قانون الاحوال الشخصية الجديد

الإنسان أولاً.. والدين ثانياً

المحامي ميشال شماس
كلام أكثر من رائع، أكثر من معبر صرّح به سماحة المفتي الدكتور أحمد حسون أمام وفد بريطاني من “مؤسسة الوعي” الذي زار سوريا أواخر شهر أيار الماضي “إن الإنسان أولاً والدين ثانياً ، بينما مشكلة العالم الآن هي في اعتبار الدين أولاً والإنسان ثانياً” كلنا شركاء 31/5/2009
نعم الإنسان أولاً والدين ثانياً، أقوال مهمة وعظيمة، ليس لأن قائلها شخصاً مسلماً وحسب، بل لأنها صدرت عن إنسان يتمتع بقلب منفتح ورجاحة في العقل، إنسان يؤمن بأخيه الإنسان الأخر المختلف، ولست أجامل سماحة المفتي العام للجمهورية السورية، بل لأني والكثير الكثير من السوريين نرى ونلمس في سماحته تلك الصفات فعلاً، وهو القائل أيضاً :” يجب أن نربي أطفالنا تربية سليمة على الحب لا على الحقد، وعلى الاعتراف بالشخص الآخر، الذي هو أخوه”.
نعم الإنسان أولاً، والدين جاء ثانياً ليكون في خدمة الإنسان، فلولا وجود هذا الإنسان على هذه الأرض، هل كان سيكون دين على هذه الأرض بدون ذلك الإنسان؟ فالدين لم يأت حتى يُكره الإنسان على فعل أمر معين والالتزام به، بل ترك له الحرية في أن يختار” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن “(سورة البقرة 256). والدين لم يأت ليكًفر الإنسان ويجبره على الإيمان بالله، بل ترك له حرية الاختيار بين الكفر والإيمان” فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر” سورة الكهف29 ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” ( يونس 99). ولم يأت الدين ليفرض لوناً واحداً على الناس ، بل جاء ليقول ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم”.(سورة الحجرات31 ).
ولم يأت الدين ليحطّ من قدر الإنسان، بل جاء ليرفع من قدره ومكانته، ولم يأت ليجعل من المرأة عبدة وجارية للرجل، ولم يأت ليشرّع اغتصاب الطفلات الصغيرات، أو ليسمح لفئة بسبي نساء فئة أخرى.. بل جاء ليدعو إلى الأخلاق والفضيلة.. جاء ليدعو إلى الرحمة والمحبة والسلام والتقوى بين بني البشر..ونبذ الفرقة والبغضاء والرذيلة…الخ
مناسبة هذا الكلام ما كشفه مؤخراً تسريب مشروع قانون الأحوال الشخصية عن وجود فئة من الكهّان الجدد ُتصرّ على تمرير مشروعها الفتنوي الذي أعدته في الخفاء وفي الغرف المظلمة، رغم كل الأصوات الرافضة له في أوساط واسعة من السوريين، مشروع أقل ما يقال فيه أنه مشروع للفتنة بين السوريين .. مشروع يحط من قدر السوريين كبشر، ويفرق بين الرجل والمرأة، ويجعل من المرأة عبدة جارية للرجل ، مشروع يجيز اغتصاب الطفلات الصغيرات .. مشروع يهدف في النهاية إلى تغيير كيان الدولة السورية الحديثة والانقلاب عليها كلياً، وتحويلها إلى مجرد دويلات للطوائف والمذاهب تصبح فيها النساء سبايا وجواري في عودة مؤكدة لعصور الانحطاط .. عصور الغزوات والجواري والعبيد والسبايا..
لا يشكل هذا المشروع الظلامي خطراً على السوريين بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية وحسب،بقدر ما يشكل خطراً أكبر على الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى، على اعتبار أن هذا المشروع يشوه صورة الإسلام أكثر فأكثر،على يد الكهان الجدد ورجال التابو القاطنين في الكهوف المظلمة يدّعون الإسلام، والإسلام منهم براء، وذلك بما يفوق المحاولات الحثيثة للصهيونية ومن يقف معها لتسويد صورة الإسلام والمسلمين وتشويهها أمام العالم.
هؤلاء الكهان الجدد الذين نصبّوا أنفسهم قضاة غير شرعيين على حياتنا ومجتمعنا تارة باسم مثاليات الأخلاق المزيفة وتارة باسم الغلو والتطرف والتشدد الديني، نخشى إن لم نقف جميعاً في مواجهة مشروعهم الخطير، أن يصبحوا في المستقبل القريب بمثابة أوصياء أيضاً على حياتنا العامة والخاصة ويحددون لنا كيف وماذا نأكل، وكيف نلبس ؟ وكيف ننام ؟ وكيف نحلق شعرنا ولحانا ؟ وكيف نتكلم ؟ وكيف نسمع ونطرب ؟ وكيف وماذا نقرأ ؟ وكيف نتصرف ..الخ ؟
إن سوريا التي نؤمن بها جميعاً وطنناً نهائياً لنا نحن السوريين.. باستثناء أولئك الكهان الجدد، لا يمكن لها أن تتقدم وتتطور مع هذا المشروع الظلامي ومن أعدّه، ففي الوقت الذي تحررت فيه شعوب ومجتمعات كثيرة في هذا العالم من أطواقها، بينما نحن لا نزال ننغمس بكل ما يقتل الزمن وبكل ما يقتل الحياة وبكل ما يبعدها عن نسبية الأشياء .. وعن كل ما يشبع الذهن والتفكير بالانغلاق !
إننا في سوريا مدعوون بكل أطيافنا المتنوعة إلى مجابهة هذا المشروع الظلامي بحزم من خلال السعي إلى تفكيك العلاقة البنيوية الفكرية القديمة وذهنيتنا المركبة، والعمل على التأسيس لإصلاح فكري نقدي جديد يستند إلى استحداث مناهج تربوية جديدة تأخذنا باتجاه فضاء العقل والحرية، بما يؤدي في النهاية إلى إقامة الدولة المدنية الحديثة التي تجعل من احترام الإنسان في أعلى أعلى سلّم اهتماماتها. أمّا إذا بقينا صامتين، فإن الظلام سيخيّم على حياتنا شئنا أم أبينا، وسيقف النظام عاجزاً عن صد هذا المشروع الذي سيلفنا جميعاً بظلمة شديدة السواد ..

كلما شركاء
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى