حوار مع الروائية السورية منهل السراج
أجرى الحوار حسين الشيخ
بمثابة التقديم
مجموعة قصصية بعنوان “تخطي الجسر” 1997. فازت قصصها بأكثر من جائزة.
ورواية بعنوان “كما ينبغي لنهر” فازت بالمركز الثالث عن دائرة الثقافة بالشارقة لعام 2002 كانت منعت من النشر في سوريا عام 2000.
رواية بعنوان “جورة حوا” صدرت عن دار المدى عام 2005.
رواية بعنوان “على صدري” صدرت عن دار قدمس دمشق 2007.
مقالات عديدة في الصحف والمواقع العربية
Sarraj15@hotmail.com
اختارت منهل السراج “صفحات سورية” لتنشر روايتها “كما ينبغي لنهر” على حلقات، هذا الحوار الذي يسبق نشر الرواية هو بمثابة التقديم لروائية سورية مهمة، أثارت رواياتها الجدل والنقاش الواسعين، واحتفت الاوساط الادبية في سوريا بها، منهل السراج من المنتمين إلى ما بات يُسمّى جيلاً جديداً أو نبرات جديدة في الرواية السورية، يمكن التعويل عليها للحديث عن «رواية جديدة» أو «مختلفة» في سوريا. .
– في مقال جميل لك بعنوان: زوجة الشاعر، ثمة ما يشعر القارئ أنك كنت تتحدثين عن نفسك، كنت زوجة لشاعر والآن افترقتما، كيف هي حياة زوجة الشاعر برأيك، هل هي تردد على الدوام: بم أخطأت أنا؟
السؤال يحير، لأن المقال كان خاطرة في بالي كتبتها، ولا يجوز لنا التعميم، لكن أظن أن الشاعر أو الفنان يعجن بمزيد من الألم عن الناس، مما ينعكس طبعاً على بيته والمقربين منه، الأم والزوجة والإبنة. علم النفس يقول، الوجع يحدث وجعاً عند الرفيق. كثيراً مالفت نظري سلوك زوجة الشاعر وهي تلعب دور الأم، تعد البيت للطفل الذي لا يستسيغ كل أطباق الطعام ولا يروق له دائماً ترتيب البيت. ودور الرفيقة المتفهمة لنزقه، والناقدة التي تلم بشؤون الشعر والفن، وأحياناً الموظفة التي تعمل بلا راتب، وأحياناً الزوجة التي تقع أو توقع نفسها في مكان الحبيبة التي تنهشها الغيرة و تخجل من الإبلاغ عنها، فتضرب في أعماقها وتبقى صامتة.
-العديد من مقالاتك الأخيرة تهتم برصد حياة أخرى، حياة بلد الاغتراب الآن، تلتقط الظواهر من المجتمع السويدي وتكتب عنها، وكأنك تحضرين نفسك للإقامة في وطن آخر، ومن ثم تقارنين بين البلد المثال الذي تعيشين فيه، والوطن الأول، ثمة غربة مريرة تجري بين أنحاء الجمل، كيف تعيشين في المنفى، ماذا يعني لك، هل أنت مريضة بالتذكر، كيف تحلين هذه الاشكالية؟
حين بدأت بكتابة تلك المقالات كنت أتعرف على تلك البلاد، كنت معجبة بإخلاصهم للعمل، واحترامهم الشديد للقانون، الأمران اللذان نفتقدهما عند كثيرين من أهل بلادنا، مما كان يثير غيرتي في أوقات، لو أن إنسان بلادنا يبدأ فقط من نفسه ومن حارته ومن محيطه الصغير! هذا ماكان يدور في ذهني، كنت بالطبع مشتاقة لبيتنا وحارتنا وأصدقائي، ولكن كان أمر الرجعة قائماً، أما وبعد أن تحولت الإقامة من سياحة واستضاقة إلى هجرة وقرار إحباري بالبقاء، اختلف فهمي، أمر التعرف على ستوكهولم وقراءة الواقع بلغته، خلق لدي إحساساً آخر، فهماً جديداً، ليس فقط بسبب أن المرء يمتلئ بالحنين إلى كل تفاصيل البلد، ذلك الحنين الذي يتحول أحياناً مثلما قلت إلى حالة موجعة، وإنما أيضاً أن ذلك الأمان وهذه الرصانة التي يعيشها المجتمع الغربي ينقصها المعنى أو الطعم، العيش في هذه البلاد ليس سهلاً حتى على أهلها، وليس علينا فقط نحن القادمين من بلاد حية وإن قيل إنها ميتة، العلاقات هنا تفتك، علاقات رسمية وباردة حتى بين الأم وابنها، ثم إن أمر المقارنة بين حال الرفاه والأمان الذي يعيشه الفرد في تلك البلاد، وحال الفقر في بلادنا، أمر يكاد لايفارق.
كيف أحل الإشكالية، أعمل، أقرأ كثيراً، أعتني بابني كثيراً وأكتب حين أصابعي تكرج، ولكن الحنين والإحساس بالفقد في القلب وفي العينين طوال الوقت.
-أمك تبدو حاضرة في كل الزوايا، تستشهدين بها كثيرا، حتى في مقالك عن حبيبة أورهان ياموق: “حب أكابر”، هذه الأم تظهر في أعمالك الابداعية، وتنتشر لتغطي مساحة كبيرة من ذاكرتك، كيف عشت طفولتك، ماهي مساحة الأم آنذاك، هل تحاربين غواية المنفى بتذكرك الدائم لها، غالبا لا يعرف القراء الكثير عن حياة الكاتب، ولكن ما يكتبه الكاتب أو الكاتبة يصير بشكل أو بآخر ملك لقراء مفترضين يدسون أنوفهم في كل شيء، كيف تقدمين لنا أمك الآن؟
كانت كفة البنات راجحة في البيت، عدداً وفعالية، لأن الشباب، تعرف، يخرجون كثيراً، أشعر أحياناً أن طيبة أمي وبساطتها هي التي جعلت من البنات نساء جادات، كان أبي مصراً على تعليم البنات إلى آخر مرحلة من الجامعة وكان يريد أكثر من الجامعة، أما أمي فكانت تنصحه، بأن هذا لن يسعدهن، السعادة تأتي من العريس والبيت والأولاد، وتضيف، المرأة تهنأ ببيتها، وكان هذا النقاش يدور دائماً بينهما خصوصاً في الصيف، حين كانت ترجو من البنات تعلم الطبخ والترتيب ومهارات النساء.
كان أبي يحضر الكتب في شوال القنب، بينما تقف أمي أمام كومة الملوخية تنادي على البنات لمساعدتها، ما من مجيب، تبحث عنا، فتجد كل منا في سريرها غارقة في كتابها، فتقول باستسلام: طالعين البنات للأب.
هي تعيش بمقردها الآن في بيتنا، تهتم حسب طاقتها بمزروعاتها، وتدعو أولادها وأحفادها إلى مطبخها، وحين أتصل بها، تسألني بحنان غامر: ضايق خلقك؟
-تبدو روايتك كأنها جزء من سيرة ذاتية
لقد ذكرت المؤذن أبو رحمون أيضا في مقال لك: على درجات المئذنة
ومن ثم في مقال: أطفال حماة أيضاً كانوا يستحقون الصورة أوردت مقطعا من الرواية:
أمسك العسكري الولد من قبة البيجامة وراح يلوح به، ويسأل زميله العسكري الآخر في حملة الجمعة، شباط 1982: هل نترك هذا الولد أم نأخذه مع البقية؟ نظر العسكري إلى وجه الطفل المذعور وقال: اتركه، صغير، ردد الولد مؤيداً: نعم أنا صغير. ورغم صوته الرقيق، أخذوه وبالطبع مثل كل من أخذوا في يوم الجمعة المشؤوم لم يرجع أحد. شهادة أم الولد الذي لم يتجاوز الثانية عشرة
إلى أي حد تتماهى روايتك مع سيرتك الذاتية؟
نعم تتماهى ولكنها ليست بوقائعها، الكاتب يكتب عما أرقه في حياته ولامس وجدانه ألماً فرحاً، وبالتالي لايمكن فصل الكاتب كذاكرة عن عمله، لايُبرّأ من هذا. أمر الكتابة معقد وصعب شرحه، أمر يحدث في الذاكرة، استرجاع حدث يستدعي خلقه من جديد أو خلق غيره، الخيال يستدعي أحداثاً وقعت أو تهيأ لكاتبها أنها وقعت، الرواية ليست وثيقة لمحاكمة أحد، الرواية أعمق من ذلك، إن كتبت بهدف الجمال والحق الخير، فإنها بالتأكيد لا تنوي أن تدين أحداً، وإن صارت بالنتيجة كذلك. أبو رحمون هو مؤذن الجامع المقابل لشرفة بيتنا، صوته خمس مرات باليوم، لازمني طوال سنوات عمري في حماة، أكثر من ثلاثين سنة. كان صوته واسمه يتردد في البيت كأهم فرد في الأسرة، هذا عدا عن مؤثرات كثيرة، عادات الأهل والجيران، علاقاتهم ببعضهم، تناقضاتهم، تعصبهم وتسامحهم في آن، كثيرة ومتزاحمة تلك المؤثرات التي تصنع الحكاية، وهي بقناعتي لاتنفصل عن سيرة الكاتب الذاتية.
-أحقا تعتقدين بأنه لا جدوى من كتابة المقالات لأن الطاغية لا يبالي، كيف يمكن التغيير اذن؟
لقد قلت:
ولكن حقاً ماذا يفيد المقال؟ منذ مئات السنين تكتب الكتب وتوضع النظريات والفلسفات وكلها تنادي بإنسانية الإنسان، و مع ذلك لم تنجح أن تزحزح ديكتاتوراً ولا أن تقلب نظاماً. وصار كاتب المقال مبتل بمقاله، وأحياناً كلماته واهنة تماماً كالورق الذي يطبع عليه، والآن ليس أكثر من شاشة سرعان ماتمحى ليحل محلها غيرها
أكثر مقالاتي خاطرات في البال بناء على وقائع يومية تحدث، وأرغب دائما أن تكون خاطرات في البال.
مازلت مقتنعة بأن الكتابة لم تؤد الدور المطلوب. إذ حتى في أكثر دول العالم تحضراُ وتحرراُ، لم تؤثر الكتابة على القرار السياسي، إن لم يرغب القرار السياسي بتأثيرها، إن لم بكن قد كرسها أصلاً لتسويغه. أريد القول أن تلك الكتابة الحرة النظيفة التي نحلم، أن تجعل الديكتاتور يعدل عن قرار متعنت أصدره بحق إنسان، لم تحدث، وبالتالي مازالت الكتابة عاجزة عن التأثير الحقيقي في حياة الناس وأمانهم. ولكن لن نجلد ذاتنا بالتأكيد بسبب أن الكتابة لاتؤدي الغرض المنشود، أو لأن القارئ العربي عازف عن القراءة، من ناحيتي أكتب لأن الكتابة تحييني، تنقذني، تمتعني، وحين أشهد حدثاً، أقرأ خبراً، أتفاعل حزناً فرحاً ضيقاً غضباً، أكتب، وهذا أمر أظنه لايضر، بل يفيد، ولكن الفائدة واهنة أمام هذا الغول الذي يسمى سياسة، مصالح، مال، قوى.. واقع مقيت! لكنه واقع، علينا كي نستمر أن نعترف به.
-الأشخاص الذين تذكرينهم في مقالاتك، هم أشخاص روائيون بامتياز، هل تكتبينهم على الورق كي لا تفقدهم الذاكرة، هل تريدين الحفاظ على تفاصبلهم من الضياع، أيضا أنت تواصلين الاشارة إلى مدينتك، وكأنها أجمل مدينة في العالم، ألم تألفي بعد أي مدن السويد؟
بربك أليست حماة حلوة؟ هل شاهدت مرة منظر النواعير ونهر العاصي من سفح القلعة، كل هذا الجمال يمر في قلب المدينة، ولكن ماذا أفعل كل هذا الوصف ولا أحد يتقدم لخطبتها، مع أنها تنازلت عن مهرها، لكنهم شوهوا سمعتها، فانكقأت على نفسها، هناك علاقة بيني وبين المكان، علاقة عميقة، كنت أعشق المدينة يوم الجمعة قبل أن يخرج الناس للصلاة، أحبها وقت قيلولة الناس في الصيف، والشخصيات التي أكتبها في مقالاتي وفي رواياتي هي شخصيات حولي ومني وهي لاتنفصل عن المكان والمحيط، شكل جلابية، شكل مشية.. انحناءة قامة، طأطأة الرؤوس.
هل لا زلت ترددين” أليس الحنين لمكان يجعلنا أقرب إليه بالروح مما لو كنا بداخله؟.
ألست تحاولين صنع جزء من تاريخ مدينة حماه الفاجع؟
لست أخطط لذلك، ولكن هكذا تأتي، لم أتوهم يوماً هكذا وهم، أن أصنع أو أخلق أوأساعد وما إلى ذلك، ولكني ممتلئة قناعة بأن هذه المدينة ظلمت ومازالت تظلم من كل الجهات أحياناً حتى من أهلها أنفسهم، ربما قناعتي هذه هي التي تقود اللاشعور الكتابي عندي، ولكن بالتأكيد لايأتي بقرار فج، وإلا لن يكون أدباً ولن يؤثر بالقارئ.
–منعت روايتك في سورية، هل تعتقدين بأن هذا المنع كان سببا آخرا في شهرتها، ألا يساعد الرقيب في انتشار رواية عندما يمنعها؟
دور الرقابة ومنع الرواية
إذا كنت أكتب فلأن أحداً ما ممن يقرأ سوف يصبح صديقي، سترمش عيونه مع صفحات كتابي ويبتسم. فلماذا وبأي حق يغتالون هذه الصداقات ولِمَ أصر الرقيب على إرباك خطواتي في تجربتي الأولى مع الرواية؟ أعترف أنني حين كتبت لم يكن حاضراً ولم أتذكره وكنت مشغولة بإيجاد مكان للغتي، لكنه كان ينتظر الطريدة كي تكون في مركز المربع فيصيب هدفه ويشتغل فلا جدوى من وظيفته إن لم يفعل.
حين يكره الرقيب عملاً، يصبح لئيماً، وأظن أن الرقابة في سوريا تمرنت جيداً، وصارت تتقن أسلوب التعتيم، صرت على قناعة بأن للمنع طرق مختلفة، فالرقابة أحياناً تمنع لتسمح كثيراً، وأحياناً تمنع بنية الإلغاء، الرقابة جاحدة، وماهرة في هذا، فهي إن كرهت كاتباً أو كتاباً تمارس المنع ببرود سياسي، وأظنها تنجح، فالقضية معقدة، منابر النشر أيضاً تعمل بالأخير بطرق السياسة، وبالتالي تصبح الحكاية حلقة تدوخ إن جرب الكاتب أن يدخل نفسه فيها. ومن ناحيتي أقول باعتزاز أن أحب ماعلي هو الكتابة، وأكره ما علي هو إرسال الكتابة إلى منابر النشر. لدي تجربة مرة، ولكنها الحمد لله ليست طويلة لأني سرعان مااكتشفت أن الترفع منجاة، أكتب من دون انتظار للتصفيق.
-قلت في مقال لك
“كنت أنوي التحدث عن فطمة المرأة التي بعد عمر من العصيان انصرفت لسجادة الصلاة وتنظيف فضلات الطيور عن مزروعاتها ومحاولة تربية جرذ البيت وإعداد الطعام. كيف انفلتت مني؟ وكيف تعالت واستطالت حتى احتملت كل ما احتملت. أنا لا أعرف. ربما صار لدي دراية في الكتابة. لكني لا أعرف الحديث عن هذه الدراية. فهذا سر أظن، رزحت تحت وطأته الجميلة إلى أن أنزلته عن نفسي رغبة مني أن يحملها أصدقائي الذين سيقرؤوني وليس وراء هذا إلا المحبة الخالصة.”
ماهي هذه الدراية في الكتابة التي تتكلمين عنها، هل لازلت لا تعرفين التكلم عنها؟
الدراية بكتابة كتابي، بالطبع أن أعبر عما أريد قوله، أن أجد الجملة التي أبحث عنها، درايتي بنفسي وبما أود توصيله، أن أكون راضية عن لغتي، هذه هي الدراية التي أقصد، ولكن كيف تسنت لي هذه الدراية بالطبع لاأعرف، ولاأظن أن هناك كاتب لديه جواب عن هذا.
كيف يدأت أكتب؟ كانت صدفة بحتة، كان عصراً حزيناً، وكنت بحال ضيق وتساؤل، ماهذا الذي يحدث، ولماذا لانمتلك أي وسيلة للدفاع، كانت كل المحظورات حاضرة، كنت أجلس في شرفة بيتنا في حماة، أنظر في مئذنة الجامع وهي تتأرجح مع تأرجحي على كرسي، تناولت حقيبة طفل البيت المدرسية وكتبت على ورقة دفتر الولد رسالة قصيرة، وضعتها في حقيبتي، كنت أستمع إلى برنامج إذاعي يستقبل رسائل القراء وأحياناً يتحدث عن إصدارات جديدة، ويشجع المواهب الجديدة. ظلت الرسالة في حقيبة يدي أياماً طويلة، وبالمصادقة البحتة تسنى لي إرسالها، ويالمصادفة البحتة وبعد بضع حلقات سمعت حروف اسمي الأولى، بالطبع لم أكتب اسمي واضحاً. أفرد مقدم البرنامج للرسالة وقتاً أطول من المعتاد وشجع كاتبها، قال إنها تدرج بأدب الرسائل، ووجه صاحبها إلى كتابة القصة. أفرحني هذا، وكتبت قصتي الأولى وأرسلتها، في هذه المرة وحين جاء دور قصتي، لم يفرد لها أي وقت قال على عجل، إنه موضوع شائك وننصح الكاتب ذا الموهبة الواضحة أن يتناول مواضيع أخرى. وعرفت طريقي.
في الشرفة ذاتها، ومع حال التأرجح ذاته، عثرت على وسيلتي للدفاع عن وجودنا.
–تبدو كتاباتك وكأنها نبش عام وعشوائي، تحمل الهم العام في ثناياها، الحرية ثيمة رئيسية فيها، تبدو مفرداتك أيضا بسيطة، لا تحيل إلا إلى معناها البسيط، إلى أي حد نستطيع أن نعتبر رواياتك بعيدة عن الايديولوجيا؟
لم أكن يوماً في حزب، ولم أحمل يوماً فناعة نهائية، ماأتذكره أني ومنذ طفولتي أعيش في قلق دائم، تساؤلات، وتجريب لوضع أجوبة، ولكن دائماً كانت الأجوبة تتباين، وقي كل مرة أسأل نفسي، لم لم أتعلم من تلك التجربة وأخلص إلى نتيجة أعتمدها في التجربة أو الموقف القادم؟ لأني لست مؤهلة لهذا، كما لاأريد أن احمل قناعة واحدة وأمشي بها في الحياة، اللهم إلا حب الإنسان والحياة. وربما حال التساؤل والقلق الدائم هذا واللهفة في البحث عن الأجوبة، تحمل جواب سؤالك السابق، التحدث عن الدراية، هذه الحالة من اللاستقرار على جواب نهائي هي التي تدفع للكتابة.
-من هو القارئ الذي تطمحين الوصول اليه، هل تكتبين لقارئ متخيل محدد، هل يهمك أن تقرأك النساء أكثر، أبطالك دائما نساء متمردات بشكل أو بآخر؟
أتمنى أن يقرأني الانسان، امرأة كان أو رجلاً، لاأحبذ هذا التقسيم، كلمة النساء تستدعي كلمة الرجال، تستدعي طرفين، أي جبهتين. أعتقد أن حق الإنسان بالعيش والحرية، يعني حقاً للنساء والرجال، وهذا ما يأمله المرء من الكتابة. الأبطال كانوا من النساء لأني امرأة من الشرق، وعلى معرفة نوعاً بإحساسي، امرأة من الشرق يعني تاريخاً طويلاً من الصراع مع المحرمات، التي صنعها المجتمع كله والتاريخ، وليس الرجل بذاته، حين أتكلم عن هم يحوز على امرأة، أعني هماً إنسانياً يلامس القارئ رجلاً كان أو امرأة صبية كان أو شاباً أو حتى طفلاً صغيراً.
-لماذا اخترت صفحات سورية لتنشري فيها روايتك على حلقات، هل تعانين كما العديد من الكتاب من توفر منابر للنشر، الشللية والمحسوبية هي السائدة اليوم في عالم النشر، كيف يمكن التغلب على كل هذه المشاكل،ألا تعتقدين أن عالم النشر الورقي بدأ يخلي مكانه للنشر الالكتروني؟
كثيرون لايشترون الآن الصحف الورقية، وأنا منهم، أكتفي بقراءة الصحف العربية عبر النت. اعتدت على ذلك, أما فوائد النشر الالكتروني، فهي هائلة، لا مجال الآن للغوص فيها، ولكن يكفي أمر البحث عن معلومة، أو خبر، كلمتان على محرك البحث وتأتيك النتائج في ثوان.
أما لماذا اخترت صفحات سورية، فلأنها موقع جميل، وأظنه مقروءاً. وضع الرواية في موقع جذاب، يشد القارئ ويغنيه عن شراء الكتاب من المكتبات، وفي الوقت نفسه نشر الرواية على حلقات كمسلسل أسبوعي يجعل عدداً أكبر من القراء يرونها وربما يقرؤونها. يتمنى المرء أن يوصل كلمته وجهده إلى الآخرين.
بالطبع أعاني من منابر النشر، خصوصاً مسؤولي الصفحات الثقافية في الصحف العربية المعروفة وربما أيضا العديد من النقاد، كما قلت إن أمر النشر والانتشار، يحكمه كل شيء إلا حكم القيمة والجمال، قد يحدث أن يتلاقى الاثنان، كاتب مشهور ويكتب بشكل جيد، ولكن لاأظن أن ما ساعده على الانتشار هو كتابته الجيدة، بقدر ما تلعب العلاقات الدور الأساسي، فلان من الشلة، فلانة من الطائقة، ذاك من الحزب، وتلك من البلد، وهكذا.. حتى يكاد القارئ يعرف مسبقاً سبب إقصاء فلان أو إعلاء شأن فلان، للأسف.