الرقص مع إيران بدل خنقها
سعد محيو
أي حديث عن نظام أمني إقليمي جديد في الشرق الأوسط، يستدعي فوراً الحديث عن طبيعة الدور الإيراني في المنطقة:
هل يجب اعتبار هذا الدور خطراً استراتيجياً وإيديولوجياً ماحقاً يجب التصدي له بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك العنف والحروب والاصطفافات والتحالفات الإقليمية؟ أم يتعيّن اعتباره مجرد ورقة ضغط يستخدمها نظام، كانت شهرته البراغماتية الفائقة أكثر بكثير من شهرته الإيديولوجية الثورية، لحمل الغرب على القبول به طرفاً وشريكاً في لعبة الأمم؟
إدارة الرئيس بوش طبقت المحصلة الأولى بحذافيرها، فعملت على احتواء إيران وخنقها عبر تطويقها بالأحلاف، ورسمت خطاً أحمر يمتد من لبنان إلى عُمان لفصلها عن جيرانها، وشجعت “إسرائيل” على شن الحروب المدمّرة في لبنان وغزة لمحاولة اقتلاع أو إضعاف نصيريها حزب الله وحماس .
بيد أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم تسفر سوى عن ترك كل الشرق الأوسط نهباً للنيران . وبالتالي، استمرار هذه السياسة الآن، سواء عبر حرب “إسرائيلية” أو أمريكية مباشرة مع إيران، أو عبر حروب بالواسطة جديدة في لبنان وغزة، أو مواصلة التصعيد والرقص على شفير الهاوية، لن يسفر سوى عن مآس كبرى جديدة في مقدمها احتمال انفجار المشرق العربي برمته في وجه أمريكا، في وقت تحتاج فيه هذه الأخيرة إلى وضع كل إمكاناتها وقدراتها في مركز الثقل الجديد في الشرق الإسلامي المتمثل في مثلث الخليج- أفغانستان- باكستان .
أما المحصلة الثانية فتتطلب حلولاً مختلفة تماماً، حلولاً تاريخية، إذا ما جاز التعبير، تستند إلى وضع الحوار الإيراني- الأمريكي العتيد في سياق هدف أوسع هو إقامة النظام الإقليمي الأمني والاقتصادي والسياسي الجديد الذي يتم في إطاره وضع مصالح كل الأطراف الإقليمية وهمومها الأمنية بعين الاعتبار .
في السابق، كان مثل هذا النظام مستحيلاً بسبب محاولة القوى الدولية والإقليمية الرئيسة التفرد بزعامة هذا النظام طوال القرن المنصرم، بدءاً من البريطانيين والفرنسيين في أوائل القرن العشرين (مع اتفاقات سياكس- بيكو)، إلى المصريين (مع مشاريع جمال عبد الناصر القومية العربية) ثم السعوديين في منتصفه، ثم “الإسرائيليين” في أواخره، وأخيراً الأمريكيين أنفسهم في أوائل القرن الحادي والعشرين .
كل هذه المشاريع تحطمت الواحد تلو الآخر، وفشلت في تحقيق الأحادية القطبية في المنطقة . وهذا ما أسفر الآن عن ولادة تعددية قطبية في الشرق الأوسط لابد أن يعترف بها كل من يريد أن يحوّل هذه المنطقة الاستراتيجية من ساحة حرب إلى واحة سلام .
أجل . إيران شكلت ولاتزال وجع رأس حقيقياً لأمريكا، وأثارت وتثير قلقاً حقيقياً لدى بعض الدول العربية . لكن كذا الأمر مع القضية الفلسطينية، و”القضية “الإسرائيلية”” حيث إن الدولة العبرية لم تستطع بعد 61 عاماً من تأسيسها الاندماج في الشرق الأوسط كدولة عادية، وقضايا الاستبداد والديمقراطية، والتخلف الاقتصادي والاجتماعي الكاسح المترافق مع الانفجار الهائل في الديموغرافيا، والانفجار الآخر في الإيديولوجيات الأصولية المتطرفة والقروسطية .
المجابهات والحروب المستمرة منذ قرن عجزت عن حل كل هذه المعضلات . فهل يُعطى الحوار والحلول الوسط والتجارة في إطار نظام إقليمي أمني تعددي مطمئن للجميع ومراعٍ لمصالح الجميع، فرصة لإثبات وجوده وقدرته على اجتراح الحلول؟
المسألة تحتاج إلى أمر واحد: أن يكون أوباما “وغداً” في التعاطي مع “إسرائيل” وطموحاتها الانفرادية المستحيلة في المنطقة .
الخليج