اتفاق إسرائيلي/ عربي: إيران أولاً
نصري الصايغ
كم مرة زارت قيادات إسرائيلية البيت الأبيض، وخرجت راضية ومدعومة؟ وكم مرة زارت، بعد طول انتظار، قيادات عربية من الصف الأول، البيت نفسه، وخرجت كأنها لا دخلت ولا خرجت.
إلا هذه المرة، كما يقول مراقبون، لأن أوباما لا يشبه أسلافه، وان كانت أميركا هي أميركا، ولم تتغير بعد بما فيه الكفاية لإعادة رسم سياسات جديدة، قابلة «للحياة»، بعدما صنّعت سياسات مؤهلة دائما للتدمير.
حضور نتنياهو، وان كان يحمل عنوانا جديدا: «الأولوية لإيران»، فإنه مطالب بأن يعلن، لا أن ينفذ، قبول إسرائيل بحل الدولتين. ودون الإعلان والتنفيذ، عشرات الأعوام من التفاوض، على ما يبقى من الضفة الغربية، بعد استفحال الاستيطان واستكمال الجدار الفاصل.
إلا أن المدعوين من العرب لزيارة البيت الأبيض بعد نتنياهو، هم ذاهبون بورقة قديمة تحمل مبادرة ماتت، فور ولادتها، في فندق الفينسيا في بيروت العام 2002. ولم يحصل أن لاقت رواجا دبلوماسيا، لأن الكواليس الدولية كانت مشغولة جدا، بعملية «السور الواقي» بقيادة أرييل شارون، التي تم فيها تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية، وحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، كما كانت أميركا مهتمة بتدبيج لائحة اتهام حاسمة ضد العراق، تمهيدا لغزوه وتدميره واحتلاله، بعدما تم غزو وتدمير ما كان قد بقي من أفغانستان.
للذاكرة فقط، ان فلسطين أخرجت من دوائر الاهتمام الأميركي كموضوع للتفاوض، بعد فشل كامب ديفيد. وقد ساهم في إفشال تلك المحادثات، الرئيس الاميركي بيل كلينتون تحديدا، لأنه حاول أن يفرض على الرئيس الفلسطيني ما لا طاقة لأي فلسطيني للقبول به.
قرار إعدام أبو عمار، تم في كامب ديفيد. ويومها، كان الرئيس الفلسطيني متهماً من خصومه، العرب والفلسطينيين، بأنه قد فرّط بالقضية، وفيما الحكومة الاسرائيلية التي حذفت الشريك الفلسطيني، هي حكومة يسار إسرائيلي، لا حكومة يمين ويمين اليمين الإسرائيلي المتطرف؟
فماذا لدى القيادات العربية لتقوله لأوباما؟ أي أولوية عندها؟ فك الحصار عن غزة، وانتزاع اعتراف بالضغط على إسرائيل لقبولها بالدولتين، أم محاولة تأجيل البت بالمسألة الفلسطينية، ريثما تحل مشكلة ايران النووية؟ القاسم المشترك بين الذاهبين الى البيت الأبيض، هو العداء لإيران. وقد برهنت قيادات عربية أن أولويتها تشبه أولوية نتنياهو ـ ليبرمان. وإذا كان «العرب المعتدلون» قد خاضوا حربا ضد ايران بالواسطة، ومستمرون بها، إعلاميا وسياسيا وماليا، فإن إسرائيل، تستعد لخوضها عسكريا، لأن الاعتدال العربي مختص بإطلاق العبارات الإعلامية والأمنية.
تذهب القيادة الإسرائيلية إلى البيت الأبيض، وهي تطالب بقضايا تخص مصيرها. هي تشعر بأن إيران خطر عليها، وهذا صحيح، لأن ايران معادية لإسرائيل. وهي ترفض أن تبحث بالموضوع الفلسطيني، لأن البحث سيقودها إلى القبول أساسا بمبدأ الدولتين، وهي لا تقبل إلا بأن تكون فلسطين هي كل إسرائيل، وليس للفلسطيني غير إدارة ذاتية محدودة، في «باندوستانات» مختزلة.
اسرائيل تعرف ماذا تريد، لتثبيت وجودها، وتأمين مصالحها، والحصول على الدعم الدولي جيدا، وستعود بزاد سياسي كبير، وليس عند أوباما ما يعرضه على الاسرائيليين، سوى الصبر على الفعل العدواني.
سيدخل العرب المعتدلون البيت الأبيض، غير مقتنعين ربما، بنصيحة أوباما، الذي فتح أبوابا للحوار، ومد أيد لمصافحة، وقد يشعرون بالخوف كثيرا من هذه الجرأة.
جل ما يريده عرب الاعتدال، الاطمئنان، على أن صفقة ايرانية ـ أميركية لا تتم على حسابهم. سيحصلون على ضمانات، ولكن ليس على قياس أحجام يتوهمونها، بل على مقاسات واقع أقاموا فيه ولا يستحقون أكثر منه.
أوباما ليس عنده هدايا. وأميركا لم تشف بعد من داء المحافظين الجدد… ويلزمها وقت كثير، لتخرج بأفكار أخرى.
إلا فلسطين… مؤجلة منذ أكثر من 61 عاما… قد يكون التأجيل أفضل سياسة لأوباما.
السفير