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأبرز في العالم، وقد تقرّب أحد رؤسائنا العظماء، هاري ترومان، من دولة صغيرة ومناضلة تنهض من رماد المحرقة، واعترف بدولة إسرائيل. إنه التزام ممتد على مر أجيال وإدارات تابعة للحزبَين السياسيين. ومهمتنا – كما هي مهمتكم بالتأكيد – هي أن نحرص على استمرار هذا الالتزام. بُني الرابط بين إسرائيل والولايات المتحدة انطلاقاً من مصلحة مشتركة في السلام والأمن، ومن القيم المشتركة واحترام كل الأديان والشعوب، ومن الروابط بين مواطنينا المسيحيين واليهود على السواء التي تتجلّى هنا اليوم، ومن التزام مشترك وراسخ بالديموقراطية.
بالفعل، لقد شهد بلدانا انتخابات في الفترة الأخيرة وانتقالاً سلمياً للسلطة. أود أن أهنّئ صديقي، رئيس الوزراء نتنياهو على فوزه. بيبي وأنا صديقان منذ وقت طويل جداً، لا بل أطول من أن يُحتسَب. وتعرفون الكليشيه القديم، التقليد هو أصدق أشكال الإطراء. حسناً، ألقيت نظرة على الموقع الإلكتروني لحملة الليكود، وباسم إدارة أوباما-بايدن، لا بد لي من أن أقول إنني أشعر بالإطراء. ألقوا نظرة على الموقع. وكأننا كنا نخوض حملة مشتركة. ولم نطلب أي مبلغ من بيبي في المقابل. لنضع المزاح جانباً، فإن عدداً كبيراً من الحضور ومن أعضاء مجلس الإدارة أصدقاء لي منذ وقت طويل جداً. لكن التزامي حيال إسرائيل لم يبدأ انطلاقاً من الصداقات التي أقيمها مع الحاضرين هنا، بل، كما يعلم الأصدقاء وكما سمعني البعض هنا أخبر من قبل، من مائدة العشاء التي كان يقيمها والدي. كان والدي مسيحياً قويماً كما يقال، وكنّا نتناول العشاء في منزل والدَيّ ونجدها مناسبة للتحدّث أكثر منها للأكل. وعلى مر السنين، تعزز التزامي بفضل العديد من الأشخاص الحاضرين في هذه القاعة بدءاً بلاري وسواه الكثيرين.
عام 1973، عندما انتُخِبت في سن الثلاثين عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ديلاوير، قمت بأول رحلة لي إلى إسرائيل. كان ذلك عشية حرب يوم الغفران التي لم تكن معروفة آنذاك. كنت قد وصلت للتو من القاهرة وزرت قناة السويس. وقد توجّهت للقاء رئيسة الوزراء غولدا مائير، وكان هذا شرفاً كبيراً لي. سئلت منذ وقت قصير عن اللقائين الأهم اللذين أجريتهما عندما كنت سناتوراً. وأجبت أنهما كانا مع الشخص الذي أصبح لاحقاً رئيس جنوب أفريقيا المحرّر، وغولدا مائير. لقد جسّد الاثنان كل ما تعلمته – الاختلاف في العرق والدين والمنطقة – كما أنهما يتحليان بالصلابة نفسها والصراحة نفسها. جلست قبالة رئيسة الوزراء، وكما يعلم عدد كبير منكم، لم تكن السيجارة تفارق فمها. كانت تدخّن سيجارة تلو الأخرى، وكانت هناك مجموعة من الخرائط خلفها، الخرائط القديمة المزوّدة ببكرات. وكان عددها كبيراً جداً، كان هناك ثماني خرائط في إحدى المجموعات. وراحت تصف لي حرب الايام الستة وتقرأ رسائل من شبان إسرائيليين لقي معظمهم حتفهم على الجبهة بينما كانوا يدافعون عن بلادهم. كان هذا مؤثراً جداً. كما راحت تقلّب الخرائط وتشير إلى المعارك المختلفة. أنا واثق من أن عدداً كبيراً منكم عاش هذه التجربة. أنا واثق من أنك عشت هذه التجربة، لاري. وكان هناك شاب جالس بقربي لم يتفوه بالكثير. كان اسمه رابين. وقد دام الحديث بيننا… لن أحدّد وقتاً، لكنني واثق من أنه دام أكثر من ساعة. كانت لحظة عظيمة بالنسبة إلى شاب مثلي، وكانت مهمة لي. تعلمت الكثير. لكنها جعلتني أستشعر أيضاً حجم الألم والتاريخ والأمل والبراغماتية والعزم الذي عرفته أمة بكاملها.
وفي منتصف حديثها، نظرت غولدا مائير إلي – وقد سمعني صديقي مايكل أدلر أخبر هذا من قبل – وفاجأتني بسؤالها “سناتور، أتريد التقاط صورة؟” وكأنها تسألني “أتريد لعب الكرة؟” فأجبت “نعم بالتأكيد، حضرة رئيسة الوزراء”. وكانت هناك في مكتبها أبواب مزدوجة وقد فُتِحت على رواق. فخرجنا، وكان المصورون يصطفون هناك. ووقفنا متحاذيين ننظر مباشرة إلى المصوّرين والكاميرات. لكنها كانت تكلّمني من دون أن تنظر إلي. قالت وهي تنظر أمامها مباشرة “سناتور، تبدو قلقاً”. فاستدرت نحوها وقلت لها “حسناً، حضرة رئيسة الوزراء، أنا قلق. الصورة التي رسمتها للتو، 60 مليون عربي ومليونا يهودي في تلك الأيام، إلى ما هنالك”. فوضعت يدها على ذراعي وهي لا تزال تنظر في اتجاه الكاميرات “سناتور، لا تقلق، لدينا نحن اليهود سلاح سري في معركتنا هنا. ليس لدينا مكان آخر نقصده”. وقد فكّرت في تلك اللحظة أنني قد أكون الوحيد في العالم الذي قالت له هذا الكلام. وقد جسّد لي كلامها كل ما تعلمته إلى مائدة العشاء في منزل والدي، وكل شيء عن مسؤولية الولايات المتحدة الأساسية بأن تكون شريكة في الحرص على أن يكون هناك دائماً مكان يقصده يهود العالم، ويجب أن يكون هذا المكان دائماً إسرائيل. هذا حقيقي وجدي وراسخ. إنه الشيء الأكيد الوحيد.
حضرة السيدات والسادة، أنا هنا اليوم لأقول لكم أمراً تعرفونه، وسوف أؤكّده لكم، يتشاطر الرئيس أوباما الالتزام نفسه. ودعمه متجذر في رابطه الشخصي مع الفكرة الصهيونية التي تحدّث عنها العام الماضي في هذا المؤتمر. قال العام الماضي إنه عندما كان صغيراً “انجذبت إلى الإيمان بأنه يمكن الحفاظ على هوية روحية وعاطفية وثقافية، وفهمت بعمق الفكرة الصهيونية بأن هناك دائماً وطناً أماً في قلب قصتنا”.
حضرة السيدات والسادة، لقد تعزز التزام باراك أوباما – مع العلم بأنه لم يكن بحاجة إلى ذلك – من خلال الرحلتين اللتين قام بهما إلى إسرائيل في الآونة الأخيرة، حيث التقى قادة إسرائيليين من مختلف أنحاء الطيف السياسي، وتعلمون أنه طيف واسع جداً في إسرائيل؛ ومن خلال التجربة القوية التي تخلّف أثراً في النفس التي عاشها عند زيارة أقدس الأماكن وإحياء ذكرى المحرقة؛ وكذلك عندما عاين عن كثب المعضلات الأمنية الفريدة التي تعيشها إسرائيل، من على متن مروحية برفقة أرفع الضباط – وهذا شبيه تقريباً بالتجربة التي عشتها عام 1973 عندما وقفت في مرتفعات الجولان، وأدركت أنه إذا كانت للمرء ذراع جيدة، يستطيع أن يلقي بقنبلة في الأراضي الواقعة في الأسفل ويلحق ضرراً بالإسرائيليين. وتعزّز التزامه أيضاً عندما توجّه إلى الحدود الشمالية، والتقى عائلات دُمِّرت منازلها بفعل الصواريخ التي أطلقها “حزب الله” وحركة “حماس” على قراها.
لكن الرئيس وأنا نعرف أنه لن يُحكَم علينا في نهاية المطاف انطلاقاً من التزامنا وتأكيداتنا الكلامية لكم أو لأي كان أو لدولة إسرائيل، بل انطلاقاً من نتائج الالتزام الذي قطعناه. نحن نعتبر أن أفضل سبيل لتحقيق النتائج التي نسعى إليها، بما في ذلك تنعّم إسرائيل بالأمن والسلام، هو سلوك اتجاه جديد في سياستنا الخارجية، ولا سيما من طريق إعادة ترسيخ قيادة أميركا المجلّية في العالم. “الدولة التي تؤكّد أنها تقود لكن لا أحد يتبعها، هي دولة لا تقود فعلاً”. يجب أن نرسّخ من جديد الثقة بالنفس التي كنا نتحلى بها من قبل، والثقة التي كان العالم يمحضنا إياها في السابق كي نقوده. عندما تمتلك أميركا الثقة – ثقة حلفائنا وأصدقائنا، والدعم الواسع الذي نحتاج إليه في العالم – لا تصبح هي وحدها أقوى، بل تزداد إسرائيل قوة أيضاً لأن أميركا تصبح شريكاً أكثر فاعلية وتأثيراً، ويعرف أعداؤنا وأعداء إسرائيل ذلك أيضاً.
نعتبر أن الاستاتيكو الذي ساد في الشرق الأوسط في العقد الماضي لم يخدم مصالح الولايات المتحدة أو إسرائيل جيداً. لم يعزّز السلام والأمن في المنطقة، بغض النظر عن حسن النيات. لقد ارتدت مدرسة كاثوليكية. وعندما كنا نتورط في المتاعب، كانت الراهبات يطلبن منا أن نكتب على اللوح مئة مرة بعد الدوام المدرسي: الطريق إلى الجحيم معبَّد بالنيات الحسنة. لم تؤدِّ كل النيات الحسنة في العقد الماضي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ولا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة. ولذلك نعمل على تغيير هذا الواقع عبر إنهاء الحرب في العراق بطريقة مسؤولة، وإعادة تركيز جهودنا على أفغانستان وباكستان لهزم تنظيم “القاعدة”، وإشراك كل البلدان في المنطقة بما في ذلك البلدان التي لدينا خلافات كبيرة جداً معها، وذلك من أجل تحقيق مصالحنا في مجال الأمن القومي. نركّز بشدة على تفادي الخطر الجسيم الذي تحدّث عنه لاري وآخرون بينهم صديقي جون، والذي يتمثّل بامتلاك إيران السلاح النووي. من شأن حيازة إيران السلاح النووي أن تؤدي إلى سباق تسلّح في المنطقة سوف يجعل كل البلدان أقل أمناً، كما أنه يمثّل تهديداً وجودياً. من الواضح أن ما جرّبناه مع إيران في الأعوام الأخيرة لم ينجح. وما زال علينا أن نكتشف ما الذي يمكن أن ينجح. منذ عام 2000، عمدت إيران إلى تركيب آلاف أجهزة الطرد المركزي وأنتجت أكثر من ألف كيلوغرام من الأورانيوم المنخفض التخصيب الذي لا يمكن استعماله في الأسلحة النووية، لكنها أنتجته. لقد ازداد الخطر في الأعوام الستة الماضية بدلاً من وضع حد له. نحن مصممون على تغيير هذا الواقع. لهذا سوف نلجأ إلى الديبلوماسية المباشرة والقائمة على المبادئ مع إيران، على أن يكون الهدف الأساسي منعها من حيازة أسلحة نووية. سوف تستند مقاربة الولايات المتحدة لإيران في البداية إلى الاحترام المتبادل. نريد أن تحتل إيران مكانها المناسب في المجتمع الدولي، على الصعيدين السياسي والاقتصادي. تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تسلك هذا المسار إذا اختارت ذلك. أو يمكن أن تختار حكومتها مستقبلاً مختلفاً قوامه الضغوط الدولية والعزلة، وحيث تبقى كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة. إذا لم تنجح جهودنا لمعالجة هذه المشكلة من طريق الانخراط، فنحن نحظى بدعم دولي كبير للنظر في خيارات أخرى.
حضرة السيادات والسادة، لا تخدعوا أنفسكم، الدعم الدولي مهم، كما تعلّمنا في الأعوام الثمانية الماضية. ينبغي علينا أن نتصرف أحياناً بمفردنا، لكننا نكون أقوى دائماً عندما نتصرف معاً.
نظراً إلى الوضع الذي ورثناه، نعلم أننا لا نملك وقتاً لامحدوداً لحسم خياراتنا. فقد لعبت إيران أيضاً دوراً خطيراً في المنطقة عبر دعم منظمات إرهابية مثل “حماس” و”حزب الله” وتقويض العديد من أصدقائنا ومن يزعمون أنهم أصدقاؤنا. بالفعل، هؤلاء الوكلاء هم في نظرنا الأدوات التي تستعملها إيران لاستغلال نزاعات مثل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني واستعمالها لمصلحتها. وهكذا إن استمرار النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني والنزاع العربي-الإسرائيلي، يعزّز مكانة إيران الاستراتيجية. لقد منحت هذه النزاعات إيران ميداناً للتحرّك حيث تبسط نفوذها وترعى العناصر المتطرفة وتلهب الرأي العام – وكلها أمور منافية للبديهة. إنه أمر منافٍ للبديهة أن يكون بإمكان النفوذ الشيعي الإيراني أن يمتد في عالم عربي سنّي. ثمة أسباب كثيرة للسعي إلى وضع حد لهذه النزاعات. فهو يمنح الإسرائيليين الأمن والسلام اللذين يستحقونهما؛ ويساعد الفلسطينيين على تحقيق تطلّعاتهم بحياة أفضل ومستقلة؛ ويحد من التشنّج في المنطقة.
حالياً، قد يكون أحد الدوافع الأكثر إلحاحاً تجريد إيران من القدرة على بسط نفوذها المزعزع للاستقرار. وقدرتها على بسط نفوذها في المنطقة أمر منافٍ للبديهة أيضاً. لهذا بدأت هذه الإدارة منذ يومها الأول بذل جهود دؤوبة وحثيثة من أجل السلام. قرر الرئيس أنه ينبغي علينا أن ننخرط ونجازف من أجل تحقيق السلام لإسرائيل. وقد عيّن واحداً من ديبلوماسيينا الأكثر صلابة، جورج ميتشل، لقيادة هذا المجهود. والرئيس ملتزم شخصياً وبشدة تحقيق ما يعتبره الجميع تقريباً ضرورياً: حل الدولتين أي دولة إسرائيلية يهودية آمنة تعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمن مع دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. كلانا نعتبر أنه من الضروري جداً ضمان بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية.
هذا هو أيضاً الحل الذي التزمته إسرائيل والفلسطينيون في خريطة الطريق وأعادوا تأكيده في أنابوليس. وتحقيقه ممكن. لا بل يجب تحقيقه. هناك قول قديم عن المسيحية سوف يفرح به لاري. قال جيه كاي شسترتون “لم تُجرَّب المسيحية ويتبين أنها متطلّبة؛ بل وُجِدت صعبة وبقيت من دون تجربة”. الحقيقة هي أن عدم تحقق السلام لا يعني أنه لا يمكن تحقيق السلام. وسوف نسعى في الوقت نفسه إلى تحقيق سلام عربي-إسرائيلي آمن ودائم وشامل.
لدى الإسرائيليين وجيرانهم العرب ما يكفي من المصالح المشتركة من أجل العمل على تحقيق هذا الهدف. لم يكن التقدّم نحو السلام ممكناً إلا عندما أبدت الشعوب استعداداً للتفكير بطريقة مختلفة والمجازفة وتقديم تنازلات قائمة على المبادئ. لهذا ينبغي علينا أن ننتهز كل فرصة لتحقيق التقدّم بينما نتمسّك بمبدأ جوهري: أولاً، أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض، ونقطة على السطر. التزامنا راسخ. سوف نستمر في مدّ إسرائيل بالدعم الذي تحتاج إليه. وسوف نستمر في الدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها واتخاذ قراراتها بشأن ما يجب أن تفعله للدفاع عن نفسها.
ثانياً، لدينا جميعاً موجبات علينا تلبيتها، بما في ذلك الالتزامات التي قطعتها إسرائيل والفلسطينيون في خريطة الطريق. يجب أن تكافح السلطة الفلسطينية الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل. لقد وفّرت الولايات المتحدة وشركاؤها التمويل والتدريب للقوى الأمنية الفلسطينية التي خضعت للإصلاح وأثارت إعجاب الجميع، بما في ذلك ضباط الأمن الإسرائيليين، مع ما أظهرته أخيراً من احتراف وفاعلية. نسعى الآن للحصول على التمويل من الكونغرس لتمديد هذا البرنامج. لكن يتعين على إسرائيل أن تعمل من أجل حل الدولتين. لن يروقكم ما سأقوله، لكن يجب التوقف عن بناء مزيد من المستوطنات، وتفكيك البؤر الاستيطانية، والسماح للفلسطينيين بالحصول على حرية التحرك، وبالإفادة من الفرص الاقتصادية، وبتحمّل مسؤولية أمنية أكبر.
يجب أن يستند ذلك إلى البرهان الحسي وليس إلى الإيمان. لدى رئيس الوزراء نتنياهو أفكار مهمة عن السبيل لتحقيق بعض هذه الأهداف، ونتطلع إلى العمل معه للمساعدة على تطويرها عندما يأتي لزيارتنا. ولدى اللجنة الرباعية والدول العربية مسؤوليات واضحة أيضاً. إحدى أهم المسؤوليات هي دعم السلطة الفلسطينية بالأدوات والأموال التي تحتاج إليها للحكم في الضفة الغربية، وتطوير مؤسساتها وإصلاحها، ومساعدة شعب غزة من أجل العودة إلى القطاع. نحن نفعل ما علينا من خلال اقتراح برامج مساعدات واسعة النطاق مطروحة الآن على الكونغرس. ونتوقّع من الآخرين أن يفعلوا ما عليهم أيضاً. يجب أن تبادر الدول العربية إلى التحرك الآن وليس لاحقاً من أجل البناء على مبادرة السلام العربية التي هي مزيج بنّاء يحمل الوعد بسلام تعاوني وشامل. لقد حان الوقت كي تتّخذ الدول العربية خطوات مهمة لتظهر لإسرائيل قيادةً وشعباً، أن الوعد بإنهاء عزلة إسرائيل في المنطقة حقيقي وصادق. يجب أن يتحركوا الآن.
حضرة السيدات والسادة، في الختام، ينبغي على العالم أن يستمر في التوضيح لحركة “حماس” بأن الشرعية التي تسعى إليها لن تتحقق إلا عندما تتخلى عن العنف وتعترف بإسرائيل وتلتزم الاتفاقات السابقة، ونقطة على السطر. عندما نكرر الرئيس وأنا هذه المطالب، يقول البعض إنها غير منطقية. ليست مطالب غير منطقية، بل هي معايير أساسية للسلوك الدولي. نعمل بجهد لمساعدة الفلسطينيين في غزة بطرق لا تحقق منفعة لـ”حماس”، وللتنسيق مع حلفائنا من أجل وقف تهريب السلاح الذي لا يزال مستمراً في غزة. ونطلب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جلعاد شاليط بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على أسره. هذا غير مقبول. ونبقى ملتزمين عودته سالماً إلى عائلته.
وسوف نستكشف أيضاً، كما يفعل الإسرائيليون، فرص تحقيق تقدم بين إسرائيل وسوريا. من شأن السلام بين إسرائيل وسوريا أن يعيد صوغ المنطقة. وسوف نحرص على ألا يأتي هذا السلام في حال حدوثه، على حساب أمن إسرائيل أو سيادة لبنان واستقلاله. لقد أحبط السعي إلى تحقيق سلام آمن وعادل ودائم في الشرق الأوسط كثراً، لا بل كل من سبقونا. ندرك ضخامة التحدي، والخيارات الصعبة التي يجب اتخاذها. لكننا نعرف أمراً أيضاً: لن يؤدي المسار القائم في الأعوام الأخيرة إلى تحقيق الأمن والازدهار لإسرائيل ولا للفلسطينيين، كما أنه لن يولّد الاستقرار والتقدّم الضروريين في المنطقة من أجل ضمان أمن إسرائيل في نهاية المطاف.
نعلم أن هناك وجهات نظر مختلفة في هذه القاعة. ونعلم أيضاً أن هناك وجهات نظر مختلفة في هذه المدينة حول السبيل للمضي قدماً.
وتُناقَش هذه المسائل بانفتاح وحيوية أكبر في شوارع إسرائيل والكنيست، وهذا دليل واضح جداً على الديموقراطية الإسرائيلية. لكنني أظن أن السؤال الأساسي ليس أين نحن اليوم بل كيف نرى الغد، وما هي الخطوات التي نحن مستعدون لاتخاذها من أجل الوصول إليه. تستشرف هذه الإدارة مستقبلاً من السلام والأمن الدائمين وتسعى إلى تحقيقه، بحيث يستطيع الأولاد الإسرائيليون أن يخلّفوا وراءهم استبداد الصواريخ والإرهاب؛ ولا تقلق الأمهات الإسرائيليات عندما يرسلن أولادهن إلى المدرسة، إذا كانوا سيعودون إلى المنزل أم لا؛ ويحظى الأولاد الفلسطينيون بكل الفرص الممكنة لتحقيق أحلامهم؛ ولا يعيش الشرق الأوسط بكامله في ظل الخوف من غيمة نووية.
ليس تأخير السعي لتحقيق هذه الأهداف خياراً متاحاً. إنه أسهل لكنه ليس خياراً متاحاً. وكلما انتظرنا أكثر، ازدادت الأمور صعوبة. لقد حان الوقت لنعمل معاً من أجل يوم أفضل، ومن أجل نجاح حليفنا الأعز، إسرائيل، وقوته وأمنه. شكراً جزيلاً، بارككم الله جميعاً، وليحمِ الله جنودنا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى