رواد الجهالة إلى أين؟!.. تساؤلات على مشروع قانون الأحوال الشخصية
سوسن رسلان
حقيقة لا أعرف من أين أبدأ وكيف أبدأ. إذا قلت أنني سأقدم بضع نقاط نقدية لمشروع القانون المقترح للأحوال الشخصية من قبل رئاسة الوزراء، فقد سبقني الكثيرون. ولكن أنا لدي تساؤلات فقط؟ فمنذ عشرين يوما وأنا أقلب بمواد هذا المشروع فما وجدته إلا كالغربال كلما أمسكت بمادة من مواده سقطت.
فهو لا ينتمي لنا ولا لمجتمعنا ولا للقرن الواحد والعشرين ولا لمكانة سورية بين الأمم. أجل مكانتنا عربيا وعالميا. فا هو الرئيس التركي يعتبر سورية من أهم الدول وعلى العالم أن يحذو حذوها. والرئيس الروسي يصرح بأن سورية أهم دول الشرق الأوسط. والسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد يتصدر المرتبة الأولى بين الرؤساء العرب بإعجاب الشارع العربي والثانية عالميا.
وأنا خجلة أجل نعم أنا خجلة…. خجلة من كوني مسلمة بالشكل الذي قدمني به هذا المشروع منكوحة!! وموطؤة!! خجلة من زوجة ولدي المسيحية ومن أصدقائي الذميين (هل تبقى ذميين في هذا القرن)!!، ومن أحفادي الذين هم نصف إسلام ونصف مسيحيين وكيف سيتعايشون مع أمهم الكتابية.
أتي الآن إلى النقطة الأولى من تساؤلاتي:
أشد ما أستغرب له هو الصد الإعلامي وموقف الصحافة الرسمية التي لم تتعرض لهذا الحدث الجلل لا من قريب ولا من بعيد. فكلنا يعلم أن دستور البلاد هو المرجعية الأولى لجميع المواطنين. وهذا المشروع يتعارض مع العديد من مواد الدستور. ويأتي بعد الدستور مباشرة في الدرجة الثانية قانون الأحوال الشخصية، فهو المسير لأمور البلاد والعباد. ألا نستحق من الإعلام تقديم تعليق أو تنويه أو تساؤل لكيفية تعاطي رئاسة الوزراء مع هذا المشروع العظيم، أم أن دفن الرأس كالنعامة في التراب أسلم؟ ماذا يفعل رؤساء الدوائر الصحفية في الوزارات والدوائر الرسمية؟ ألم يسعفهم حدسهم الصحفي لمعرفة الحدث؟
على كل إليكم ما جاء بالكتاب الذي وجهته رئاسة الوزراء إلى جميع الوزارات والهيئات الحكومية المعنية والمتضمن المشروع المقترح بمواده ال 665 مادة.
“” يرجى ايلاء الاهتمام بدراسته وموافاة السيد وزير العدل بملاحظاتكم الخطية (إن وجدت) وذلك خلال أسبوع””
بالله عليكم أي جهبذ في القانون يستطيع دراسة المشروع (665 مادة) ووضع الملاحظات عليه في أسبوع أقل من يومين، وطبعا لا ننسى أن كتاب الرئاسة سوف يصل لمكتب الوزير وهو سيحوله بدوره إلى الدائرة القانونية وهذا يتطلب جزء كبير من مهلة الأسبوع، فهل يتبقى وقت للدرس ووضع الملاحظات وإرسالها؟ لكن لو رجعنا إلى الكتاب المرسل والتنويه بعبارة (إن وجدت) نستنتج أن المقصود (مشوها) فهذا المشروع كامل متكامل ولا يحتاج لرأيكم.
النقطة الثانية
بعد انتظار دام 56 عاما على سريان القانون النافذ نجد أن معظم مواد القانون المقترح مستقاة نصا من القانون الحالي. لكن لله وللحق فالمواد التي اجتهد على صياغتها المشرعون الجدد تتعارض كليا مع الالتزامات الدولية التي صادقت عليها سورية وهي على سبيل الذكر
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها
اتفاقية منع كل أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)
اتفاقية القضاء على العنف
التعليقات العامة التي صدرت من لجان حقوق الطفل وحقوق المرأة
وغيرها وغيرها
والأهم من ذلك أنه يتعارض مع الخصوصية السورية في التعايش الديني والطائفي…. هذا الفسيفساء الذي شغل العالم بجمال تنسيقه. ولا وجود له إلا في سورية.
النقطة الثالثة
والتي أتمنى أن تنجلي قريبا بموقف حقيقي من الاتحاد النسائي. فهو المعني الأول بقضايا المرأة، وقبل أسبوعين قدمنا نحن (تجمع سوريات) مذكرة تنديد بالمشروع المقترح للاتحاد لما له من مكانة شعبية كمنظمة نسائية حكومية وكونهم يشغلون 11 مقعدا بمجلس الشعب. والأهم أن الاتحاد قام بإعداد مشاريع قوانين مماثلة ومهمة عديدة. وتكلف انجازها الكثير من الجهد والعمل والمال. وهي بحق تعتبر أهم بكثير مما قدمته اللجنة الكريمة والتي سينسف مقترحها كل ما أنجزه الاتحاد. السنا بحاجة لبيان رسمي يعلن الاتحاد فيه موقفه من التمييز والغبن والمكانة الدونية التي ستلحق بالأسرة السورية والمرأة تحديدا؟!
النقطة الرابعة
إن الجهة الرسمية الوحيدة التي ردت على رئاسة الوزراء والتي رفضت المشروع المقترح رفضا قطعيا شكلا وموضوعا هي الهيئة السورية لشؤون الأسرة. وهذا حقها ومن صميم عملها. وكان الأولى أن تكلف هي دون غيرها باقتراح المشروع أو على الأقل أن تكون طرفا وعضوا من أعضاء اللجنة.
وأتساءل هنا لماذا السرعة في البت بمشروع القانون؟! وهل ظهوره في هذه الفترة صدفة… أم لغاية في نفس اللجنة؟! نعم لغاية فليس عبثا ظهوره على السطح الآن بل ظهر للالتفاف والاحتيال وقتل المشاريع المقدمة من قبل الهيئة لرئاسة الوزراء لدراستها مثل مشروع قانون حقوق الطفل الذي دامت الدراسة عليه لأكثر من سنتين، وعمل عليه أهم القانونيين وعلماء الاجتماع وأساتذة وحقوقيين من جامعة دمشق وبمشاركة فريق من مختلف الوزارات المعنية ويعتبر من أهم مشاريع القوانين الوطنية العصرية. وكذا مشروع صندوق النفقة والتكافل الاجتماعي. وأيضا مشروع قانون حول الطفولة المبكرة والذي اعتمد على مشروع قانون حقوق الطفل واعتبره مؤشرا من مؤشراته.
لهذا خرج المارد من القمقم الآن ليضرب كل هذه المشاريع عرض الحائط. لأنه وحسب رأي مجتهديه أعطى حقوقا هامة للطفل ونحن بالتالي لسنا بحاجة لقانون خاص بحقوق الطفل، ولا حاجة كذلك لقانون صندوق النفقة والذي ورد بشأنها فقط ثلاث مواد في مشروعهم ولن تحصل المرأة من خلال صندوقهم على 100 ليرة (وهذا سيشرح في وقت لاحق). أهدروا كل الجهد والمال والعمل الذي ناءت به الهيئة طوال أعوام. فأين التنسيق والتشابك يا سيادة رئيس الوزراء. هل كل وزارة من وزارتك تعمل على حدة؟
ألم تكن الخطة الخمسية العاشرة واضحة وجلية والتي تضمنت استراتيجيات حماية المرأة وإصدار قانون أسرة عصري وأكدت على ضرورة تعديل القوانين والتشريعات بما يتناسب ومكانة سورية والتزاماتها الدولية.
النقطة الخامسة
ما علاقة الأوقاف الخيرية لتكون مدرجة في قانون الأحوال الشخصية. فعلى حد علمي أن الأوقاف الخيرية لها نظامها الخاص منذ وجد الوقف الإسلامي فلماذا إقحامها؟! أو أن هذه بعض الاجتهادات؟! لماذا تعقد أمور الناس ولماذا ربط المواطن بإشكالات وقوانين تابعة لذهنية ومنظومة بعيدة عن مقاصد الإسلام السمحة وعن الحداثة والتقدم والتطور.
النقطة السادسة
يرعبني هذا التساؤل.. وهو مسألة تأكيد المشروع في معظم مواده على المسلم والمسلمة ورفع درجة المسلم ووضعه في المرتبة الرفيعة ووضع الذمي!! والكتابي!! في المرتبة الأدنى.
لا يسعني إلا أن أعتذر للمواطنين المسيحيين والمواطنين من بقية الطوائف عن هذه العقلية والثقافة المتخلفة والتي تريد الرجوع بنا لدار الحرب ودار السلام. حيث كان المسيحي والذمي لا يسمح لهم بدخول الجيش مثلا، لكن مقابل ذلك يدفعون الجزية لأن المسلمين يوفرون له السلام في دار الإسلام. أي سلام هذا وأي إسلام!! بمشروعكم هذا ستشعلون حربا بين المواطنين وستقسمون الوطن وتقضوا على اللحمة الوطنية وتزرعوا الفتن بدءا من الخلية الأولى الأسرة
(كما جاء بالدستور) وامتدادا لكل شبر من أرض الوطن.
في النهاية المرجو من كل الجهات الرسمية التي دعيت أو ستدعى إلى ترميم هذا المشروع ودراسته من جديد أن لا تقع في الفخ وأن تطلع على كل الجهود الأخرى التي كانت نتيجتها مشاريع قوانين مماثلة. نحن أمانة في أعناقكم وهذا المشروع مرفوض.. مرفوض من ألفه إلى ياءه.
سوسن رسلان، ماجستير في حقوق الطفل، عضوة جميعة المبادرة النسائية، (رواد الجهالة إلى أين؟!.. تساؤلات على مشروع قانون الأحوال الشخصية)
نساء سورية
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc