مشروع قانون الأحوال الشخصية: خطوة إلى الأمام وعشر إلى الخلف
المحامي بديع وسوف
الأسرة السورية على الرغم من أنها تطورت كثيراً، إلا أنها لم تنصف بقانون يجاري هذا التطور ويحافظ على المراكز القانونية الجديدة التي حدثت نتيجة لمشاركة المرأة في ميدان بناء الوطن، استجابة لصراحة نص الدستور ووفاء بالوعد الدستوري للمرأة السورية بإزالة القيود التي تمنع تطورها.
إضافة إلى كفالة الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية (المادة 45 دستور). فالمرأة أصبحت كالرجل مواطنة لها دخل شهري تنفقه على الأسرة إلى جانب الزوج، وبالتالي على القانون أن يضمن هذا الوضع الجديد للأسرة بالنص على حماية حقوق المرأة في إنفاقها لكامل رواتبها في منزلها الزوجي، وذلك دفاعاً عن الأسرة (الخلية الأساسية في المجتمع.دستور)، وأيضاً دفاعاً عن الحق. وبغير ذلك ماذا يمكننا أن نسمي المرأة في الأسرة. أيكفيها أن تكون أماً دون حقوق المواطنة وتحميها بعض الوصايا الأخلاقية.. أم إقامتها مؤقتة في أسرة تكونت برحمها وقلبها قبل أن تولد إلى الواقع. أم هي متبرعة مجانية للزوج لأنه مذكراً (وأنا مع أن الزوج والزوجة معاً هما خادمان للأسرة).
لكل ذلك كنا ننتظر من المشرع أن يقونن هذا الوضع الجديد الذي تعانيه الأسرة لأن الحق يرضي الجميع، ويحافظ على خلايا المجتمع الأساسية بصياغة قانون موحد لجميع الأسر السورية تحت غطاء الوطن. هذا ما كنا ننتظره، لكن المفاجأة بمشروع قانون للأحوال الشخصية صيغ بتكليف من سيادة رئيس مجلس الوزراء جاء على غير ما نريد، فهو لم يلحظ الواقع ولم يراع التشريع النافذ، كما أنه يتناقض مع الدستور، وسيأخذ المجتمع إلى الخلف مئات السنين. فواضعوه نسوا الوطن ونسوا العالم والمعاهدات الدولية والعربية. وعموماً عليه الكثير الكثير من الملاحظات أو الاستغرابات. وسأكتفي بالتعليق على ناحيتين هما ما جاء فيه بالمادة 38 والمادة 21 وما بعدها:
1-نصت المادة 38 من المشروع: (1-يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدَيْن رجلين، أو رجل وامرأتين مسلمين، أو كتابيين في زواج المسلم بالكتابية حين الضرورة، عاقلين، بالغين، سامعين الإيجاب والقبول، فاهمين المقصود بهما).
2-تجوز شهادة أصول وفروع الزوجين أو أحدهما.
3-تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية، حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية).
فالفقرة 3 من المادة السابقة غريبة بل وغير قانونية تتناقض مع جميع القواعد القانونية والأخلاقية. فالمادة تقول إن الشهادة على عقد الزواج هو شرط صحة، والشهود رجل وامرأتان أو رجلان مسلمان، وتجوز شهادة (الذمي) عند الضرورة إذا كانت الزوجة كتابية ولكن هذا بشرط أن لا يجحده الزوج المسلم. والجحود لغة هو: جحد الحق أي أنكره وهو يعلم به. أي إذا نظر القضاء بعقد زواج يشهد عليه (ذمي) وأقر الشاهد بحدوث واقعة الزواج كما حدثت، ولكن الزوج على الرغم من ثقته بحدوثها قال إني أنكر هذا العقد فلا يثبت الزواج ولا يستطيع القاضي تثبيته نزولاً عند رغبة الزوج.وهذا بالعكس عندما تجحده الزوجة الكتابية إذ تعاقب بجحودها ويثبت الزواج. كم هذا بعيد عنا نحن السوريين، وكم فيه نأي مقصود عن العدالة وعن الدستور وعن الوطن. فالناس سواسية كأسنان المشط، وهم متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولا فضل لعربي أو أعجمي إلا بما يقدمه من فائدة إلى الوطن. فالتمييز سواء بين مسلم (وذمي) أو كتابية أو رجل وامرأة هو تمييز عنصري بكل معنى الكلمة، وهذا التمييز العنصري معاقَب عليه في قوانين كل الدول، وانحسر عن معظم أرجاء الكرة الأرضية. والمهم هنا أنه خرق للمواطنة، ويسبب الألم لكثير من السوريين دون أن يجلب أي فائدة. ثم إنه يغطي تعسف زوج نكل بعقد الزواج علناً وأمام أعين العدالة، ليتفلت من آثاره فقط لأنه مسلم. وفي الحقيقة فيها إلغاء صريح لحقوق المواطنة، وفيها جحود وعقوبة كبيرة للشاهد لأنه (ذمي)، دون أن ينص التشريع السوري على عقوبة بهذا الاسم. والشيء الآخر هنا البحث عن إرادة الزوجة الكتابية لإعمال عكس هذه الإرادة، وهذا طغيان غير مبرر على حق أساس من حقوق المواطن في زمن تحترم فيه إرادات الناس حتى المختلفة عنا، لأنها حقهم الذي لا يخضع للنقاش أو المساومة وفق الإعلانات العالمية وميثاق حقوق الإنسان العربي الصادر عن الجامعة العربية، وكذلك العهود الدولية التي لها قوة القانون لدينا.
2- والناحية الثانية ما جاء بالمادة 21 منه التي تنص:
(1-إنشاء نيابة خاصة للأحوال الشخصية المتعلقة بغير الأموال.
2-تدخل النيابة في بعض قضايا الأحوال الشخصية: على النيابة العامة أن ترفع الدعاوى أو تتدخل فيها إذا لم يتقدم أحد من ذوي الشأن، وذلك في كل أمر يمس النظام العام وأهمها: الزواج بالمحرمات, إثبات الطلاق البائن وفسخ الزواج وو… إلخ).
وهنا النص غريب أيضاً، وماذا يقصد بالنظام العام المتعلق بغير الأموال وإن الحالات المعددة بالمادة هي على سبيل الأهمية وليس الحصر.. فلدينا حالياً النيابة العامة وفقاً لقانونَيْ أصول المحاكمات الجزائية، وهي المخولة قانوناً بالدفاع عن حقوق المجتمع والنظام العام..
فالنص هذا يؤدي إلى إلغاء شرط المصلحة لقبول الدعوى، والذهاب بعيداً في دعاوى (حقوق الله) الموجودة في قوانين بعض الدول التي تعمل جاهدة لتجاوز دعاوى الحسبة. أما المشروع الحالي فيريد تكبيل النهضة بسورية بمثل هذه الدعاوى التي لها مخاطر كبيرة على المجتمع وتبديد مقدراته بتشتيت الانتباه إلى أمور قليلة الأهمية على حساب بناء الوطن. فهي مشروع (لعصور التفتيش) وتصفية الحسابات ومحاكمة الأفكار والنوايا.مما يدخلنا في نفق مظلم لن نتمكن من الخروج منه فيما بعد. كما حدث بدعوى التفريق التي أقيمت بمصلحة الحسبة لتطليق الدكتور نصر حامد أبو زيد من زوجته دون علم زوجته أو رضاها بإقامة هذه الدعوى.. وحتماً تجبر النيابة العامة المذكورة بتحريك الدعوى دون رضاء زوجته مثلاً. وكما أحيل عميد الأدب العربي طه حسين في العشرينيات من القرن الماضي إلى النيابة العامة بتهمة الكفر عن كتابه (في الشعر الجاهلي).
فالقانون يجب أن يكون عاماً صالحاً يخدم المجتمع ويغطي الثغرات لا أن يفتح الجراح ويأخذنا إلى الاستثناءات القليلة على حساب بناء المجتمع.
فلكل قانون روح، وإن هذا المشروع يتناقض مع واقع الأسرة السورية روحاً ونصاً.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا العصر عصر حقوق الإنسان، لأن حقوق الإنسان لصيقة به. والوطن يتسع لكل أبنائه، ولا يمكن لأي دين أن يتسع للوطن. والتاريخ يقول ذلك منذ ألفي عام تقريباً، ومازالت تجربة السودان والصومال قائمة، فمن سلة العالم العربي إلى جوع مرعب..فالأوطان تبنى بقوانين عصرية تحترم المخاطبين بها دون طغيان على أي حق من حقوق المواطنة، فالدين لله والوطن للجميع.
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc