برهان غليون أستاذ الاجتماع بجامعة السوربون في باريس
أمريكا لم تفقد نفوذها في الشرق الأوسط رغم أخطائها
السياسة الأمريكية في المنطقة تمر بأزمة وواشنطن غير قادرة علي مراجعة تلك السياسة
برلين – الراية: ماذا ينتظر منطقة الشرق الأوسط في السنوات القادمة التي تعقب نهاية عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش؟ لقد قرر بعد مضي سبعة أعوام علي وجوده في البيت الأبيض أن يزور المنطقة التي ستعاني علي الأكثر من سياساته التي أسفرت عن زيادة النزاعات فيها باحتلال العراق ثم تصعيد النزاع مع إيران بشأن البرنامج النووي.
دون شك أن المنطقة تستعد للرئيس الأمريكي الجديد وتتوقع منه أن يبدأ بتصحيح أخطاء بوش. لكن أولا يجب أن تمضي أشهر طويلة وقد وعد بوش الذي تقمص ثوب اللورد البريطاني بلفور بأن يجري حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قبل نهاية عهده أي هذا العام. هل هذا ممكن؟ يتفق المراقبون علي أن بوش حمل نفسه عبئا كبيراً بوضع فترة زمنية لحل واحدة من أصعب المشكلات في العالم.
البروفيسور الألماني أودو شتاينباخ الخبير في قضايا الشرق الأوسط لا يتصور كما قال في مقابلة نشرت هنا أن واشنطن قادرة علي تحقيق الحل.
–يأمل الرئيس الأمريكي أن يعطي الإشارة بأنه قادم لحل أصعب مشكلة في الشرق الأوسط وأكثرها تعقيدا. وقد انتظرنا طويلا أن يقوم بشيء في هذا السياق. ثم حصل مؤتمر أنابوليس لكنه لم يحقق إلا تقدما بسيطا. ويأتي بوش قبل اثني عشر شهرا علي نهاية عهده ليقول أنه يريد حل هذه المشكلة. إن حظوظ حل هذه المشكلة في وقت محدد أمر غير جيد. لقد انتظر بوش طويلا وخلال السنوات السبع الماضية وقعت أحداث كثيرة في الشرق الأوسط.
تعتبر سياسة الاستيطان الإسرائيلية العقبة الرئيسية أمام تحقق السلام. هل تعتقد أن إسرائيل يمكن أن تتراجع عن هذه السياسة؟
–هناك إشارات متناقضة من إسرائيل. صحيح أن الاستيطان لم يتوقف. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أعلن نية حكومته في تفكيك بعض المستوطنات ووقف بناء مستوطنات جديدة. ولكنه في نفس الوقت يعلن أن مستوطنات أخري مثل معال أدومين في القدس سوف يستمر العمل في بنائها. ويكمن الأمر الأساسي في هذا السياق في قدرة بوش علي إقناع الإسرائيليين بوقف عمليات الاستيطان، فإذا فشل في ذلك فإن زيارته إلي المنطقة سوف تمني بالفشل وهذا سيعني أن وزن الولايات المتحدة في إسرائيل يعادل الصفر.
يقول البعض أن جولة بوش ترمي إلي حشد تحالف لعزل إيران؟
–إننا نعرف هذه السياسة منذ زمن. يحاول المرء أن يخلق تحالفا بين الدول العربية المعتدلة التي شاركت في مفاوضات أنابوليس والتي أدرجها بوش في قائمة الدول التي تشملها الجولة مع إسرائيل. لكن بعد عودة السياسيين العرب من أنابوليس مباشرة عشنا شيئا مثيرا للغرابة إذ أقدم مجلس التعاون لدول الخليج علي استضافة الرئيس الإيراني محمود أحمد نجاد في قمته المنعقدة بمدينة الدوحة. وهذا يعني أن الدول العربية المعتدلة لا تثق ببوش ولا بقدرة سياسته علي الوصول إلي حل. أنهم يذهبون في طريقهم الخاص بهم وهذا الطريق يقودهم إلي إيران وليس إلي تبني سياسة واشنطن الرامية إلي عزل طهران.
تراجعت سمعة بوش في مصر بصورة خاصة التي تعتبر بعد إسرائيل أهم حليف لواشنطن في المنطقة. هل تعتقدون بوجود تقارب بين القاهرة وطهران؟
هذا التقارب كان متوقعا منذ زمن بعيد. وسياسة الولايات المتحدة الرامية إلي خلق تحالف بين الدول العربية وإسرائيل ضد إيران لن تنجح خصوصا أن العلاقات بين واشنطن والقاهرة ساءت في السنوات الأخيرة.
ماذا سيؤول إليه الوضع في العراق بعد نهاية عهد دبليو بوش؟
–إن الإدارة الأمريكية مقتنعة أنها اختارت الاتجاه الصحيح، حين عززت قواتها الموجودة في العراق في ربيع عام 2007 الماضي. بالفعل تراجع معدل العنف هناك كثيرا. لكن ليس هناك ما يضمن أن الوضع الأمني قد لا يتدهور مجددا. يتوجب علي دبليو بوش أن يحاول الاستمرار في تطوير هذه الإمكانيات لحسم الصراع في العراق بشكل أو بآخر.
أما فيما يتعلق بسياسة الحكومة الأمريكية تجاه العراق فمن الصعب التكهن بها. فقد بعث كل من مرشحي الرئاسة هيلاري كلينتون ومنافسها براك أوباما بإشارات مختلفة تماما. ولكن مما لا شك فيه فإن الأزمة في العراق سوف لا تحل في السنوات الثلاث القادمة حتي في ظل إدارة أمريكي جديدة في واشنطن. أما بما يتعلق في لبنان فإن بوش بمقدوره أن يستغل ثقل بلاده في حل قضية الفراغ الرئاسي في بلاد الأرز.
ما هو الإرث الذي ستتركه سنوات بوش السبع في العالم العربي؟
–فوضي كبيرة. فقد انتهي دور الولايات المتحدة التقليدي كشرطي دولي في منطقة الشرق الأوسط. وفقدت واشنطن الكثير من المصداقية هناك بل وحتي لدي أقرب حلفائها. وخير دليل علي ذلك التقارب بين إيران والدول العربية التي باتت غير واثقة في الحماية الأمريكية. وبهذا تصبح الاحتمالات أكثر خطورة من أن تؤدي ملفات إيران ولبنان والصراع الفلسطيني والإسرائيلي والعراق وسوريا إلي المزيد من الفوضي في المنطقة.
هل هناك دور لأوروبا في هذه العملية؟
–لقد أضاع الأوروبيون جميع الفرص التي سنحت لهم في السنوات الأخيرة. لذلك نري فراغا في منطقة الشرق الأوسط خلفته الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت أوروبا مطالبة بالقيام بدور ما خصوصا من الجانب العربي الذي يلح عليها منذ عقود أن تلعب دوراً مهماً في حل النزاع الجذري في المنطقة، لكن أوروبا فشلت في صياغة سياسة خارجية مشتركة. وأنا أشك في قدرتها علي إنجاز ما فشلت به الولايات المتحدة منذ العام الأخير للرئيس بيل كلينتون وصلا إلي نهاية السنوات السبع من عهد دبليو بوش.
–أما برهان غليون المفكر ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس فقد استبعد أن يتمخض نتائج فعالة عن جولة دبليو وبوش وتوقع أن تشتد أزمة الشرق الأوسط كما أعرب عن رأيه بحدوث مواجهة جديدة في المنطقة وهذه هي تصريحاته.
بعد سبعة أعوام علي استلامه السلطة في البيت الأبيض يقوم دبليو بوش بجولة في الشرق الأوسط، كيف تقيمون توقيت الجولة وما هي أهداف بوش من ورائها؟
هدف الجولة الأول هو تحجيم نفوذ إيران المتنامي وتحسين الشروط الإقليمية لعزلها. أعتقد أن الأمريكيين يربطون بين عزل إيران وبين الدفع بعملية التسوية في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. كما أعتقد أن بوش لا يريد فقط أن يعطي العرب انطباعا بأن تعثر المفاوضات لإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية يجب ألا يدفعهم إلي فقدان الثقة بإدارته من أجل إقناعهم بالعمل مع واشنطن يدا بيد من أجل عزل إيران.
قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات مرة أن الولايات المتحدة تملك تسعا وتسعين في المائة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط، لكن ألا تعتقدون أن الأخطاء التي واكبت حربها في أفغانستان والعراق قد قلصت من تلك الأوراق؟
الولايات المتحدة ورغم أخطائها، لم تفقد شيئا من النفوذ الذي تمتلكه في الشرق الأوسط، لكنها لا تستطيع رغم ذلك أن تحقق أي تقدم في عملية السلام لسبب بسيط، وهو أنها إلي جانب هذا النفوذ لا تريد أن تمارس أي ضغط علي إسرائيل. وكلنا يعرف أن بؤرة الأزمة في الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية التي ما زالت قائمة منذ أكثر من نصف قرن، وأن الدعم غير المشروط لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة، قوض مصداقية سياستها حتي لدي تلك الأنظمة العربية المرتبطة بالدعم الأمريكي. إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تمر بأزمة وواشنطن غير قادرة علي مراجعة سياستها، حتي وإن قامت بمراجعة سياستها بعد غزو العراق، إلا أن تلك المراجعة ما تزال محدودة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
هل سيبقي الدور الأوروبي مهمشا علي صعيد الحلول السياسية في الشرق الأوسط أن تعتقد أن أوروبا تستطيع أن تلعب دورا يتناسب مع ثقلها السياسي والاقتصادي في المستقبل؟
كان يمكن للأوروبيين، إلي جانب الولايات المتحدة أن يضطلعوا في الشرق الأوسط بدور أكثر فاعلية لاسيما تجاه لبنان وسورية، لأن هذا هو المنفذ الوحيد لأوروبا في الشرق الأوسط. ولكن هذه السياسة لم تكن فعالة ومن الصعب أن تكون فعالة. أولا لأن أوروبا ككل لا تملك قدرة الضغط علي إسرائيل وواشنطن في المنطقة وليس لديها مبادرة جديرة بالذكر. ثانيا لأن أوروبا مكونة من دول غير متفاهمة وغير موحدة فيما يخص سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، وخصوصا تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. لذلك فإن وزن أوروبا في المنطقة ما زال ضعيفا وكل ما تقوم به من مبادرات صغيرة هي مكملة للدور الأمريكي وليست مستقلة عنه.
ماذا ينتظر المنطقة في السنوات القادمة؟
سوف تزداد الأزمة التي تمر بها المنطقة احتداما ولا أعتقد أن هناك مبادرات دولية أو إقليمية ستحصل في العاجل ولا أري أفقا للخروج من الأزمة الراهنة خاصة أن الأمور زادت تعقيدا مع إضافة الملف النووي الإيراني إلي الأزمات المتفشية في المنطقة وأعتقد أن المنطقة تثير بخطي حثيثة نحو مواجهة وذلك بشكل أو بآخر ونحو تفاقم أكبر لأزماتها المتعددة.