قانون الأحوال الشخصية فتوى جديدة لقتل الوطن
هوازن خدّاج
يشهد العالم العربي الكثير من الفتاوى التي صارت الأولى دون منازع إعلانيا لإظهار الدين بصورته السيئة والظلامية. فتوى جديدة لم تصدر في السعودية وليس الأزهر مسؤولا عنها.. وقد تعتبر بحق أخطر الفتاوى المدرجة تحت اسم قانون للأحوال الشخصية فتوى يتم بثها وبعثها دون دراسة أو دراية للزمن والعصر الذي نحن فيه أو للتطور الحاصل في كافة الميادين أو لخصوصية سوريا ووضعها الداخلي والخارجي..
وتأتي خطورة هذا القانون “الفتوى” تقديمه في بلد تم تعريفه على أنه علماني، وأحد أهم شعارات حزب البعث الحاكم فيه هي الدين لله والوطن للجميع.
في الواقع، تفترض معطيات العصر منا حين نسمع عن محاولة البعض تقديم قانون للأحوال الشخصية أن نتأمل خيرا لعل وعسى نكون قد انتهينا من القوانين البائدة التي عايشناها منذ الاحتلال العثماني، وأنه آن الأوان للدخول بطريقة صحيحة إلى مفاعيل القرن الواحد والعشرين، وأن أي قانون سيطرح عليه أن يواكب مبدأ التطوير والتحديث ويكون خطوة جبارة في الانفتاح على المشاكل الداخلية والخارجية… وطبعا نفترض أن يحفظ هذا القانون حقوق المواطنين “المرأة والرجل والطفل” بكافة أطيافهم وتنوعاتهم الدينية والإثنية، ويحترم حقهم الإنساني، خصوصا أن سوريا سبق ووقّعت على قوانين حقوق الطفل وحقوق المرأة..
لكن ما قدمه لنا مشروع قانون الأحوال الشخصية هو عودة لما قبل قانون الأحوال الشخصية في عهد قدري باشا الذي لم يتغير كثيراً إلا مؤخراً.. ليصير بشكل نسبي هذا القانون المنصوص عليه في القرن التاسع عشر أكثر رأفة وحرصا على حقوق المرأة والطفل واحترام حقوق الإنسان ومن بينها الانتماء الديني…
فهو لم يتدخل أو يفرض أي من القوانين الإلغائية للمحاكم الروحية أو لطائفة الدروز.. كما لم يبح المحرمات بالنسبة للمحاكم غير الإسلامية.. ولم يحصل في أي وقت من الأوقات التي عاشتها سوريا أن تدرج لهم تسميات عصبوية كالذمي أو الكتابي أو الأديان “غير السماوية”!! بالنسبة للطوائف والمذاهب..
بينما يجيز مشروع القانون الجديد “الفتوى” في القرن الحادي والعشرين التعامل معهم كدرجة ثانية أو حتى عاشرة من المواطنين دون احترام حق المواطنة أو حق إنهم سكان هذا البلد.. وهذا يعتبر مخالفة للدستور السوري الذي ينص: في المادة (25) فقرة “3” على أن “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق”. وفي المادة (45) من فصل الحريات “تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة جميع القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع”.
مما لا شك فيه إن قانون أحوالنا الشخصية المطبق حاليا والمتوارث من أيام العثمانيين والذي يبدو مقارنة مع أقرانه في بعض الدول العربية -التي تعتمد مرجعية إسلامية مشابهه- غاية في التخلف، ورغم علو الكثير من الأصوات من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية المطبق حاليا وبعض مواده فهو يقوم بتخفيف عقوبات جرائم الشرف، بشكل ملحوظ، تحت ستار حماية المجتمع، وفي الوقت نفسه ينص القانون الحالي من خلال المادة “548” بتشديد العقوبة على المرأة في جرائم الشرف، فالرجل يعتبر مدافعاً عن الشرف، إن قام بقتل زوجته مثلا في جرم الخيانة، ويخفف حكمه إلى بضعة سنوات، ولكنه وفي الحالة نفسها، وعندما تقوم المرأة بقتل زوجها، يحكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة! و”قانون الحضانة” الذي ينص على حرمان المرأة من حق منح جنسيتها لأطفالها وزوجها، وهو ما تقوم بمنحه دول أخرى “تونس مثلا”! كما أنه يحتوي العديد من النصوص المخالفة للدستور إذ يميز بين المرأة والرجل وهذا التمييز يبدو واضحا في “الطلاق التعسفي، تعدد الزوجات، التهاون في جرائم الشرف، شهادة المرأة، قانون الجنسية، قانون الحضانة، الوصاية، الارث…..”. وكانت جمعية المبادرة الاجتماعية النسائية في سوريا قد طالبت سابقا بتعديل بعض المواد المدرجة في القانون الحالي على سبيل المثال (المادة “17” تعطي الزوج حق الزواج من أخريات دون علم الزوجة) وما في ذلك من انتقاص لمكانة المرأة وكذلك فيها مخالفة للآيات القرآنية، فهناك آية قرآنية واضحة حول هذا الشأن “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”، و”ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” سورة النساء. وعن الطلاق التعسفي تقول الآية القرانية الكريمة “طلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” سورة البقرة، وفي سورة الأحزاب “وسرحوهن سراحاً جميلاً”. فما الذي تغير في مشروع القانون الجديد ” الفتوى” لقد أبقى على تعدد الزوجات في المواد 66/67/68 وقيدها بشرط موافقة القاضي وأن يخبر زوجته وهو ما ذكر في/ الفصل السادس / المادة 71 / 72/ 73 كما أنه نص في المادة 41/ 1-إذا قُيد الزواج بشرط ينافي نظامه الشرعي أو مقاصده أو يُلتزم فيه ما هو محظور شرعاً كان الشرط باطلاً والعقد صحيحاً. 4- وإذا اشترطت المرأة في عقد النكاح ما يقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة أو يمس حقوق غيرها كاشتراطها عليه أن لا يتزوج زوجة أخرى، أو أن يطلق ضرتها أو أن تكون العصمة بيدها بشكل مؤقت أو دائم، كان الاشتراط صحيحاً ولكنه ليس بملزم للزوج، فإذا لم يف الزوج به فللزوجة المشترطة طلب فسخ النكاح.
إن هذا ليس حدا من تعدد الزوجات الجاري والمتزايد مع سوء الأحوال الاقتصادية والتزايد السكاني الجامح الذي يدفع الكثير من الفتيات للاحتماء بمؤسسة الزواج هرباً من الفاقة والعوز. لتأتي المادتين 170/172 حول الوصاية من القانون المطبق حاليا (الولاية للأقارب من أب أو غيره)، لقد انتقصت هاتان المادتان في القانون المطبق حاليا من أهلية المرأة وحقها في الوصاية على أبنائها، بعد أن أعطت الأب ومن بعده ذكور العائلة، حق الولاية على أولاده، ولم يعط هذا الحق للأم، وبقي دورها محصوراً في الخدمة فقط، أما في مشروع القانون الجديد “الفتوى” لقد تغيرت أرقام المواد لتندرج في البنود التالية 345 / 354/ 355 لقد أبقى القانون الجديد كما القديم على التعليم إلى نهاية المرحلة الإلزامية هذا لأن التعليم الإلزامي في سوريا أصبح حتى الصف التاسع وهو ما يعادل شهادة محو أمية في القرن الواحد والعشرون.. مع التوسع بالشرح المالي في المواد 348/ 349/350/351/352/ 353/ لأن الوضع المالي صار الأهم حسب رأيهم من الأهلية والحرص على الوصي القاصر، مع إقرار نص جديد حول كيفية الولاية النفسية (المادة356 يشترط في ولي النفس: أن يكون أميناً على نفس القاصر 2-أن يكون متحداً معه في الدين 3-أن لا يكون تحت ولاية غيره على نفسه.) دون ملاحظة أن الأكثر أمانة على نفس القاصر هي أمه حتى لو لم تكن متحدة معه بالدين بفرض أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يسمح بزواج المسلم بغير المسلمة ولا يجيز ذلك للمسلمة.
مما لا شك فيه أن قانون الأحوال الشخصية المطبق في سوريا بحاجة إلى إعادة صياغة وتعديل أو فتح المجال لقانون آخر مدني اختياري يستطيع التعامل مع الحالات القائمة في الزواج المختلط بدل أن يلقي عليها العديد من الشروط التعسفية بإدراجه كزواج باطل والحكم على المتزوجين حكم الزنى وعدم احترام وجود وحقوق الطفل في حالة الزواج المختلط، غير مبال بأننا أبناء وطن واحد ويحق لنا الحب والزواج كما نشاء وبمن نشاء وهذا جزء من الحرية الشخصية وجزء من وجودنا كبشر ولا ينافي بأي شكل هبات الله..إنما يعزّز التقارب بين الطوائف ويحدّ من العادات المعيقة للتطور مثل القتل في جرائم الشرف الذي يعتبر إهانة للبلد الذي يشرّعه قبل أن يكون إهانة للمرأة … والثأر الذي يدل على انعدام الالتزام بقانون الدولة ويبيح انتهاك الإنسان لأي سبب كان… بالإضافة إلى حرمان الأولاد حضانة أمهم بعد سن معين دون الأخذ برأيهم والذي يعتبر زيادة في الاضطهاد للمرأة والطفل.
كم كنا نأمل لو أن سوريا تتبنى قانون الأحوال الشخصية المدني الذي يفترض تجاوز الموروث الذي لا نحتاجه في هذا الزمن وإلغاء بعض المواد المنتهية الصلاحية في قانون الأحوال الشخصية المطبق حاليا، ولم نعتقد أننا سنشهد محاولة وجود مشروع قانون أحوال شخصية يشكل بدعة في الشذوذ عن الواقع والعصر، فقد وقع مشروع القانون هذا في العديد من الإشكالات الجوهرية التي إن سعت لشيء فهو تحويل وقولبة كل الأمور ضمن إطار الدين مما يؤدي لزيادة التعصب الديني بما فيه عدم احترام حق الآخر المختلف دينيا عن دين الأكثرية واضرام النعرات الطائفية والمذهبية على أرض الواقع وتمزيق الوطن أو تحويله إلى محرقة مفتوحة تحت لواء الأديان.. كما أنه يزيد في طياته إحلال جرائم الشرف في واسع أبوابها في الحديث عن الطلاق بسبب الزنى بالنسبة لبعض الطوائف التي تجيز هذا الطلاق بحكم العادات والتقاليد دون الوقوع في الحكم العلني كطائفة الدروز، ويبيح تعدد الزوجات بالنسبة للدين المسيحي ويتدخل بشكل مباشر في تفاصيل المحاكم الروحية كفرض الخطبة الذي يعني إلغاء حالة “الخطيفة” التي صارت مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد حلا للزواج وتطلب الخطبة موافقة الأهل كشرط قائم فيها مما يلغي إمكانية الحب وبهذا تتم إعادة زواج المصالح والأقارب وما شابهه.. يضاف إلى هذا إبعاد المرأة -التي استطاعت ضمن سوريا الوصول إلى أعلى المستويات من القدرة والوعي لتكون قدوة حسنة لأجيال قادمة- عن أي مشروع حضاري تنموي وإلغاء دورها بتعامله معها كسلعة يمكن بيعها وشرائها والتصرف بها دون أي احترام لوجودها ككيان ولها حقوق تنص عليها كل الشرائع البشرية.. فأيهما أرحم شرائع البشر القابلة للتطور وحفظ الحقوق، أم شريعة دين يتم تحويله أداة لاستباحة حق الآخر؟!
تأتي خطورة هذا القانون ليس بقبوله أو عدم قبوله، إنما بوجود مشرّعين من هذا النوع الذي لم يتعايش مع العصر، فارضين الرجعة إلى ما قبل الجاهلية، مع احترامي للجاهلية بالنسبة للكثير من الأمور التي كانت قائمة في تلك الآونة! والطامة الكبرى أن هؤلاء المشرّعين عاجزين عن تقديم أية رؤية وطنية لبلد متنوع مثل سوريا التي لديها أربعة عشر طائفة تعيش على أرضها..
لقد سمعنا في القانون الذي لا يتجاوز كونه “فتوى” (تضع العصي في دولاب التحديث والتطوير) أصوات تنادي بقتل الوطن لا يمكن تجاوزها أو السماح بصدور مثلها في المستقبل.
نساء سورية
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc