الشخصية الحقيقية لمشروع قانون الأحوال الشخصية
أسماء كفتارو
فوجئت كما فوجئ الكثيرون بصدور مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الذي أنجزته كما علمنا فيما بعد لجنة مشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم \2437\بتاريخ:7\6\2007 وقد عملت بسرية وصمت خلال فترة عامين، مع أن هذا القانون يمس مصلحة كل مواطن ومواطنة في سوريا، ولم يكن من الواقعي أبداً أن يتم إنجازه في الظلام وفي غياب تام للمرأة سواء لجهة الشكل حيث لم يكن في اللجنة المكلفة أي امرأة وكذلك لجهة المضمون حيث كانت قضايا المرأة هي الخاسر والمتضرر الأكبر في نصوص مسودة القانون.
وكان المنطق يقتضي أن تستأنس اللجنة المكلفة برأي الشارع وما كان قد سبق لكثير من الهيئات الحكومية (الهيئة السورية لشؤون الأسرة) والغير حكومية (مجتمع أهلي) والشعبية (الإتحاد النسائي) من تجارب كثيرة قد سبق لهم فيها في هذا الإطار وما قد أنجزوه فعلاً لتطرير قانون الأحوال الشخصية برؤى تنويرية تتناسب وحاجات العصر والمجتمع قبل إصدار مسودة قانون بتوقيع رئيس وزراء.
ومع أنني أرفض اعتماد القانون المذكور أصلاً للحوار كونه بني على أساس من تجاهل الروح القانونية وتجاهل المرأة السورية العاملة (نائب رئيس الجمهورية، المستشارة في شؤون القصر والأمور الفكرية، الوزيرات، وعضوات مجلس الشعب، والناشطات في حقوق المرأة) والتأكيد على ظلمها واستنكارها كانسان كامل الأهلية وتغييب الروح التجديدية التنويرية في الفقه الإسلامي والمنهج الوسطي للإسلام والاعتماد على الفكر التقليدي التعصبي الذي يحاول أن يبعد المرأة عن مجالات الحياة العامة وقد فتحت لهم نافذة مشروعة من خلال رئاسة الوزراء ليحكموا فيها على النساء والمجتمع بما تهوى أنفسهم بقوانين مشروعة من الدولة ، ولكن أذكر على سبيل الاستطراد النقاط التالية:
1- إن إقحام اللجنة نفسها نائباً عن الطوائف المسيحية والدرزية والموسوية في البلد مع غياب أي أحد من أفراد هذه الطوائف عن مسودة القانون يعتبر خللاً فاضحاً، وهو تجاهل مؤسف لعدة قوانين صدرت في الماضي وصادق عليها مجلس الشعب وصدرت فيها مراسيم جمهورية تقر ما ارتضته الطوائف الدينية لنفسها وما عبرت عنه مرجعياتها الدينية المختلفة.
2- المادة 44 أعادت مسودة القانون سن الزواج إلى ما دون السابعة عشرة للنساء والثامنة عشرة للرجال وهو ما كان محسوماً بالقانون السابق، وذلك حين منح القاضي سلطة تقديرية يمكنه أن يأذن بموجبها بإجراء عقد الزواج للأطفال إذا طلب الأطفال الزواج وقدر القاضي أنهما قادران على الزواج جسدياً فيطلب من الأب أن يأذن لهما بالزواج وهذا يتنافى مع منطق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا ويتنافى مع واقع الحياة وما ثبت علمياً وطبياً واجتماعيا من عدم قدرة الأطفال على بناء حياة أسرية جيدة وتحمل الأعباء التي ستوكل أليهم.
3- إعادة ترسيخ تعدد الزوجات دون وضع ضوابط حقيقية ترفع عن المرأة الظلم، وذلك عن طريق ذكر الشرطين التقليديين النفقة والعدل مع العلم بأن هذه الشروط لم تتمكن على الإطلاق من رفع الظلم عن المرأة المتزوج عليها.، وقد عجز القانون أن يجعل التعدد وضعاً استثنائياً بل عمد إلى اعتباره حقاً مطلقاً للزوج لا علاقة للمرأة فيه.
4- المادة 41 نصت على قبول الاشتراط في عقد الزواج وهو أمر جيد ونصت على حق المرأة في رفض تزوج الزوج عليها ولكنها لم تلزمه بالوفاء واكتفت بمنح المرأة حق المطالبة بفسخ النكاح حيث يقع عليها عبء الإثبات وهو ما سيشكل أعباء إضافية على المرأة وتتناقض مع الأصل الشرعي المشهور في وجوب الوفاء بالعقود واحترام الوعد والعهد إن العهد كان مسئولا.
5- المادة 143 التي أعادت إلى الأذهان عصر الحريم ومنعت الزوجة من الخروج من الدار إلى بإذن زوجها واعتبرتها ناشزاً تسقط عنها النفقة إذا خرجت من دار الزوجية بدون علم الزوج.
6- المادة 145 تفسير النشوز على أنه ترك دار الزوجية بلا مسوغ ولم تذكر شيئاً عن نشوز الرجال الذي نص عليه القرآن الكريم صراحة في الآية من سورة النساء.
7- المادة 140 نصت على ربط تعلم الزوجة ومتابعة تحصيلها العلمي بتقدير الزوج لالتزاماتها الزوجية، وفي حالات متعددة فإن التعليم الإلزامي إلى الثانوي سيكون مرهوناً بمزاج الزوج وهو يتعارض مع التوجه الوطني للتعليم الإلزامي كما يتعارض مع حقوق الطفل واشتراط الزوجة إكمال تعليمها.
8- المواد من 230 إلى 234 التفريق لاختلاف الدين، عمدت اللجنة إلى اختيار أشد الآراء تزمتاً في الفقه الإسلامي، في قضايا الردة التي اعتبرتها مجرد تغير الدين، مع أن فقهاء إسلاميين كبار ربطوا أمر الردة بالحرابة والموقف الوطني، فلا يعتبر مرتداً إلا من ارتبط بأعداء أمته ومارس ضد بلده الحرابة والعدوان، وهذا أمر بعيد جداً عن الأحوال التي تذكرها المواد الفقهية المذكورة والتي تعتبر المرأة والرجل الذي يتحول من دين إلى دين مرتداً وهو اتهام شديد القسوة. ومعلوم أن الفقه الإسلامي يحكم بقتل المرتد، وإذا اعتبرنا أن المرتد هو من ينحرف اعتقاداً دون أن يمارس عملاً عدوانياً ضد الأمة فهذا أبعد ما يكون عن المنطق والواقع.
9- المادة 293 والمادة 294 نصت على تقييد حق الأم غير المسلمة بتربية أطفالها ومنعها من تربيتهم بعد بلوغهم أربع سنوات إذا خشي عليه أن يتعلق بدين غير الإسلام، وهذا كلام طائفي غير مقبول بالمرة كما أنه مطاط وغير منضبط ومعناه حكماً منع الأم المسيحية من تربية أولادها وحضانتهم بعد بلوغهم سن الرابعة، وسيكون عليها لو أرادت أن تحضنهم بعد سن الرابعة أن تعلن براءتها من دينها، أو أن تتعهد ببيان فساد دينها لأبنائها ولأن تنشئهم على دين الأب، وهو ما يشكل مصادمة قاسية وخطيرة لحقوق الإنسان وما نص عليه الدستور السوري: حق التدين محفوظ للمواطنين جميعاً.
10- في الباب الثاني المادة 278 نصت على إقحام الدين وحصر العمل الخيري و الإنساني في مضمار واحد وهو طائفي ونكون قد خرجنا عن المواطنة التي هي أصل في الدستور السوري وليس في هذه المادة فحسب.
أعود وأقول أن هذا القانون غير قابل للحوار ولا النقاش فهو ليس سوى مسودة مرفوضة بالمطلق.
*- ورقة قدمت في اجتماع تنسيقي عقدته المنظمات المنضوية تحت اسم “تجمع سوريات”، والذي نجم عنه إعداد وتوجيه المذكرات الأربعة بخصوص مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، ووقعت عليها جهات أخرى من خارج التجمع مثل “مرصد نساء سورية”..
نساء سورية
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc