صفحات أخرى

حين تكون الفظائع هي التاريخ

سعد محيو
“تاريخ موجز لفظائع الشرق الأوسط”.
هذا يجب أن يكون العنوان الحقيقي لكتاب روبرت فيسك “الحرب الكبرى من أجل الحضارة”.
ففي قراءة ثانية لهذا الكتاب القيّم، نكتشف أنه يكاد ينضح دماً بسبب تغطيته للمذابح وعمليات التعذيب في هذه المنطقة: فظائع الأتراك والإيرانيين والعراقيين. فلسطينيون يذبحون على يد “إسرائيليين”. “إسرائيليون” يذبحون على يد فلسطينيين. أمريكيون على يد العرب، وعرب على يد الأمريكيين.
قوة هذا المؤلف الرئيسية تكمن في التقارير المباشرة، مثل مقابلاته الثلاث مع أسامة بن لادن، واجتماعاته مع صدام حسين، والخميني وصادق خلخالي، القاضي  الجلاد خلال الثورة الإيرانية.
روبرت فيسك، كما معروف، عاش في الشرق الأوسط كصحافي لنحو 30 سنة، أي نصف عمره. وطيلة 16 سنة من هذه الحقبة، غطى “الخيانات والطعن بالظهر والخداع في تاريخ الشرق الأوسط”، كما يقول. فلسفته في الكتاب هي تحدي السلطة، بكل أنواعها، “خاصة حين تأخذنا الحكومات والسياسيون إلى الحرب”.
وثمة قصة مثيرة في الكتاب، رصد فيها فيسك صاروخاً استخدمه سلاح الطيران “الإسرائيلي” لقتل مدنيين في لبنان، فتتبع آثاره حتى وصل إلى رجال يرتدون البذلات في ولاية جورجيا الأمريكية هم الذين صنعوه. ثم يستتبع ذلك بنشر صور عن الأطفال الذين قتلوا في هذا الهجوم.
ويلاحظ الكاتب أن “إسرائيل” والغرب يتقصدان استخدام تعابير محددة لتغطية سياسات محددة. وعلى سبيل المثال، يتم استخدام كلمة مستوطنات، في حين أن التعبير الصحيح والدقيق هو مستعمرات. كما يلاحظ أن المسؤولين الأمريكيين الأربعة الذين أداروا العملية السلمية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” في واشنطن منذ العام 1993 كانوا من اليهود. وهذا أمر اعترفت به الصحافة “الإسرائيلية” وتجاهلته الصحافة الغربية.
ويشرح فيسك كيف قام الفرنسيون خلال الحرب الجزائرية بتعليم “الإسرائيليين” تكتيكاتهم الحربية. وبعدها بأربعين عاماً، أرسلت البنتاغون وفداً إلى “إسرائيل” لدراسة تكتيكات الجيش فيها ضد الفلسطينيين لكي يطبقوها في العراق. وهكذا، وبطريقة لا واعية، كان الأمريكيون في العراق ينسخون التكتيكات الفرنسية المؤسفة في الجزائر.
وخلال حرب الكويت، تجاهل الحلفاء بنود معاهدة جنيف حول قتلى العدو، وأعلن الجنرال شوارزكوف أن “مهنته لا تتضمن عد القتلى”. لكن، وكما يشير فيسك، حتى جنود هتلر في فرقة الصاعقة الذين قتلوا خلال الحرب مع الأمريكيين في منطقة ياستوني العام ،1944 تم تعريفهم ووضعت أسماؤهم على شواهد قبورهم.
ويضيف فيسك إلى ذلك نقطة أهم. يقول: “إن سجن غوانتانامو كان مرآة للمعاملة التي مارستها كل ديكتاتورية شرق اوسطية ضد معارضيها. فالسجانون هناك قيدوا السجناء بالسلاسل، ومارسوا التعذيب بحقهم، وهددودهم بالإعدام أمام محاكم لا وكلاء دفاع فيها. وهذا بالتحديد ما فعلته كل أجهزة الأمن العربية بأعداء النظام”.
هل تقصد الكاتب استخدام تعبير “الحرب الكبرى من أجل الحضارة” للسخرية من هكذا حضارة؟
حتماً. وهو، بسبب الفظائع المرتكبة في هذه المنطقة، كان موفقاً في سخريته إلى درجة الغثيان.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى