استئناف ثورة الدين على السياسة
سعد محيو
صك التثبيت الذي قدّمه آية الله خامنئي إلى الرئيس أحمدي نجاد قد يكبح نسبياً توجّه مير موسوي نحو التصعيد، لكنه لايعني أن المحافظين حققوا نصرهم النهائي على الاصلاحيين .
فبعد أن تبرد (إذا ما بردت) العاصفة التي خلفتها نتائج الانتخابات، سيعود الطرفان إلى المواقع التي كانا عليها قبل 12 يونيو/ حزيران ليستأنفا إطلاق النار على أرجل بعضهما بعضاً .
وهذا أمر يبدو مؤكداً في ضوء شبه الاجماع الذي بات سائداً في أوساط الشعب الإيراني حول وجود مخالفات فاقعة في عملية الاقتراع، هذا إضافة إلى تفشي الفساد وتعثر الأداء الاقتصادي في الولاية الأولى لأحمدي نجاد . فالنمو الاقتصادي يكاد يكون معدوماً، والبطالة بين الشباب تقترب من رقم فلكي، 30 في المائة وفق إحصاءات غير رسمية، و”السوق السوداء” تكاد تبتلع كل بزرات “السوق البيضاء” .
ومع ذلك، وكما أشرنا بالأمس، فدينامية الداخل والخارج التي تتحكم بتطور الصراع السياسي في إيران، تميل بقوة لصالح الثاني .
فذاكرة الشعب الإيراني تقول له كل يوم إن ما حال دون انتصار ثورته الدستورية الكبرى عام ،1905 ثم ثورته القومية الاستقلالية مع محمد مصدق سنة ،1953 كان التدخل البريطاني ثم البريطاني الأمريكي المشترك . وهو يخشى الآن أن يقع في قبضة السلطة الأجنبية مجدداً، إذا ما نشبت الحرب الأهلية في البلاد .
وهذا العامل الخارجي يلعب الآن تماماً لمصلحة قوى النظام المحافظة، ويكبح عوامل الصراع الداخلي الطبيعي في إيران .
لكن الباحث الفرنسي اوليفييه روا، وهو خبير أيضاً في الشؤون الإيرانية والإسلامية، له وجهة نظر أخرى . فعلى رغم اعترافه بمدى تأثير العوامل الخارجية على الصراعات الداخلية، إلا أنه يرى أن ذلك لن يتمكن في النهاية من وقف ما يسميه “مسيرة الثورة الحتمية للدين على السياسة في إيران” .
وما يقصده روا هنا هو أن احتمال فشل تجربة الحكم الديني، ستسفر في النهاية عن مطالبات بفصل الدين عن السياسة، وإعادة رجال الدين إلى “ثكناتهم الروحية” أي المساجد والحسينيات .
هل وجهة نظر روا في محلها؟ لو أن مثل هذا الرأي طرح في غير الحقبة التاريخية الراهنة، لكان روا مخطئاً تماماً . إذ إن الصراعات الداخلية الإيرانية في السنوات السابقة كانت تجرى في مناخات إقليمية دولية تهدد بتغيير كل خرائط منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إيران التي ذاقت مرات عديدة في تاريخها الحديث الطعم المر لاقتسامها بين الإنجليز والروس والأتراك . وهذا ما جعل اليد العليا آنذاك للعوامل الخارجية الكابحة للصراعات الداخلية الطبيعية .
بيد أن الصورة لا تبدو على هذا النحو الآن، فإيران هذه الأيام في حالة هجوم لا دفاع، بعد أن تمدد نفوذها في المنطقة، وبعد أن طوت أمريكا مشروعها الكبير لتغيير الشرق الأوسط الكبير وباتت مستعدة للإنصات إلى مطالب إيران الأمنية والإقليمية .
وهذا التطور هو ما يجعل المعارضة قادرة على خوض المجابهات الداخلية وعلى نقلها إلى الشارع، من دون كبير خوف من اتهامها بأنها تخدم أو تسهّل بذلك أجندات الخارج . ولو أن إدارة أوباما حذت حذو إدارة بوش في التدخل السافر في الشؤون الداخلية الإيرانية، لما شعرت المعارضة بقيادة موسوي بالقدرة على خوض الصراع الداخلي على هذا النحو مع المحافظين، ولكانت كررت ما فعله الرئيس خاتمي وأنصاره حين انسحبوا بهدوء من المجابهة بعد أن بدا لهم أن ذلك قد يهدد مصير النظام الإسلامي والوطن الإيراني في آن .
المجابهات لا تزال في بداياتها الأولى، وهي مرشحة للتصعيد في إطار “ثورة الدين على السياسة”، ما لم تتدخل العوامل الموضوعية الخارجية مجدداً لوقف اختمارها الذاتي الطبيعي، والكرة الآن في ملعب واشنطن وتل أبيب .