صفحات سورية

سورية تغير سلوكها بعكازة غربية

null
سعيد لحدو
الحج إلى أبواب دمشق
من اللافت لنظر المراقبين هذه الأيام هذا التزاحم الديبلوماسي الغربي على أبواب دمشق، مع التلويح بإمكانية توقيع إتفاقية الشراكة الأورو- متوسطية بين الاتحاد الأوربي وسورية. فأول أمس استقبل الرئيس بشار الأسد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ومن المتوقع أن يقوم وزير الخارجية الألماني شتاينماير اليوم الثلاثاء بزيارة مماثلة.وقبلهما قام نظيرهما الهولندي ماكسيم فيرهاخن بالمقصد ذاته. وقبل كل هؤلاء فتحت واشنطن باب العلاقة مع سورية بإرسال مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط السيد جورج ميتشل ليمهد لإعادة السفير الأمريكي إلى دمشق بعد أربع سنوات من القطيعة. هذا إضافة للتوقعات القاضية بقرب لقاء باراك أوباما بالأسد وسط رغبة غربية واضحة لمنح سورية دوراً ما في الشرق الأوسط وإنعاش عملية السلام المتعثرة، مقابل تغيير سلوكها غير المرغوب فيه بنظر الغرب والمتمثل بوقوفها مع إيران على خط التطرف والتعنت الداعم لتنظيمات وحركات متطرفة فلسطينية وإسلامية ويسارية وغيرها الرافضة للسياسات الغربية في الشرق الأوسط.
إيران المضطربة
تتزامن هذه الزيارات المتتابعة إلى دمشق مع الاضطرابات الحاصلة في الداخل الإيراني إثر نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تشكك فيها المعارضة الإصلاحيةالمدعومة بمساندة صريحة من رئيسي جمهورية سابقين هما رفسنجاني وخاتمي إضافة إلى اثنين من أقوى المرشحين للرئاسة الإيرانية وهما موسوي وكروبي. وخلفهم يقف عدد من رجال الدين البارزين وفي مقدمتهم منتظري الذي أصدر فتوى بتحريم التعامل مع حكومة أحمدي نجاد باعتبارها غير شرعية. وهي ربما الفرصة التي كانت تنتظرها السياسة السورية لفك ارتباط تقادم ولم يعد مفيداً في نظر الكثيرين، وبخاصة بعد المصالحة العربية العربية التي صاحبت القمة العربية في الكويت في كانون الثاني الماضي.
عكازة غربية لسورية
في هذا الظرف تأتي العكازة الغربية لسورية تماماً في وقتها ليستند عليها الرئيس الأسد في عبوره المفترض إلى الطرف الآخر من العالم بعد عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية ولائحة غير نظيفة في سجل حقوق الإنسان وقمع المعارضة الوطنية، إضافة إلى الشأن اللبناني وقضية اغتيال الحريري ومضاعفاتها. حيث الهدوء بات مسيطراً على كل الجبهات الساخنة التي كان للسياسة السورية أصابع محركة فيها، من لبنان إلى العراق إلى فلسطين، وإن كان هذا الهدوء مشوباً بالحذر المرهون بالتطورات اللاحقة ومدى مايمكن أن يعلق من جزر على العصى الغربية الممدودة للنظام في سورية في محطات محادثات السلام الجارية على السكة التركية بموافقة ودعم غربي غير معلن لضمان النتائج.
التغيير وذريعة الشأن الداخلي
لعله من المفارقات المثيرة للدهشة هذه الحساسية المفرطة للنظام في سورية تجاه أي كلام من الخارج عن الوضع الداخلي وضرورة منح مساحة كافية لحرية الرأي والمعارضة. في الوقت ذاته يسعى النظام السوري بكل مناسبة لاستلطاف الغرب ومحاولة إرضائه للحصول على مكتسبات محددة وبخاصة في المجال الاقتصادي. وتزداد الدهشة إذا علمنا أن الكثير مما كانت تطالب به المعارضة وزج ببعض رموزها في السجن بسبب تلك المطالبات، يجري اليوم تجسيده من قبل الحكومة السورية على أرض الواقع. ومع ذلك يتهم الرئيس السوري بشار الأسد في آخر مقابلة له على قناة الجزيرة، المعارضة السورية بأنها مرتهنة للخارج وأنه لا يوجد في السجون السورية معتقل واحد بسبب معارضته الحكومة بل هم ممن خالفوا نصوصاً صريحة في القانون!!! هذا القانون الذي فصله حزب البعث على مقاسه ونصب بموجبه نفسه قائداً للدولة والمجتمع. ومن هذا المنطلق ووفق تصريح الرئيس الأسد فإن كل من ليس منتمياً لحزب البعث ومحابياً لسياساته، أياً كانت تلك السياسات، فهو غير وطني ويجب أن يعتقل بتهمة مخالفة القانون. هذا هو المنطق الذي تعتمده السلطة كلما أحرجت في موضوع معتقلي الرأي من المعارضين الوطنيين الذين لم يكونوا يوماً موضع شك في نزاهتهم ووطنيتهم. في حين أن من يحاكمونهم ليسوا بأي حال فوق الشبهات.
فهل ما نراه يجري هذه الأيام على الساحة السورية هو تنازل غربي عن قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل سياسة سورية معينة تجاه الغرب؟ أم أن ما تخفيه هذه السياسة هو أهم مما تبديه تفادياً للإحراج الذي تحرص القيادة السورية دائماً على ألا يكون بادياً للعيان، كي لا يقال بأنها تنازلت عن المبادئ الوطنية والقومية الثابتة التي ما فتئت ترددها منذ انقلاب حزب البعث عام 1963 وما زالت؟ وفي كل مرة نراها في واقع الحال تبتعد أكثر عما كانت تطرحه.
سؤال سيتكفل المستقبل القريب بالإجابة عليه.

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى