قانون الاحوال الشخصية الجديد

حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد

لينا ديوب
ازداد العمل في السنوات الأخيرة على تعديل القوانين والتشريعات التي تساعد على النهوض في مجتمعنا السوري، وأخذت القوانين الخاصة بالمرأة والطفل حيزا كبيرا من النقاش،
وكان الدافع في هذا العمل ادراك المهتمين والمعنيين بأن القانون الحالي لا يلبي متطلبات النهوض بالأسرة وإحقاق العدالة داخلها ولا يحفظ حقوق النساء والأطفال فيها، لذلك كان العمل والسعي إلى تعديله، ليكون مساعدا على النهوض بمجتمعنا.‏
ومن هنا فإن تعديل قانون الأحوال الشخصية يجب أن ينسجم ليس فقط مع مستوى النقاشات والمطالبات التي دارت خلال السنوات الماضية فقط، بل يجب أن يكون عاملا من عوامل تطور هذا المجتمع، خاصة وأنه يتناول الأسرة وهي «الخلية الأولى في المجتمع» كما يسميها دستورنا في الجمهورية العربية السورية، وبدأنا فعلا نرى بدايات تدعو الى التفاؤل مع تعديل قانون الارث، وقانون الحضانة، ونشرنا على هذه الصفحة الكثير الكثير من النقاشات حول رفع التحفظات عن اتفاقية رفع جميع أشكال العنف ضد المرأة، وشارك في تلك النقاشات جميع الوزارات في الحكومة وهيئة تخطيط الدولة وأعضاء مجلس الشعب، ورافق ذلك كله العديد من الملتقيات الوطنية والمؤتمرات التي تطالب بتعديل القوانين المعيقة لنهوض الأسرة، وكان آخرها مؤتمر المرأة والقانون، وقبلة مناقشة احداث صندوق النفقة والتكافل الاجتماعي.‏
لكن ما حدث ليس تنفيذ توصيات تلك المؤتمرات التي أجمع عليها رجال القانون والدين والتربية، التي اختارتهم الحكومة كشريك في تلك النقاشات والتعديلات، وليس قانون أسرة يتلاءم مع ما تحياه بلدنا من سعي نحو التطور، وانما مشروع قانون أحوال شخصية يجعلنا نترحم على القانون القديم، ولأنه لم يزل مشروع فالفرصة أمامنا لمناقشته، فهو يكرس تبعية المرأة للرجل ويستخدم مفردات تؤكد انها جزء من ملكيته، ويقوم على التمييز على أساس الجنس، وهذا يشكل مخالفة واضحة للدستور السوري حيث ينص الدستور في المادة 25الفقرة 3 على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.كما يتعارض مع ما نصت عليه المادة من الدستور والمادة 25/3 والمادة 45 منه أيضاً التي تنص أن تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع. بينما هذا المشروع يشترط لعمل المرأة موافقة الزوج.‏
واذا كانت الحكومة السورية تعمل على تأسيس أسرة متماسكة تقوم على الشراكة بين الأم والأب لاعداد جيل جديد له دوره في بناء المجتمع، وعقد الزواج يجب أن يشترط عقد الأهلية بالدرجة الأولى لما لهذا العقد من أهمية في تأسيس أسرة وبناء حياة. لكن ماجاء هو التركيز على شرطيّ البلوغ والعقل فقط دون الأهلية وهذا يجيز زواج القصّر الأمر الذي يحد من متابعة الفتاة دراستها ويحد بالتالي من قدرتها على ممارسة دورها في حياة البلاد الاجتماعيـــــــــة والاقتصادية والثقافية. وهــــــــــذا أيضا يعيدنا الى روح المادة 45 من الدستور.‏
ولايقف الأمر هنا لأن المشروع مليء بالمواد التي تكرس مفاهيم وأوضاع أنفقت الحكومة الكثير على تغييرها للنهوض بواقع المرأة والأسرة .‏
ان مشروع القانون الجديد وزعته الحكومة على الوزارات والجهات المختصة لمراجعته، لذا لابد من تذكر أن دستورنا يجعلنا جميعا رجالا ونساء متساوين أمام القانون، ولأننا نساء سورية كان ولم يزل دورنا حاضر في بناء مجتمعنا، ولأن رهانات التنمية في بلدنا تقوم على اطلاق طاقات جميع المواطنين والمواطنات للمشاركة الحرة في كافة مجالات الحياة، يجب اعادة النظر بالمشروع، حتى لانشعر أننا كنساء حبر على ورق، كما يقال أحيانا عن كل ما كتبناه وطالبنا به لتحقيق العدالة الانسانية داخل أسرتنا ومجتمعنا.‏
عن جريدة “الثورة”، (12/6/2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى