قانون الأحوال الشخصية السوري: خطوة هائلة للوراء
عممت الحكومة السورية النص المبدئي لقانون الأحوال الشخصية الجديد والذي يجري إعداده منذ عامين من قبل لجنة كلفت بوضع هذا “القانون” بموجب قرار للسيد رئيس مجلس الوزراء السوري بتاريخ 7/6/2007، بقرار رقم /2437/، وانتهت من وضع المشروع في 5/4/2009 ويلقي مشروع هذا القانون مقاومة شرسة من الأوساط الثقافية والسياسية والحقوقية في المجتمع السوري ، وتتكثف المقاومة بشكل كبير في الأوساط المهتمة بقضايا المرأة والتي من المنتظر أن تكون الخاسر والمتضرر الأكبر في حالة إقرار هذا القانون . علي سبيل المثال لا الحصر ، وعلي صفحات مدونة سورية الوعد حذّر الناشط في قضايا المرأة المشرف على مرصد نساء سوريا بسام القاضي من أن تتحول سوريا إلى اماراة طالبانية في حال اقر مشروع قانون الأحوال الشخصية، لافتًا إلى أنَّ مشروع القانون طائفي بامتياز، ليس لأنَّه كما يراه بعضهم هضم حقوق المسيحيين، بل لأنَّ قانون الأحوال الشخصيَّة يجب أن يكون لكل السوريين والسوريات بغض النظر عن دينهم وطائفتهم. واعتبر القاضي أنَّ هناك قوى ظلامية تقف حائلاً أمام التطوير في سوريا، ورأى أنَّ مشروع قانون الأحوال الشخصيَّة حصاد الحكومة السورية التي رفضت طوال السنوات الخمس الماضية الاعتراف بالاضطهاد اليومي الذي يمارسه الفكر الظلامي في سوريا على المرأة. وأضاف القاضي أنَّ الحكومة السوريَّة تحصد اليوم “نتائج المساومات التي تخوضها مع رجال الدين المتشددين” لافتًا إلى أنَّ “هذه نتائج تصريحات مبدعة من قبيل أنَّ سوريا لا تعاني من العنف والتمييز ضد المرأة وأنَّ قتل 200 امرأة سنوياً في جرائم الشرف في سوريا ليست مشكلة (في إشارة منه إلى تصريحات الدكتورة ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل). وأكد القاضي أنَّه يرفض هذا المشروع جملة وتفصيلاً لأنه غير قابل للتعديل . و أضاف القاضي المرأة في هذا المشروع جردت من أدنى حقوقها الإنسانية، ويستطيع الرجل ان يفعل بها ما يشاء، يستطيع أن يحرمها من التعليم والعمل وزيارة أهلها وتم تشريع اغتصاب الطفلات بمعنى اذا اغتصب شخص طفلة ووافق على الزواج منها على ألا يقل زواجه منها عن 3 سنوات يعفى من العقوبة، ….وتم إعطاء سلطة مطلقة لولي الأمر ليفسح ذلك المجال أمامه بفسخ عقد زواج بناته في أي وقت كان ان لم يكن قد وافق عليه لأي شرط او سبب، كما انه تم تثبيت دعوى اللعان ان كان هناك خلاف على نسب الطفل رغم ان سوريا تكلفت عشرات الملايين لمخابر تحاليل ال دي ان ايه في جامعة دمشق . و أكد القاضي ستتحول سوريا الى اماراة طالبانية في حال اقر مشروع قانون الأحوال الشخصية، كما ان مشروع القانون طائفي بامتياز ليس لأنه في جانب منه متعلق بالديانة المسيحية او انه كما رآه البعض هضم حقوق المسيحيين بل اننا نرفض أن يكون هناك حق للمسيحيين في قانون الاحوال الشخصية لان قانون الأحوال الشخصية يجب ان يكون لكل السوريين والسوريات بغض النظر عن دينهم وطائفتهم، وهو قضية مواطنة وليس انتماء ديني، كما ان هذا المشروع وفي احدى مواده شهادة اثنين مسيحيين برجل مسلم كما ان مرجعية الشرع بما لا يخالف الشرع، ولكن ما هو الشرع ؟، هل هو شرع الظواهري ؟…وهل سيقيم الناس على انهم مسلمون او غير مسلمون او مرتدون وكل بحسب تقييمه وتعريفه للشرع والدين، كما ان هذا المشروع يترك الحكم لأي خلاف بين أي مسلم وزوجته السورية للمحاكم السورية.
وقد شن موقع مرصد نساء سوريا حملة قوية جدا ضد القانون ووصفه بأنه فتوي جديدة لقتل الوطن ، وجاء ايضا بالمقالات المنشورة بالموقع حول القانون أنه لم يعد هناك أي شك أن أصحاب العقول المظلمة يريدون جرّ سورية إلى مستنقع إمارات الطوائف، حيث يستطيع كل من الحالمين بإمارة حرب خاصة به، وإقطاعية دينية خاصة به، وقصرا من الجواري والغلمان والذهب الرنان، أن ينصب نفسه ملك الملوك، وشيخ الشيوخ، وظل الله على الأرض! وأضاف المقال إن مشروع القانون هذا يتناقض كليا مع الدستور السوري، ويتناقض مع التزامات الحكومة السورية تجاه الاتفاقيات التي وقعت عليها (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، سيداو، اتفاقية حقوق الطفل، والعديد من الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة)، كما أنه يتناقض مع مقاصد الشريعة الإسلامية (التي يدعي حالموا الإمارة زورا أنهم ينطقون باسمها)، ويتناقض مع مقاصد المسيحية واليهودية، وكافة العقائد السامية مهما كان اسمها ومصدرها. إن مشروع القانون هذا يسمح لإقطاعيي الدين، الطامحين إلى بيع صكوك الجنة كما كان يجري في القرون السوداء الأوروبية، بتحويل المرأة السورية إلى عبدة وجارية لخدمة رغبات الذكر الجنسية والفيزيائية، وبجعلها مسلوبة الإرادة كليا، لا يمكنها فعل شيء، أي شيء، دون موافقته! كما أنه يمنح الذكر سلطة أن يتزوج عليها مرات ومرات بغض النظر عن إرادتها، ويسمح له بأن يفعل بها ما شاء طالما دفع ثمن متعته مسبقا تحت اسم “المهر”. وهو ما يرفضه أي رجل يشعر برجولته، ويتعز بأسرته، ويرفض أن ينحط إلى مستوى الذكورة الحيواني الذي يريدون له أن ينحط إليه بخرافاتهم عن “فتنة النساء” و”غواياتهن” و”كيدهن” لكي يزعزعوا ثقة هؤلاء الرجال بأنفسهم ومقدراتهم وعقولهم. وهذا المشروع يشرع العنف ضد الأطفال تحت مسمى “التأديب”، ويشرع اغتصاب الطفلات تحت مسمى “البلوغ”.. ويحول الأطفال إلى “سلع” في سوق الصراع الطائفي الذي يقوده هؤلاء لمصلحة جيوبهم وسلطاتهم الدنيوية، ضاربين بعرض الحائط كل القيم السامية عن التسامح والمحبة والشراكة و… التي سعت إليها كل الأديان، قبل أن يشوهها معقدو العمامات واللحى. إن هذا المشروع يسمح لأي كان، خاصة لهؤلاء المرضى، أن يقوموا بتطليق أي زوجين بحجة (الردة)! بل يشجعهم على رفع مثل هذه الدعاوى (الحسبة) عبر إعفاء هذه الدعاوى من أية تكاليف أو نفقات. إن هذا المشروع، يعتبر المواطنين والمواطنات المعتقدات بديانات أخرى، غير تصور هؤلاء المرضى عن الإسلام، مجرد كائنات متدنية عليها أن تخضع للتصورات الشوفينية والعنصرية لمن وضع هذا المشروع. وأخيرا، وليس آخرا.. إن هذا المشروع يفتح الباب أمام “حق” أية مجموعة عقائدية (مهما تناهت في الصغر والطائفية) لتطالب بقانونها الخاص! ونشر موقع مرصد نساء سوريا نص القانون علي الرابط التالي .
وجاء بموقع قاسيون أنه خلال سنوات طويلة طالب العديد من الناشطين، وبكل الأساليب القانونية الممكنة، بتعديل قانون الأحوال الشخصية، ليس فقط بسبب أحكامه الرجعية بخصوص العائلة والمرأة، بل لسبب أكثر جوهرية وهو شرعنته للطائفية، وتكريسه للفصل والتمييز بين أبناء الوطن الواحد على أسس دينية ومذهبية، وبالتالي فقد كان من الضروري إنهاء الوضع القانوني غير الطبيعي في البلاد، وإزالة التناقض بين دستورها ذي الطابع الوطني شبه العلماني، وبين قانون الأحوال الشخصية الطائفي الذي تعمل به محاكمها. وأوضح الموقع أنه هكذا كان تعديل قانون الأحوال الشخصية (أو بالأحرى تغييره تغييراً جذرياً) مهمة وطنية معلَّقة منذ بدايات عهد الاستقلال، لها ضرورتها القصوى للحفاظ على مشروع الدولة الوطنية الحديثة والاستمرار بإنجازه، وخصوصاً بعد صدور النسخة الأولى من قانون الأحوال الشخصية في عام 1953، والتي فاجأت الجميع باعتمادها على قانون «تنظيم الطوائف الدينية» الذي وضعه المندوب السامي الفرنسي «دو مارتيل» في عام 1936. وبعد صدور الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية في عام 1971 والذي أكدت فيه الفقرتان 3و4 من المادة 25: «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين» جاء تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1975 مخيباً جميع الآمال، حيث أن التعديل لم يمسَّ الأسس الطائفية لقانون عام 1953، في تعارض صريح مع الدستور الدائم. والآن، في عام 2009، وبعد أن دخلت سورية الألفية الثالثة، يأتي المشروع «الجديد» قفزة كبرى إلى الوراء بكل المقاييس، فهو لم يحافظ على طائفية القوانين القديمة فحسب، بل أضاف إليها الكثير .
بغض النظر عن المناخ السياسي القمعي الذي يعانيه المجتمع السوري في ظل النظام السياسي المستمر منذ السبعينات إلا أن المجتمع السوري من ضمن ما يشتهر به أنه مجتمع مثقف – عقلاني – علماني لا يعاني مشكلات تعانيها مجتمعات عربية أخري ، ولكن علي ما يبدو أن هناك حركة قوية تسحب المجتمع السوري للخلف في ظل توازنات بين النظام القائم والقوي المتشددة تهدف إلي خلق سند للنظام السياسي السوري في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية التي يتعرض لها ، وكذلك تنامي المعارضة الداخلية السورية .
“كاتب”
شبكة العلمانيين العرب