قانون الاحوال الشخصية الجديد

مشروع قانون للأسرة يُعيد سوريا إلى العصور الوسطى

سعيد ناشيد
بعد أن قرّرت الجمهورية السورية تغيير قانون الأحوال الشخصية، أسوة بما فعلته دول عربية أخرى، وتحقيقاً لمطلب أساسي من مطالب المواثيق الدّولية لحقوق الإنسان، تشكلت لجنة مكلّفة بوضع مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، وذلك بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء السوري بتاريخ 7/6/2007، ورقم /2437/، وبعد ما يقارب العامين من العمل ضمن دائرة مغلقة، وبعد طول ترقب وانتظار، انتهت اللجنة إلى إخراج المشروع، يوم 5/4/2009. فكيف جاء هذا المشروع؟
كنا ننتظر أن يأتي مشروع قانون الأسرة السوري الجديد، ليمنح نفساً جديداً إلى سيرورة الحداثة العربية المتباطئة، وليدعم مساراً صعباَ من إصلاح قوانين الأسرة في العالمين العربي والإسلامي، لكن على غير طريق الإصلاح الشاق، الذي تشقه دول عربية وإسلامية أخرى، فقد جاء القانون السوري الجديد، متداعياً مع رياح الفورة الدينية المحافظة، والتي تهدد باجتثاث كافة ممكنات الحداثة في الشرق الأوسط، ومنسجماً مع مظاهر الحداثة المغدورة في العراق عقب الاحتلال، حيث ألغي قانون الأسرة لعام 1959، وهو القانون الذي كان يعدّ بحق، من بين أرقى قوانين الأسرة في العالم العربي، ومتماشياً مع السياق التراجعي الذي دشنه اليمين الديني الحاكم في إسرائيل، في غفلة من سادة الحداثة وسدنتها، وتحت طائلة أنّ شريعة موسى تعلو ولا يُعلى عليها.
إنّ مشروعاً لقانون الأسرة، يقول في مادّته الثالثة عشر، بأنّه “عند اختلاف طائفة الزّوجين تكون المحكمة الرّوحية المختصة بالنزاع المتعلق بالحقوق المبينة في المادّة السابقة هي محكمة الطائفة التي ينتمي إليها الزّوج”، هو قانون خارج عن القانون الدّولي ومناقض للدّستور السوري، فضلاً عن أنّه يمثل نوعاً من التحريض على النزعات الطائفية والذكورية على حد سواء.
وإنّ قانوناً للأسرة يقول في البند الثالث من المادّة الثامنة والثلاثين، بأنّه “تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزّوجة كتابية، حين الضرورة ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية”، يكرس العودة إلى الفقه التقليدي في أكثر مظاهره تخلفاً، ويمثل إجهازاً على قيم المواطنة.
وإنّ قانوناً للأسرة يمنح للأطفال حق الزّواج، حين يقول في البند الأوّل من المادّة الخامسة والأربعين، بأنه “إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما”، لهو قانون يخرق الحقوق الكونية للطفل، ويعلي من شأن الأعراف القبلية والعشائرية الأكثر تخلفاً عن ركب الحضارة وعن المواثيق الدّولية.
وإنّ قانوناً للأسرة يصدر في سوريا القرن الواحد والعشرين، ليمنع “زواج المسلمة بغير المسلم” (البند الأول من المادة الثالثة والستين)، وليحرم “المرتد عن الإسلام أو المرتدّة” من الزواج، حتى “ولو كان الطرف الآخر غير مسلم” (البند الثالث من المادة الثالثة والستين)، من شأنه أن يحرم سوريا من أي امتياز قد تبتغيه لنفسها، ضمن محيط إقليمي غارق في أوحال أنظمة الحكم الديني، من إسرائيل إلى إيران، وغيرهما.
إن سوريا التي نحترم مواقفها ونجلّ ذكاءها في الصراع الاستراتيجي،  لن تكون في حجم التحديات الإقليمية والدّولية، بمثل هذه القوانين القروسطية، والتي لن تقود في آخر المطاف، سوى إلى تأجيج النّعرات الطائفية وتهييج النزعات الأصولية، وستمثل سنداً وعماداً للمحرضين على ردّة المجتمع وتراجعه عن قيم الحداثة والمواطنة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفقد الدّولة في آخر المطاف، مشروعيتها من حيث هي حاملة للمشروع الحداثي والرهان التحديثي، أو هكذا يجب أن تكون.
المجتمع المدني السوري يرفض المشروع:
في إطار محاولة استفسار بعض المثقفين والناشطين السوريين، كان لنا اتصال بالكاتب والناشط السوري عمار ديوب، حيث سألناه عن خلفيات مثل هذا المشروع الجديد، وحول ما إذا كان مشروع إصلاح قانون الأسرة قد أملته قواعد إقليمية ودوليّة غايتها تكريس الطائفية في البُنيان الاجتماعي والثقافي للمنطقة، فكان تعقيبه على النّحو التالي:
“السوريون راغبون كثيراً في تغيير قانون الأحوال الشخصية من أجل قانون علماني يساوي بين الرّجل والمرأة، ولا يتعامل مع المرأة باعتبارها جهازا لاستعمال الرجل: إما من أجل الوطء والنكاح أو الرضاعة والإنجاب أو تقديم الخدمات المنزلية ونحو ذلك، وبالتالي فقد كان على الحكومة أن تمنح حقّ إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية لشخصيات علمانية تنظر إلى سوريا باعتبارها دولة لكل السوريين، وليست دولة للطوائف. ما تحقق هو العكس، إذ تمّ إنجاز المشروع كما هو معلن من خلال رجال أو فقهاء قادمين مباشرة من العصور الوسطى، ويبدو أنهم لا يفهمون من العصر الحديث وحداثته سوى حرب صليبية ضد إسلامهم؛ وما داموا منقطعين عن مفاهيم المواطنة والمساواة، فإنّ ما جاء في مشروعهم هو بالضبط ما يعبر عن نمط تفكيرهم وسلوكهم وعلاقاتهم، وهو ما يكرس دونية المرأة وتفتيت المجتمع إلى طوائف وهيمنة طوائف على أخرى. وبالتالي يؤدي هذا المشروع إلى تعميق الفوارق الأهلية الدينية بدلاً من نسج صلات حداثية علمانية تتجه بدورها نحو بناء دولة قانون ومواطنة ومساواة فعلية.

مجدداً سوريا لا تحتاج إلى ردّة أصولية على مستوى الأحوال الشخصية، حيث يكفيها التراجع الحاصل بين الطوائف، حيث التخندق الطائفي وصل إلى حدود تكفير الآخر وشرعنة قتله أو تجاهله وكأنه قادم من مجتمع آخر أو أجنبي أو طارئ على سوريا. هذه العقلية المتخلفة، يجب جبّها ودفنها مرّة وإلى الأبد، والسير حثيثاً نحو دولة تشرعن قوانين لكل المواطنين، وبالتالي مشروع القانون الجديد، هو مشروع انتكاسة جديدة ضدّ قيم المواطنة والمساواة.
مشروع القانون، يؤدي آلياً إلى تصدع وتفكك الوحدة الوطنية، وهو ما تصبو إليه قوى الهيمنة على المنطقة، تلك القوى التي تشجع الفكر ما قبل الحداثي، نظراً لما تعانيه هي نفسها من تراجعات في مستوى العلمانية والحقوق العامة لكافة المواطنين.
لكل ذلك، فإنّ سوريا تحتاج لقانون جديد بالفعل، ويجب أن يكون قانوناً يساوي بين البشر بغض النظر عن الطائفة”الأكبر أو الأصغر” وعن الجنس، وعن المذهب، وعن كل ما يعيق بناء مواطنة كاملة لكل الأفراد”.
إذا كان المشروع الجديد لقانون الأسرة، قد أغضب قوى الحداثة والتقدم داخل المجتمع المدني السوري، إلاّ أنّه وفي المقابل، لم يرض التيارات الأصولية المحافظة، والتي عوّدتنا بعد كلّ انتكاسة جديدة أن تطالب بالمزيد من الانتكاس.
وفي مواجهة هذا الجدل الظلامي النّازل والتنازلي، أصدر مرصد نساء سورية بياناً مؤرخاً بتاريخ 27/05/2009، وقعه الأستاذ بسّام القاضي بصفته مدير المرصد، ويحمل عنوان: مثلما قلنا لا لمشروع قانون طائفي نؤكد لا لردود طائفية.
انتقد البيان، بلغة صارمة وصريحة، كلاّ من قرار المشروع وبعض الرّدود والانتقادات التي لقيها من طرف قوى أرادت أن تزايد على الوعي المتأخر لدى واضعي المشروع أنفسهم، بوعي أشد تخلفاً، وذلك على طريقة قول الشاعر العربي: “ألا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلين”، وهو ما يؤكد لنا في الأخير، وجهة نظر ندافع عنها لماماً، وهي أنّ تبني الدّولة لاختيارات أصولية أملاً في سحب البساط من تحت أقدام الأصوليين والمتطرفين لن يزيد الأصوليين إلاّ تطرفاً واستقواء، فالجدل الظلامي جدل نازل لكنه من دون قعر.
إلى من يهمه الأمر:
إنّ سورية التي نحتاج إليها حصناً منيعاً ضدّ خارطة الشرق الأوسط التي رسمها الأصوليون المتطرفون في واشنطن وتل أبيب، مدعوّة إلى إعادة النظر في هذا المشروع النّكوصي والانتكاسي، والذي حالما إقراره، ستكون له انعكاسات ارتدادية على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهي المنطقة التي تحتاج إلى سورية قوية بأصدقائها، قوية بأعدائها أيضاً، ولكنها أكثر قوّة من أصدقائها ومن أعدائها حين تمتطي رهان الحداثة الممانعة والممانعة الحداثية وسط محيط غارق في أوحال النزاع الطائفي والتطرف الديني، أو هكذا كنا نأمل من سورية أن تكون وما نزال.
إن سورية إن لم تعد النّظر في مثل هذا المشروع النكوصي،  فذلك يعني فيما يعنيه، أنّ آليات الدولة الآن، ستكون قد خسرت آخر مبرراتها، بعد أن أخلفت الموعد مع أغلى وعودها، وتلك هي الخسارة التي ينتظرها آخرون.
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى