رسول جديدٌ اسمه “انترنت”..!
فاضل الخطيب
تصلح لكل شيء، تقدم العون، تعطي معلومات، تسمعنا موسيقى، تنظم نوادي وتجمعات عامة، تفاجئنا وتربكنا وتربطنا مع الآخرين والعالم…. ومن جهة أخرى يطرح السؤال نفسه، يا ترى كم تساعدنا على الحياة؟… – استخدام تعبير التأنيث للانترنت، يعبّر عن عدم إمكانية الاستغناء عنها، كما لا يمكن الاستغناء عن المرأة، ولأن دورها العظيم في حياة البشرية كدور المرأة العظيم في حياة كل شيء على هذا الكوكب -..
هناك من يقول أن حجم المعلومات الهائل وتنوعه يجعلها غير عملية ولا يمكن توجيهها. قديماً كانت مراكز المعلومات أو العلم موجودة في المدن، والأديرة، في المكتبات، والمدارس… وقد قاموا وقتها بتقسيمها بين مختلف فروع العلوم…
لا شك أنه تقوم “النت” بغربلة للمعلومات، ويبدوا أحياناً كما لو أنها تخلق نظاماً يوحي وكأنه ينتج الفوضى، أحياناً تعطينا معلومات ليست ذات نوعية مقبولة مثلاُ – تعابير الحق أو الحرية – ونجد أمامنا فتات وبقايا من المعلومات..
رغم ذلك صار من المستحيل العيش بدونها..
من منّا لم يسمع أو يقرأ كلمات أو حروف”دبليو دبليو دبليو دات أت.. وشيء آخر”؟..
لكنهم – ربما- قلائل الذين سمعوا عن انطلاقتها وتاريخها. ورغم أنها ولدت في أمريكا، لكن طفولتها لا تنفصل عن قمر سبوتنيك السوفييتي!..
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة قصيرة، وخلال سنوات الحرب الباردة طلب، وزير التعليم والأبحاث الأمريكي من مجموعة علماء وباحثين، أن يقوموا بتطوير نظام شبكي للمعلومات. وكان الدافع المباشر والملّح هو إطلاق السوفييت للقمر الصناعي الأول سبوتنيك عام 1957، وبهذا سبق الاتحاد السوفييتي أمريكا في غزو الفضاء، وهذا يعني أن السوفييت كانوا متقدمين خطوة في مجال “الحرب الفضائية”..
وفوراً بدأ البنتاغون يبحث عن الفرص التي تساعد توصيل المعلومات بشكل سريع جداً إذا ما صادف حدوث قصف ذري من جانب السوفييت. وقد قام بحل هذه المشكلة معهد “راند” وعلى يد “بول باران”، وتطورت الأبحاث لتأخذ واقعاً تطبيقياً في “اربا” وهي مؤسسة لمجموعة أبحاث مشاريع معلوماتية، ربطت تلك النتائج العملية ووحدتها في شبكة كومبيوترات، وتطورت بعدها ببطئ حتى أخذت شكل الـ “انترنت” الحالي..
وفي أوروبا أيضاً استمرت الأبحاث وبشكل موازي لمثيلاتها في أمريكا ومنذ الستينيات من القرن الماضي، وفي عام 1969 قررت دول المجموعة الأوربية أو الاتحاد الأوربي آنذاك بضرورة تطوير النظام ليربط كل جامعاتها ومعاهدها في بلدانها الـ 19 وحددوا سنة 1973 كحدٍ أقصى لإنجاز هذا المشروع..
ورأى هذا الاختراع النور، في مرصد للفيزياء النووية تابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث بجنيف. وكان المهندس البريطاني تيم برناردز لي – صاحب هذا الاختراع – يعمل على استنباط تكنولوجيا لتسهيل التواصل بين العلماء. ولم يكن يعلم أن اختراعه كان بمثابة ثورة في عالم الاتصال.
في تسعينيات القرن الماضي صار واضحاً، أن العالم يشهد انطلاق مشروع هو الأول من نوعه في تاريخ البشرية والذي يحتضن العالم كله، وتقديراً لذلك قام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في عام 1997 بتقديم ومنح جوائز رفيعة لعلماء ساهموا في تطوير هذا النظام، وفي عام 2005 قلّد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش علماء ساهموا في تطوير هذا العلم بأرفع جائزة أمريكية، وهو اعتراف رسمي للأهمية العظيمة للانترنت..
وكان قد تمّ قبل عشرين عاماً اختراع لغة (أتش إي أم أل) التي قامت بنقل الإنترنت، من مرحلة الاستخدام المحدود لسنوات طويلة في القوات المسلحة ومن ثم في الجامعات الأميركية، إلى مرحلة الاستخدام المدني على مستوى العالم.
ورغم عظمة الانترنت في العالم إلاّ أنه هناك معارضين أو منتقدين لها، عندهم أيضاً حججهم، وهي أن الانترنت تحمل أخطاراً ومساوئ بلا حدود..
منها مراقبة الحكومات – باستثناء النظام السوري، ما بيعملهاش – للمواقع التي يدخلها مستخدمو الشبكة، بهدف تكوين صورة عن أنشطتهم. إن تلك المراقبة قد تؤدي إلى تكوين ملف مفصل بدرجة كبيرة عن هوية الناس وعاداتهم وتوجهاتهم السياسية، وهو عملٌ غير قانوني، من المهم فعلاً محاربة هذا الشكل من التجسس.
لكنه رغم كل ذلك أصبحت الانترنت هي صورة ومرآة للمجتمع الذي يستخدمها، كما نحن أحياناً لا نرى أنفسنا في المرآة بشكل صحيح، لا يعني ذلك أن الذنب على المرآة..
وعلينا النظر إلى ميزات الانترنت ومحاسنها ومفاتنها، مثلاً ربط ثقافاتٍ وأناسٍ وتعريفهم على بعض.
ويجري تطويرها بشكل مستمر، ونحن مقبلون على تغييرات جديدة ستهز العالم أكثر، منها مثلاً: قراءة جزئيات “البيانات المرتبطة” بالحواسيب وليس مجرد صفحات الإنترنت التي تظهر عليها.
وسيسمح ذلك للمستخدمين بربط البيانات القابلة للقراءة ببيانات أخرى مشابهة والتحكم فيها مثل وضعها على لوحات أو رسومات بيانية. أي تحليلها واستخلاص النتائج آلياً.
و سيكون مستقبل الإنترنت مرتبط بالهواتف المحمولة، والأمر المثير أنه سيصبح الوسيلة الوحيدة التي تتيح بالفعل هذه الخدمة لكثير من الناس في الدول النامية.
وقد يكون هذا كافٍ لتقدير دورها العظيم، كما قال وعلّمنا “هيراكليتس” الكلاب تنبح فقط على الذين لا تعرفهم..
وعودة أخيرة للآراء حول بركات أو “ذنوب” الانترنت، لا شك أن حسناتها لا تقدر مقارنة بسلبياتها، ورغم ذلك لابدّ من القول أنه ينقص الانترنت بوصلة واضحة، فملايين المعلومات البسيطة “الجزئية” تشعرنا بإحساس ضياع شيء ما، ضياعٌ منيّ أنا، إضافة إلى الفوضى التي تشعرنا فيه… كل هذا وما شابه يكون “عائقاً” للتفكير العميق خلف الأشياء وإعادة تقييمها من جديد، والتفكير فيها من جديد…
أحياناً يشعر المرء أن على الانترنت أن “تسكّر بوزها شوية”.. ورغم أنها ثرثارة، أنا أحبها وربما أظل أحبها ولن يخمد حبي لها…
إنها “رسولة” جديدة تباركنا، ورغم معجزاتها لكنها بالتأكيد ليست خاتمة المرسلين..
31 / 5 / 2009
خاص – صفحات سورية –