صفقة كبرى في الشرق الأوسط ؟: النووي الإيراني مقابل السلام الاسرائيلي – الفلسطيني
عمر تاسبينار
اليوم عندما يلتقي باراك أوباما بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، سوف يلوح سؤال كبير في الأفق: هل يمكن أن تكون هناك صفقة كبرى في الشرق الأوسط؟ لا يمكن أن تستند هذه الصفقة الكبرى سوى إلى مقايضة كبيرة: وقف البرنامج النووي الإيراني سلماً في مقابل نزع الاستعمار عن فلسطين.
يبدو أن واشنطن تركّز أكثر فأكثر على هذه المعادلة. ففرص النجاح التي تملكها في التحدث مع إيران، وفاعلية المعارضة العربية لإيران تتوقف على قدرة أميركا على تحقيق تقدّم في صنع السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. كما أن هذا الربط بين إيران وفلسطين يناسب نتنياهو. تريد الحكومة بزعامة الليكود ربط السلام مع الفلسطينيين باتفاق مسبق بين الغرب وإيران للحؤول دون حصول الجمهورية الإسلامية على القنبلة النووية. فضلاً عن ذلك، تعتبر إسرائيل أن إيران أصبحت الآن ضعيفة أمام الضغوط الدولية بسبب الانخفاض في أسعار النفط وما ينجم عنه من متاعب اقتصادية. لا شك في أن سياسة أوباما التي تقضي بالتحدث مع إيران “من دون شروط مسبقة” تقلق كثيراً صانعي السياسات الإسرائيليين. لكنهم يقرّون بصحة المعادلة الإيرانية-الفلسطينية. يضع هذا كله الكرة في ملعب نتنياهو في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية. هل يمكن أن يتحلى بالمرونة على الجبهة الفلسطينية؟ ثمة خبر سيئ وآخر سار. الخبر السيئ الواضح هو أن نتنياهو متشدّد لا يتوب ويرفض علناً قبول مفهوم الدولتين. يريد مواصلة تضييق الخناق على قطاع غزة حتى تسقط حركة “حماس”. يقول إنه لن يعيد مرتفعات الجولان لسوريا. ويرفض تجميد توسيع المستوطنات اليهودية.
الخبر السار هو أن فريقه لا ينتمي إلى خط إيديولوجي واحد. تشمل حكومته الائتلافية الضعيفة حزب العمال الذي يشغل زعيمه إيهود باراك وزارة الدفاع. عندما كان باراك رئيساً للوزراء عام 2000، عرض التنازلات الأكثر جرأة من جانب إسرائيل للفلسطينيين. ينادي الآن بمجهود من أجل “السلام الإقليمي” ، وتشير معلومات إلى أنه طمأن جورج ميتشل، المبعوث الأميركي في الشرق الأوسط، إلى أنه مستعد للمساعدة على إقناع نتنياهو بإيجابيات صفقة تقوم على تعطيل الدور الإيراني في مقابل السلام الفلسطيني. ومن جهتها، تبدو واشنطن جاهزة لإظهار صرامة في تعاطيها مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، عندما طلب نتنياهو زيارة واشنطن في مطلع أيار، أجابوه في البيت الأبيض أن الرئيس غير متوافر لاستقباله. في المقابل، استُقبِل العاهل الأردني عبدالله في البيت الأبيض في 21 نيسان. وقد توجه رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي)، ليون بانيتا، منذ فترة وجيزة إلى تل أبيب للحصول على تطمينات بأن إسرائيل لن تتحرك أحادياً ضد إيران من طريق هجوم مفاجئ.
لا شك في أن نتنياهو شريك صعب لواشنطن. لكن مناحيم بيغن كان كذلك أيضاً، وقد أقنعته أميركا بعقد سلام مع مصر قبل 30 عاماً. يكمن الأساس بالنسبة إلى واشنطن في إقناع نتنياهو بأنه ينبغي عليه أن يقبل بسرعة حل الدولتين، ووقف بناء المستوطنات واستئناف محادثات السلام من حيث توقفت عام 2000. حالياً تعتبر كل من إسرائيل وواشنطن أن الطموحات النووية الإيرانية هي المشكلة الأكثر إلحاحاً وخطورة في الشرق الأوسط. وترى واشنطن وتل أبيب أيضاً تلاقياً في المصالح بينهما وبين الدول العربية المعتدلة في المنطقة في وجه تهديد متصوَّر من إيران وسوريا و”حزب الله” و”حماس”.
تحدث العاهل الأردني عبدالله في الآونة الأخيرة عن “حل الدول السبع والخمسين” بين إسرائيل والعالم الإسلامي بأسره، على أن يشمل كامل أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي. وقال نتنياهو إن هذا الاقتراح ينسجم مع تصريحاته العلنية التي تحض الحكومات الإقليمية الأساسية على الاضطلاع بدور أكبر في الديبلوماسية الهادفة إلى إرساء سلام مع إسرائيل. ويبدو أنه قال الشيء نفسه للرئيس المصري حسني مبارك الأسبوع الماضي.
سوف نكون أمام سخرية قدر بأحجام تاريخية إذا جعلت الطموحات النووية الإيرانية إسرائيل وأميركا والعالم العربي أقرب إلى التوصل إلى حل الدولتين للمسألة الفلسطينية. تبقى “حماس” المشكلة الأكبر أمام سيناريو من هذا القبيل. فخلافاً لإدارة بوش، وافق الرئيس أوباما على فكرة تشكيل حكومة فلسطينية تضم أعضاء من حركة “حماس” – على أساس أنه من شأن حكومة مماثلة أن تملك سلطة أكبر في التحدث مع إسرائيل. غير أن تل أبيب تعتبر أنه لا جدوى من الحديث مع وفد فلسطيني يضم ممثلين عن “حماس”. في مختلف الأحوال، يبقى تشكيل ائتلاف بين المجموعتين الفلسطينيتين أمراً بعيد المنال. باختصار، لا تزال إيران تملك من خلال سيطرتها على “حماس” و”حزب الله”، مفتاح السلام (والحرب) في الشرق الأوسط.
(باحث في معهد بروكيغنز. ترجمت النص عن الانكليزية نسرين ناضر)