ما وراء أكمة الانتخابات الإيرانية
سعد محيو
من المبكر التكهّن بالمنحى الذي ستسير فيه الأمور في إيران بعد الانتخابات، فالموقف الصارم الذي اتخذه المرشح الاصلاحي مير موسوي حول وجود تزوير وتأكيده بأنه كان المنتصر الحقيقي في أقلام الاقتراع، ستكون له حتماً مضاعفات في الشارع إذا ما أصرّ هو على موقفه .
هذا إضافة إلى أن تحذير موسوي من أن نتائج الانتخابات “تم تدبيرها سلفاً” وأن فريق الرئيس أحمدي نجاد “يهزّون أركان وأسس الجمهورية الإسلامية المقدسة ويجعلون اليد العليا للأكاذيب والديكتاتورية”، يثير تساؤلات حول مآل الديمقراطية الإيرانية، خاصة بعد أن كان العديد من المحللين بدأوا يعربون في الآونة الأخيرة عن قناعتهم بأن هذه الديمقراطية تسير بخطى متسارعة نحو النضج .
وبالتالي، ما جرى في هذه الانتخابات لايوحي بالتفاؤل . وهنا نحن لا نتحدث عن مسألة الصراع بين المحافظين والاصلاحيين، إذ إن كلا هذين المصطلحين مثيران للجدل بسبب طبيعة اللعبة السياسية الإيرانية الداخلية المحكومة بسقوف ولاية الفقيه وقواعدها، بل بشيء آخر: الصدام المحتمل بين أنصار الحوار مع أمريكا والغرب وخصومه .
إذ يقال إن القيادة الدينية الإيرانية منقسمة حيال هذا الأمر . فثمة فريق فيها يرى أن هذا الحوار سيكون من مصلحة إيران بسبب موازين القوى الراهنة في المنطقة، خاصة إذا ما تمكنت طهران من انتزاع الكلمة السحرية من فم الرئيس الأمريكي أوباما: إغلاق ملف تغيير النظام، وفتح ملف الاعتراف بالمصالح الحيوية الإيرانية المتعلقة بأمن هذا النظام وبعض مصالحه الإقليمية .
وفي المقابل يرى فريق ثان أن الولايات المتحدة لم ولن تتخلى عن هدف إسقاط النظام، إن لم يكن بالعنف كما كانت تخطط إدارة بوش، فبالدبلوماسية والإغواء كما تفعل الآن إدارة أوباما . هذا إضافة إلى أن بعض قطاعات هذا الفريق يخشى بالفعل من مضاعفات سلبية لهذا الحوار على التماسك الإيديولوجي للثورة الإيرانية .
بالطبع، لا يقتصر هذا الخلاف على الايديولوجيا والاجتهادات السياسية . فالعديد من رافضي الحوار لهم مصالح اقتصادية ضخمة في جهاز الدولة الإيرانية، وهي قد تتضرر في حال أسفرت المفاوضات عن فتح الاقتصاد الإيراني على الاقتصاد العالمي وعلى قواعده الليبرالية .
وفي الضفة الأخرى، يرى أنصار الحوار فرصاً اقتصادية جمة في هذا الانفتاح، لأن القوى الغربية ربما تعطيهم الأولوية في العقود التي قد تبرمها مع إيران .
أين آية الله خامنئي من كل هذا الذي يجري؟
ثمة اجتهادان: الأول يقول بالفعل أنه حائر بين الفريقين، وهذا ما يفسّر مواقفه الأخيرة المتأرجحة بين اللين والشدة، وبين التهدئة والتصعيد، في العلاقة مع الغرب . والثاني يقول إنه يريد إجراء حوار جاد مع أمريكا، ولكن من موقع القوة . وهذا ما دفعه إلى وضع مواصفات للرئيس تنطبق على نجاد .
هل انتبهنا إلى شيء مهم هنا؟ يفترض ذلك: الانقسام الرئيسي في أوساط النخب الإيرانية يتمحور هذه الأيام ليس حول قضايا داخلية بل حول العلاقة، أو اللاعلاقة، مع الغرب . وهذا يعود في الدرجة الأولى إلى التغييرات التي أدخلتها إدارة أوباما على المقاربة الأمريكية للملف الإيراني، والتي نقلتها من منطق العصا إلى إغراءات الجزرة .
صحيح أن هذا الانقسام لا يفرز معسكراً موالياً للغرب وآخر معادياً له كما الحال بين 8 و14 آذار في لبنان . لكن الصحيح أيضاً أن انتهاء المرحلة البوشية العنيفة وبدء المرحلة الأوبامية، لن يمرا مرور الكرام، بل ستكون لهما حتماً تأثيرات ملموسة على الصراع السياسي الداخلي في إيران . وأزمة الانتخابات الراهنة قد تكون أول غيث هذه المضاعفات .
الخليج