قانون الاحوال الشخصية الجديد

زواج شرعي …أم زنا إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد

ميس نايف الكريدي
كانت تبكي، لدرجة تشتت الأحرف، عينان منفوختان، شفاه راجفة، وأسئلة بلا أجوبة …
قالت له يوم انتهى الأمر وجاء وقت الحساب: ها أنا أحتفل بلقائنا الأول وحيدة .. أنا العاجزة عن الصراخ موتا، أهيم فوق جثث الأحياء الموتى، لأن القدر اختار لنا تلك النهاية.. مازلنا نسلم كل مفاتيح حياتنا للعبة الموت، لأنه الأقدر على الفصل في كل الوقائع، حين ارتكبت خطيئتي الأولى عن عمد، وقررت أن انتمي لشرايينك المتآكلة مرضا..
كنت أحلم فقط بقليل من الوقت.. لم يكن مصيرك المحتوم مفاجئا.. لم تضربك سيارة حديثة مقسطة لمغترب، ولم ينقلب بك البولمان على طريق من طرق السفر لمحافظاتنا البائسة، لم تنتحر قهرا من ظلم الحياة التي جعلتنا دعاة دين أو طلاب فجور..
لم يقتلك أبناء طائفتي لأنك تجاسرت، وأخذت إحدى بناتهم المنتظرات عند أعتاب رجولتهم ..
ماذا سيكون الآن، أي ليل ينتظرني بعد أن خلت منه أنفاسك المتألمة .. ها أنا قرب السرير الذي احتضن جرعاتك التي لم أعد أعرف عددها، وأيها كان نظاميا، أيها قبل وأيها بعد اجتثاث الفساد من مشفى البيروني ..
أنظر إلى المكان الذي عاصر لحظاتنا القريبة، وخوفنا من النهايات، والتحامنا لحظة يستشرس الوحش القاتل فتكا بخلاياك، وآلام السموم تأتي على ما تبقى من جسدك المتهالك أمامي، وألتقط أخيلة النظرات التي كنت ترشقني بها حين تنتابك لحظة حياة، ودعتني في صمت، حزنك علي كان اكبر من كل الخوف، المأساة أني كنت أفهم ..
ها أنا اليوم غريبة الدار، شعري المنكوش تحت الغطاء لم يشفع لي، سواد الثياب، وموت الروح لم يسمح بتقريبي درجة ..الكل يقترب، وأنا الأكثر التصاقا بروحك أتنحى قليلا قليلا، لأضمن لموتك هدوءا يتمم طقوس رحيلك المحترم، وصلت الزاوية، ونشيج الوجدان لا يشفع لي، ربما لم يلعن الحاضرون الكتل التي نهشت جسدك مثلما لعنوا وجودي …..
هذا وقت الحزن، والخوف، الألم،والأهم الحساب، أنا التي خرجت من كل سجون الشوارع، وقبلت أن أسخر من عقم أفكارهم لأنجب منك ..هجرني الجميع، هدروا دمي ..يوم قررت أن أمارس الحرية بكل اتزان، وأذهب معك إلى باب المحكمة لأعلن أننا بشر من النوع ذاته، ويحق لنا أن نتزوج، ونسلنا الهجين ليس إلا إنسانا ..
كيف سأقنع كل هؤلاء المتعجرفين بحقنا في الحياة من بعدك، أنا وطفلتي المسقطة من حساباتهم العائلية طوال ثلاث سنوات مضت، تعالي يا شريكتي في الموت، والقهر لا تنظري لهذا الجسد الذي برحيله سلمنا لكل المتعطشين انتقاما، هل أبكي اليوم؟؟!!، أم أفكر بالقانون الجديد؟؟!، والذي بشرني به أحد أعمامك قبل أن ينتزع القدر أنفاس والدك الأخيرة، سيأخذك مني حين تبلغين الرابعة ليضمن لك بيئة نظيفة كما قال ..
أنا الكافرة المجرمة، فقط لأني انتصرت بلحظة إنسانية لإنسانيتي، وتزوجت ذلك الشخص الذي كان شريكي الحقيقي في الإنسانية، سنمشي في موكب الجنازة بحذر الخائف من كل نظرة، نحن الجرثومتان الأكثر فتكا هنا، والأسوأ أننا مجرد عاهرتين في الجانب الآخر، ها قد دفنوا ملاذنا الأخير، أنت طفلة من هجونة ممنوعة، وأنا امرأة بلا حقوق في عين القانون ومهدورة الدم في عين العشيرة، هذا زواج أشد مرارة من الزنا، وأنا امرأة أحقر من ساقطة ..وحبيبي خرج من الدنيا صالحا لولا أنني مكتوبة في دفتر العائلة الهش الأوراق على صفحته الأكثر قتامة في عين الكل، تعالي نبكي يا صغيرتي فنحن حسب رأيهم محرومتان من نعمة الرحمة، والله ربنا لا يرحم عبيده الخارجين عن طقوسهم الهمجية كما يدعون، وأنا امرأة لا يقبلها الناس، ويجزمون أن السماء لا تقبلنا ..
سأنتحب في صمت، وانتظر رصاصة الرحمة، ربما تكون أهون من جملة القوانين التي يعدون ويتوعدون بها..
حين ارتبطنا، مجرد فقيرين، يلوذان ببعضهما من عنف الدنيا، لم أفكر بحقي في ميراث بعده،لأن الرخيص لا يعوض عن الغالي، يبدو ان المدبرين تفننوا إمعانا في قهر إنسانيتنا، ووجدوا أن أفضل ما يمكن تقديمه لنا كتعويض عن مأساتنا التي اخترناها انتصارا لحقنا في الإنسانية، هي سحبك مني كآخر محاولة لعزلنا كبشر عن بعضنا، لقد نجحوا، حرموني حقي في البكاء ألما على فراق من أحببت، ومنحوني عذابات الحزن، والقهر على خسارة من تبقى لي، طفلتي، المتحدية لعجزهم جميعا، استفزت حمى رجولتهم المكبلة بكره الجميع للجميع، يريدون أن يشرعنوا سرقتك مني، يريدون أن يحللوا ذبحنا، يريدون أن يعززوا حرمانك، يريدون أن نصلب من جديد على مذبح البشرية ..
– خاص ثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى