صفحات الحوار

المفكّر السوري عبد الرزاق عيد للوارف: باريس ليست وطني

null
حوار جهاد صالح ـ واشنطن
سوريا هي وطني.. والشعب السوري لاجئ في أرضه وفي المهجر أو في المعتقل.
كل يوم يبرهن الأكراد بأنهم شعب حي وجدير بالحرية والكرامة وحقوق المواطنة على طريق بناء سوريا الديموقراطية.
الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي المدخل لتعريف الوطن والوطنية.
عملية التغيير تبدأ من الأنا.
الحوار الأميركي – الفرنسي مع طهران ودمشق نتيجته الفشل.
النظام الأميركي هو الأكثر احتراما للقيم الإنسانية في صورة انتخاب أوباما رئيسا.
خلال زيارة الدكتور عبد الرزاق عيد الأخيرة للولايات المتحدة،  حيث ألقى عددا من المحاضرات في مركز هادسون الأميركي للبحوث، قام معهد الوارف بلقائه في حوار شامل عن الوطن، ومابعد الغياب عن الأرض الأولى، فكان هذا الحوار :
– دكتور عيد، باريس باتت وطنك الجديد بعد رحلة شاقة من حلب ثم بيروت، وصولا إلى فرنسا، كيف تقرأ المشهد السوري من جميع جوانبه، اليوم.
سوريا هي وطني، وحلب مدينتي والشعب السوري أهلي…باريس ليست وطني، هي وطن هنيء وكريم لأهلها الباريسيين وشعبها الفرنسي العظيم، إنها ملجأي وملجأ الكثيرين من أمثالي المطاردين من عصابات قتل وإجرام استولت على أوطانهم وبلدانهم وبيوتهم في العالم العربي وكل عوالم الاستبداد المشابهة، سيما عصابات المافيا السورية التي باسم القضايا القومية والوطنية  وباسم تحرير فلسطين والفلسطينيين من اللجوء، حولت الشعب السوري بكامله إلى لاجئ في أرضه أو في المهجر أو في المعتقل، لقد تمكنوا بجبنهم اللئيم أن يحاصروا عائلتي ويضيقوا على الأبناء حتى في حقهم الأولى بالتعليم، حتى بدأت أنسى شأني الشخصي في التضييق علي في عدم السماح لي للخروج إلا بموافقة أمنية ولمرة واحدة لحضور ندوات فكرية أو سياسية، بل ومنعي الخروج  بهدف العلاج واجراء عملية سرطان البروستات إلا بعد ضغوط من قبل منظمات حقوقية وعرائض تضامنية من قبل المثقفين السوريين والعرب …فشكرا لهم، ولم تمر فترة طويلة على اجرائي العملية حتى قاموا بعملية خطفي من الشارع بالقوة والعنف معصوب العينين دون حتى أن يبرزوا ما يثبت هويتهم الأمنية ، فكانوا-بذاك- لا يختلفون عن أية عصابة زعران ينتجها العالم السفلي  .
اللوحة السورية هي الأشد قتامة في عالم اليوم، إذ هي تزدهي باخضرار شعاراتي زائف بعد أن جف الجذر الأم في النموذج الستاليني السوفييتي…حيث يصر النظام أنه لازال قادرا على الحياة وقابلا للبقاء من خلال قناعته أنه ليس ثمة حدود للتفاوض والتنازل، منذ أسس الأسد الأب لهذه القاعدة بإرسال جنرالاته وجنوده إلى حفر الباطن، ليدفن فيه كل ميراث إدعاءاته الايديولوجية (القومية)… ولذا فمراهنة النظام ليس على إسرائيل للصفقة معها… فهذا الأمر تم انجازه حسب ما يقولون ، إذ تحقق 80% في المفاوضات مع إسرائيل التي ترعاها تركيا… لكن ما تبقى هو كفالة الضمان الأمريكية لحياة النظام وبقائه… لكني أظنهم يطلبون الكفالة من نظام أمريكي أظهر حتى الآن أنه الأكثر احتراما للقيم الإنسانية في صورة انتخاب رئيسه أوباما، وأظنه لا يمكن أن يكون كفيلا لمجرمين قتلة… رغم بهجتهم ومرحهم بالإفراج عن ضباطهم الأمنيين اللبنانيين الأربعة…حيث يعتقدون من خلال هذا الإفراج أن العالم قرر العفو عن (جرائمهم)… لتجنب المزيد منها… ولكن أظنهم واهمين…!؟
– الحوار مع دمشق وطهران استراتيجية أوباما  في بداية عهده، والانفتاح الواقعي من مفهوم الساركوزية الفرنسية. ما رأيك بما يحدث. هل سنشهد نموذجا ليبيا على حساب الحريات وحقوق الإنسان.
ولهذا أظن أن الحوار مع طهران و دمشق الذي يعتمده أوباما والذي بدأه ساركوزي سيبوء إلى الفشل… لأن بنية النظامين الشموليين الأوتوقراطيين الطائفيين غير قابلة للتعايش والتكيف مع عالم يحكمه الحوار… إنهم لا يستطيعون أن يعيشا كنظامين طبيعيين إلا عبر (الفتنة)، أي جعل المحيط الاقليمي  بهما جبهة دفاع عن أنظمتهما، عبر تفخيخه الدائم بتصدير النموذج (الثيوقراطي) الايراني أو (الاوتوقراطي) السوري، وهذا ما يتطلب التدخل الدائم في المحيط… ولذا أظن أن سياسة أوباما ستكون آخر المحاولات لإعادة تأهيل هذين النظامين عالميا… وسياسة أوباما بمبادراتها الحوارية هذه ستشكل مسبارا كاشفا لطبيعة هذين النظامين ، حيث ستسحب منهما كل الذرائع… وهانحن نتابع إعلامهما الذي بدأ الحديث عن أن أوباما لا يختلف عمن سبقه،  فهو غير جاد وتتناقض أقواله مع أفعاله وفق الخطاب الإعلامي السوري والإيراني، وهذا ليس غريبا، حيث أن فلسفة النظامين تقوم على مبدأ تصدير النموذج… ولذا فالإيرانيون يراهنون على( تشييع) أوباما… والمافيات الأسدية تراهن على (تبعيثه بل وتأسيده) ربما …
– يُروج وسط الإعلام عن ما يسمى بنهاية المعارضة السورية. ونحن نشهد تراجعا وتشتتا وآيديولوجيات حزبية وفردية داخل الحراك السوري المعارض والإصلاحي. هل لك أن تضع النقاط على الحروف.
المعارضة السورية ليست كيانا حزبيا أو فصائليا حتى تنتهي… المعارضة السورية هي إرادة حرية الشعب السوري الذي يرفض أن يموت أي أنها كما سميتها من قبل (معارضة بروميثيوثية) تقاتل من أجل الحرية لأنها محكومة بها، دون المراهنة على ميزان قوى أو حسابات الخسارة أو الربح في مواجهة نظام عصابات مسلحة سافرة الوحشية… هذا ما يفسر لنا أنهم كلما اعتقلوا مجموعة من رموز هذه الحرية يعلنون النصر ويتبادلون أنخاب الانتصار تحت إعلان أن المعارضة السورية انتهت…ولكن مع ذلك لم تتوقف عمليات الاعتقال والضغوطات والصفقات والاختراقات التي تقوم بها السلطة.. . لقد انقضوا على حركتنا منذ إعلان ربيع دمشق مع قيام حركتنا في (لجان إحياء المجتمع المدني) فظنوا أنهم قضوا عليها بعد اعتقال العشرة الأوائل…لكن ما لبثوا أن فاجأهم  بيان بيروت -دمشق ودمشق- بيروت  فانقضوا عليه بشراسة كلبية واخذوا دفعة جديدة من المقاتلين في سبيل الحرية… ولم يمض وقت قصير حتى كان إعلان دمشق فانقضوا عليه عضا ونهشا، ولم يمض وقت طويل حتى جاء انعقاد المجلس الوطني ليقول لهم: إن القافلة تسير…إذ اجتمع 170 مقاتلا – من كل التيارات السياسية والمكونات الوطنية : حيث الحضور المميز للأكراد-  من أجل الحرية يعرفون مسبقا أن الكلاب التي تنبح خلف القافلة ستعض وستعض بشراسة… مع ذلك اجتمعوا ورفعوا صوت ضمير سوريا الرافض للإستبداد والإستعباد، والمناهض لقتل روحها المدينة والحضارية من قبل أوباش رعاع الريف وحثالات المدن الذين يشكلون المكون السوسيو-سياسي للسلطة الأمنية الطائفية، ومضت النخبة الأولى من قيادة الإعلان إلى السجن… والإعلان لا يزال مستمرا، بل هاهو يعزز دوره وموقعه من خلال تعزيز قوته الإعلامية للوصول إلى الشعب السوري من خلال قناة فضائية ناشئة (بردى)…
وهذا يعني أن الروح الحي للمعارضة السورية ليست في أحزابها التقليدية المفوّتة سياسيا وفكريا التي إن انسحبت أو جمدت أو ابتعدت أو صالحت ،أو اخترق بعضها أمنيا، لن يغير من معادلة المعارضة التي هي ألق الروح الجمعي للمجتمع السوري، ممثلا بنخبه الثقافية التي ضاقت ذرعا من تكويناتها الحزبية السياسية التقليدية، يسارية أم قومية أم إسلامية…فطفقت هذه الروح تتعّين في صيغة مفتوحة على المستقبل خارج هذا الحطام السلطوي: النظام القائم وقفاه المعارض له ، لكنه على شاكلته السياسية وبناه التنظيمية ورؤيته الفكرية والمعرفية والثقافية للمجتمع والحياة…
هذا التعيّن النوعي هو الذي يفسر لنا تلك الشجاعة الإقتحامية التي تتجاوز العدد والتعداد الكمي لقوى تتغذى وتتعيش على الموروث التقليدي للاوعي الثقافي الجمعي لمفاهيم الهويات الثابتة (قومية أو دينية) التي غدت عتيقة وصدئة ومتآكلة، فتتوهم أنها بتطابق ثقافتها مع اللاوعي الجمعي لهويات الأمة أنها تمثل الأمة… فتضيف اغتصابا سلطويا جديدا لإرادات الناس يضاف إلى اغتصابات السلطة (العصابة) .
– المجتمع السوري بحاجة إلى ديمقراطية وتعددية ودولة مؤسسات، كيف يمكن تحقيق ذلك.
وعلى هذا فإن حاجة المجتمع السوري إلى الديموقراطية والتعددية ودولة المؤسسات لا يمكن أن تتحقق من خلال وعي معارض لكنه محايث ، إذ هو وجه آخر لإيديولوجيا النظام الذي يعرف هويته ودلالة وجوده بالتعارض مع الآخر الخارجي، العالمي، الدولي، بوصفه عدوا أزليا: حيث لا يحق للمجتمع أن يطالب بحريته الذاتية، وللفرد حريته الفردية في أن يكون له حقوق في الرأي والتفكير والممارسة والمشاركة، وذلك باسم استحقاقات (المعركة) ، فلا صوت يعلو فوق صوت (المعركة /الكذبة )… سوى –طبعا- صوت جزمة وسوط الإستبداد والإستعباد والفساد.
– هل يمكن القول أن التغيير في الشرق الأوسط  هو رهن بالمجتمع الدولي، أم رهن بالشعوب التي يجب أن تصنع التغيير بنفسها.
إن أي عملية تغيير لا بد وأن تبدأ من الأنا (فردية أم اجتماعية أم قومية)، هكذا كان شعار عصر التنوير الأوربي “الأنوار تنبعث من الداخل أو لا تنبعث أبدا”… لكن عصر الأنوار كان عصرا عالميا، فما كان لألمانيا أن تنظر إلى الأنوار الفرنسية بتجاهل واستبعاد بانتظار الإنبعاث ذاته في (الجوانية الألماني)، ولذا فإن أحدا لم ولن يتهم هيغل بوطنيته عندما رأى النور (العقل) يركب حصانا يجول أوربا في صورة نابليون، هذا التقارب والتواصل والحوار أصبح قدر عالمنا في أفراحه وأتراحه، حيث عشرات الملايين –يوميا- تحملها عشرات آلاف الطائرات لكل أنحاء المعمورة…ولذا فالعالم يتساءل عن حمى الخنازير… إن كانت مكسيكية أم خنزيرية عالمية… بسبب هذا الانتشار السريع والكاسح للمرض… فكما نحن شركاء في المرض، فكلنا سنكون شركاء في العلاج: الإنقاذ أو الموت… ولا نظن أن ولي الفقيه سيجد دواء إيرانيا إلهيا له ولحزبه في لبنان، ولحلفائه وأتباعه وعملائه الذين يخترق بهم العالم العربي، ولا نظن أن أوباش المرتزقة المافيويين الأسديين إلا وسيكونون أول المستوردين والمتعاقدين على استيراد الدواء (الامبريالي) لأخذ نسبتهم وحصصهم من كل الاستيرادات على جري العادة المافيوية العائلية إذا ما تسلل المرض إلى سوريا- حماها الله- رغم سيطرة عصبة الأشرار القتلة على فضلائها ونبلائها وأشرافها…!
– ماهي قراءتك لانسحاب الإخوان المسلمين من جبهة الخلاص، ووقف أنشطتهم المعارضة، وهم كانوا العصا التي لوّح بها النظام السوري في وجه أوروبا وأمريكا كبديل أصولي وسلفي له (حسب وصفه وتعبيره).
إن انسحاب الأخوان من جبهة الخلاص يصب في السياق ذاته لمعنى ودلالة إعلانهم وقف أنشطتهم المعارضة، فلا يمكن وقف أنشطتهم المعارضة، والإستمرار في تحالفاتهم المعارضة…
ولهذا فالسؤال سيطرح حول قرارهم في وقف نشاطهم ذاته الذي كان ينبغي على الأخوان أن يكونوا أكثر شفافية ووضوحا في إعلان دوافعهم، التي ينبغي –بل يفترض- أن تكون دوافع انسانية بحتة مشروعة ومفهومة في مواجهة نظام يخوض حربا وحشية ضد مجتمعه باسم المعركة معهم، حيث قانون 49 -الذي سمي بحق بـ(قانون الذبح)- يتيح الذبح على الاعتقاد والتفكير وليس الفعل والأداء، فهو قانون قروسطي تخجل منه الإنسانية المعاصرة…فالمعركة غير متكافئة بين نظام يضع عسكره ومخابراته وحزبه وإعلامه وعصبيته الطائفية في ملاحقة أهل الإخوان –لأنه لم يعد هناك داخل سوريا إخوان – وجعلهم رهائن يعيشون تحت سيف الإرهاب والتهديد اليومي، نحو أقاربهم رجالا ونساء وأطفالا… حتى نحو أبناء أو آباء الذين يعيشون آباؤهم أو أبناؤهم في الخارج دون أن يكونوا على الخط السياسي لآبائهم أو أبنائهم، ولقد سمعنا عن مآسي كثيرة… لا مجال لحصرها… ولذا فالأولى لهم كانوا أن يثيروا قضيتهم الإنسانية هذه وطنيا وقوميا ودوليا، عوض أن يورطوا أنفسهم بتفسيرات وتبريرات وتعليلات عبثية تقدم هدية للنظام على حساب حلفائهم في المعارضة ، في الحديث : عن غزة وتوحيد الجهود والصفوف مع نظام مكشوف بأنه المفضل إسرائيليا، والمراهن على إسرائيل تسليكه وتمريره لقبوله أمريكيا، وهو أمر علني ليس بحاجة للقراءة والتأويل، كما أننا لسنا في المراحل الأولى في سلسلة الصراع مع العدو الصهيوني ، وأن الحرب على غزة ليست هي الحرب الإسرائيلية الأولى، لنتحدث عن غزة مفاجئين ومصدومين بالحدث وكأننا في مراحل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في زمن نكبة 1948…
مما أعطى النظام فرصة وضع الشروط المهينة للقبول بمبادرة الأخوان على لسان مستخدميه في الخارجية، بل وحتى ليذهب كتبته -في التنكيل المعنوي بهم- أنهم راحوا يطالبونهم بأنهم بحاجة إلى (إعادة تأهيل) للعيش في (الغابة الأسدية)…وفق شروط عصابات الأمن المافيوزي الصامدة، وذلك-مطلب منطقي- مادمت مؤمنا بوحدة الصف وتوحيد الجهود معهم…!
– المعارضة الكردية الوطنية داخل سوريا تعيش مأساة حقيقية ، واستهداف النظام لها إلى ما يشبه سياسة التصفية السياسية. كيف تفسر ما يحدث.وهل يمكن للكرد أن يكونوا حطب التغيير في سوريا.
المعارضة الكردية الوطنية في داخل سوريا برهنت على شجاعة فائقة، وأظهرت مدى قدرة الشعب الكردي على الحياة في مواجهة المقبرة الجماعية التي حفرتها عصابة النظام للمجتمع السوري… كل يوم يبرهن الأكراد بأنهم شعب حي وجدير بالحرية والكرامة وحقوق المواطنة على طريق بناء سوريا الديموقراطية: دولة القانون وحقوق الإنسان والحريات والمساواة في الحقوق لكل فئات ومكونات المجتمع السوري، لتكون سوريا بيتا مشتركا لكل أبنائها.
إن الأهم في النضال الديموقراطي الكردي أن لا يتمكن النظام من عزل نضالهم الديموقراطي عن نضال الحركة الوطنية الديموقراطية السورية، وأن تكون التضحيات الجسام التي يقدمها الشعب الكردي البطل عربونا لحريات الشعب السوري : بكرده وعربه، أي لتحرير سوريا بكل فئاتها وشرائحها ومكوناتها من الاستبداد والطغيان والفساد.
إن الدينامية والحيوية السياسية التي تنتعش في أوساط الشعب الكردي في سوريا، توازيها دينامية ثقافية تجعل من المواهب الكردية في مجال الأدب: قصة- شعر- رواية، ومن ثم الصحافة والفن التشكيلي والتصوير تحتل صدارة المشهد الثقافي في سوريا، مما يضع على عاتق المبدعين الأكراد ليس إثراء الثقافة الكردية فحسب، بل والثقافة الوطنية السورية ككل حتى يكاد الجيل الكردي الشاب أن يكون الوريث الوطني الشرعي لها بالتوازي مع حالة نهوض الوعي السياسي الوطني الشعبي الكردي.
– كنت في واشنطن مؤخرا، ما هي انطباعاتك عنها، وهل يمكن للديمقراطيين بقيادة أوباما وهيلاري وقف نزيف الشرق الأوسط، وإنصاف المرأة  وصون قضايا حقوق الإنسان كما وعدوا.
الولايات المتحدة في تعداد قومياتها ولغاتها وثقافاتها ونشاطاتها الإقتصادية والبشرية والتقنية والمعرفية تبدو وكأنها صورة مصغرة عن العالم المتعدد والمتنوع، فبمقدار ما سينحو عالمنا –عبر دورنا فيه- باتجاه المزيد من الإستقرار والسلام والعدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان فإن القيادة الديموقراطية لدفة الإدارة الأمريكية ستكون أكثر فاعلية في دفع عالمنا نحو المزيد من احترام حقوق الإنسان، بما يعادل وزن الولايات المتحدة في العالم، وشكل حضور العالم فيها بمثابتها صورة ميكروسكوبية عنه، وذلك من خلال توازن القوى والمصالح، وليس من خلال أوهام حرب الحضارات والأيديولوجيات والهويات التي تعشش في أدمغتنا الإسلامية والعربية المخثرة التي لا تني تبحث عن الأعداء والعداوات من خلال تغذية ثقافة الكراهية التي هي المعادل لثقافة الإستبداد، وأيديولوجيا الطغيان، وامتهان حقوق الإنسان واضطهاد المرأة.
– قضية كركوك قنبلة موقوتة، قد تنفجر وتحرق كل شيء وتتحول إلى صرب وبوسنة جديدين. كمراقب أين تكمن المشكلة والحل.
قضية كركوك هي قضية أهلها، قضية قدرة مكونات العراق القومية على القطع مع الماضي: ماضي النظام الاستبدادي الشوفيني والإقصاء المتبادل ورفض الآخر، ومن ثم حرب الهويات والمذاهب، للانتقال نحو عراق مدني ديمقراطي تعددي حواري، فلا سبيل لحل مشكلة كركوك، ككل مشاكل العراق التي ورثها عن النظام الشوفيني الديكتاتوري إلا بالحوار والإعتراف بالآخر، وتوازن المصالح، والتخلي عن أوهام الإنفراد والتفرد وفرض أي طرف لنفسه بالقوة على الآخر
– كوشنير كان من دعاة تحطيم تابو (السيادة  الوطنية) لكل دولة، والتدخل في شؤون الدولة الداخلية حين انتهاك حقوق الإنسان والحريات، هل تتفق معه في هذا الفكر الذي ينغْص على الحكومات والأنظمة غير الرشيدة والمتسلطة.
مع الموجة الثالثة لعولمة العالم وتصغيره، أصبحت موضوعة (السيادة الوطنية) مفهوما قبليا عشائريا إذا ما تأسست على معنى الحدود الجغرافية، بعد أن غدت السلعة منتوجا متعدد الوطنيات والقوميات والأعراق…
السيادة اليوم: هي سيادة الشرعية الدستورية والحقوقية والقانونية المنتجة للدولة الوطنية المطابقة للأمة…فجغرافيا الأمة اليوم هي جغرافيا حقوق لا حدود، حيث جغرافيا حقوق الإنسان تتطابق مع جغرافيا الأوطان، وعلى هذا فلا وطنية مع الاستبداد، مادامت السيادة ليست سيادة تمثيلية للأمة من خلال العقد الاجتماعي وفصل السلطات، وإلا فإن الوطنية مع الاستبداد في ظروف عولمة العالم لا تعني سوى أن تتحول السلطة الحاكمة إلى عصابة تحتكر مساحة الجغرافيا الوطنية القائمة باسم (الأيديولوجيا الوطنية أو القومية) للنهب الحزبي أو الطائفي أو العائلي كما هي صورة الوطنية المعلنة في سوريا المصادرة من قبل عصابتها المافيوزية الطائفية العسكرية الأمنية الحاكمة .
– ما هي الكلمة التي يمكنك توجيهها كمثقف، ولمن ستوجهها.
سوريا أولا، بالنسبة للسوري تعني أولوية بنائها كدولة قانون تعاقدية تعددية تداولية تشاركية ديموقراطية حديثة ، تأتي قبل أي مشروع قومي عربي أو كردي رأسمالي أم اشتراكي يميني أم يساري…الخ وهذا لا يتناقض مع ذاك… وأن تكون سوريا أولا، هذا يعني أن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان أولا بمثابتها المدخل لتعريف الوطن والوطنية … أي أن الأسبقية والأولوية هي: الحرية لسوريا أولا، حيث تتأتى قبل أية دعوة لأية حريات قومية أو عالمية فالتضامن مع الذات أولا ، وهذا لا يتناقض مع ذاك أيضا …
إنها أولوية مواجهة النظام الاستبدادي الأمني الطائفي العائلي الوراثي المافيوي، هذه المواجهة هي المدخل لأي نضال تحرري وطني أو قومي، فبدون الحريات السياسية لا حريات وطنية أو قومية، لا تحرر وطني في مواجهة الآخر الخارجي، ما دامت الحريات الداخلية مسحوقة من قبل الأخ في الوطن والأمة باسم الوطن والأمة، إذ لم يعد هناك أي معنى للوطنية دون أن تحقق المواطنة وتتحقق بها …فإذا بالوطن هو المواطنة وإذا هي إياه…وذلك على طريق بلوغ سؤدد الذروة العليا للمواطنة العالمية والإنسانية …
موقع الوارف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى