أحمدي نجاد الثاني: عهد التسويات!
محمود حيدر
عاد محمود احمدي نجاد الى الرئاسة في ايران ليمضي مرة أخرى على خط القطار السريع. والذين يقولون هذا الكلام ليسوا بالضرورة ممن يرون الظاهرة “النجادية” بعين النقد السلبي، سواء في داخل ايران او خارجها، بل أن المؤيدين لسلوك وخطاب الرئيس المتجدد وجدوا في عودته ضرورة لا مناص منها. لكأن الولاية الثانية لكل رئيس ايراني قدرٌ تمليه أعراف النظام وتقاليد تداول السلطة.
لكن الصورة الايرانية بعد الانتخابات تمتلئ باسئلة جديدة، واخرى مستأنفة حول الخطوط الاستراتيجية التي يُفترض ان تحكم العلاقة المقبلة بين ايران وبقية العالم.
المناخ السائد في ردود الفعل الدولية على الحصاد الرئاسي الايراني متفاوت في الرؤية والتقدير. وهذا بديهي اذا ما قيست الرؤى والتقديرات بموقعية ايران الجيو – استراتيجية على المستويين الاقليمي والدولي. فالولاية الاولى من رئاسة احمدي نجاد أرست قواعد في السياسات الخارجية باتت تؤلف بمجموعها منظومة راسخة يستحيل الانقلاب عليها بيسر. وهذه واحدة من الحقائق السياسية التي ادركها الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية مع وصول باراك اوباما الى البيت الأبيض. والخبراء المعنيون بالشأن الايراني لم يفارقهم الشك بإمكان حدوث تحول جذري في تلك القواعد حتى لو جاء الى السلطة رئيسٌ معتدلٌ بنظر الغرب كالسيد مير حسين موسوي او الشيخ الاصلاحي مهدي كروبي. فحسب منطق هؤلاء ان المتنافسين على الرئاسة هم على الجملة يمارسون اللعبة السياسية تحت سقف النظام وسلطة الولي الفقيه. وهو ما يجعلهم يلتزمون طوعاً او كرهاً، عبور الممر الاجباري لسياسات الاحتدام مع الغرب الذي رُسِمَت معالِمُه بقوة خلال الولاية الاولى للرئيس احمدي نجاد.
ومن الاوساط الغربية من بلغ به الأمر حد تفضيل رئيس واضح الخطاب والسلوك كالرئيس الحالي على منافس غامض ورمادي كالمرشح الخاسر مير حسين موسوي. ذلك ان احمدي نجاد، بنظر هؤلاء، يعبِّر بدقة وشفافية بالغة عن مواقف القيادة الايرانية العليا، وبهذا المعنى يكون من الاسهل التعامل معه وفقاً لوضوحه السياسي، حتى لو جاء مثل هذا الوضوح في مقام التشدد، او على صهوة الاندفاع الى الخيارات الاستراتيجية الاكثر خطورة.
والذي يبدو مفارقاً في هذا الصدد انه على الرغم من رغبة واشنطن ومعها العواصم الغربية، فضلاً عن عواصم دول الجوار الايراني في تغيير الصورة الرئاسية لإيران، فقد ظلت المواقف تتمحور ضمن حسابات وتقديرات ليس فيها لحكم القيمة اي وزن يذكر.
فالرئيس الاميركي باراك اوباما كان واضحاً من هذا الوجه، حين أبدى رغبته الجدية في فتح ملف الحوار مع طهران من دون ان ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية. ذلك يعني منطقياً ان ادارة اوباما التي سمعت من الرئيس احمدي نجاد كلاماً ايجابياً في شأن الحوار غير المشروط معها، لن تكون في وارد العودة الى مواجهات الحد الاقصى التي اعتمدتها ادارة بوش والمحافظين الجدد.
فلو كان للعقلانية المفترضة التي بشَّر بها اوباما ان تجد سبيلها الى الظهور، فستكون الحالة الايرانية هي مجال الاختبار الفعلي لتلك العقلانية.
هذه الفرضية يدركها الايرانيون جيداً. كما سبق للرئيس احمدي نجاد ان عبَّر عنها في غير مناسبة. وغالب الظن ان صعوده المتجدد الى الرئاسة الاولى في ايران سوف يمنحه القدرة الإضافية على توسيع الحوار المتكافئ والهادئ مع واشنطن. الأمر الذي يكاد يستعصي على الامكان فيما لو جاءت الاصوات الايرانية برئيس مطوَّق بالغموض والتردد والضعف.
بعد الحصاد الرئاسي وعودة احمدي نجاد الى مقامه السياسي المألوف، سوف يستأنف القطار الايراني سرعته المعهودة، ولكن بطبيعة الحال، ليس على غير هدى..
ثمة في الفكر الاستراتيجي الحديث اطروحة تصل الى مرتبة الاعتقاد: هي ان التسويات الكبرى لا يصنعها ولا يجرؤ عليها الا المتشددون… اولئك الذين يجدون في القوة سنداً لما يعتقدونه صواباً استراتيجياً لا شائبة فيه…
واحمدي نجاد هو بنظر اكثر “الغرب العقلاني” على الأرجح، احد هؤلاء…
(رئيس تحرير “مدرات غربية”)