العقلية الذكورية هي العائق الوحيد أمام قانون أسرة عصري بديل
د. مية الرحبي
دراسة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
مقدمة تاريخية:
الأسرة الأحادية الحديثة، أو ما يطلق عليها الأسرة النووية، هي نتاج تطور حضاري كبير، بدء بمرحلة المشاعية، ومر بمراحل متعددة حتى وصل إلى شكل الأسرة الحالية نواة المجتمعات في الدولة المدنية الحديثة.
و حسب مورغان فقد نشأ مفهوم العائلة بهدف” تنظيم عدد معين من الأشخاص، الأحرار وغير الأحرار، في عائلة تخضع لسلطة رئيس العائلة الأبوية. ففي العائلة السامية، يعيش رئيس العائلة هذا في ظل تعدد الزوجات، مع الإشارة إلى أنه كان للعبيد أيضاً زوجات وأولاد، وكانت غاية التنظيم كله رعاية القطعان، في حدود رقعة معينة من الأرض”.
وقد كان الرجل في هذا الشكل من التنظيم هو السيد والمالك للزوجات والأطفال والعبيد يحق له التصرف بهم كملك خالص له يصل إلى حدود سلبهم الحياة إن شاء.
وقد شذب التطور الإنساني شيئا فشيئا العلاقات داخل العائلة للوصول إلى شكل الأسرة الأحادية التي تقوم على أساس المساواة والمشاركة بين المرأة والرجل في حياة مشتركة يتقاسم الإثنان فيها مسؤولية تربية الأطفال ورعايتهم في نظر القانون، ولكن حتى في أكثر الدول تقدما لا زال التطور الاجتماعي لم يصل إلى حد تجسيد روح القانون في تلك المساواة والمشاركة على أرض الواقع.
وقد حفل تاريخ البشرية بأنبياء كثر، ظهروا في مجتمعات سادت فيها الفوضى وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فأتوا يبشرون بالعدالة والخير والمحبة، وساهموا مع الكثير من المفكرين والفلاسفة في تطوير العلاقات الإنسانية نحو مزيد من العدالة والمساواة بين البشر.
كانت المرأة في الجزيرة العربية في الفترة التاريخية السابقة لمجيء الإسلام، مصنفة في أسفل السلم الاجتماعي، وتعتبر أداة إنجابية ومتعة للرجل فقط، مع ملاحظة بعض الاستثناءات من النساء الارستقراطيات اللاتي عملن في التجارة أو كن طبيبات أو كاهنات، وهن ندرة، فحتى نساء العامة اللاتي كن يقمن ببعض أعمال الزراعة أو تربية الحيوان كن يقمن بذلك كجزء من خدمتهن للرجل أو العائلة، وكانت المرأة تنذر منذ لحظة ولادتها لوظيفتيها الأساسيتين، الإنجاب وإمتاع الرجل، فيعقد قرانها أثناء طفولتها على رجل ما بما كان يطلق عليه عقد النكاح، إذ يدفع الرجل للأهل مهرها أي ثمنها، حتى كان بعض العرب يعزّون من تولد له أنثى بأن يباركوا له بالنافجة ( أي مبلغ المهر الذي سيدفع ثمنا لها)، وكان الرجل ملزما فقط بالإنفاق عليها، طيلة فترة مكوثها معه وطيلة فترة العدة، بحيث ما أن تنتهي فترة العدة حتى تتجمل للخطاب، وتعرض نفسها في سوق الزواج تمهيدا لشرائها من قبل رجل آخر، دون أي حرج من هذه الفكرة، بل كانت تتقبل بطبيعية اقتناؤها بعد الأسر، ومشاركتها الفراش، كأمة أو زوجة، لمن يمكن أن يكون قاتل زوجها بالأمس، وكان يمكن للمرأة أن ” تفتدي” بالمال نفسها من آسرها أو زوجها على نفس المبدأ، وكان أطفالها، مثلها، ملك لزوجها المطالب بأن يدفع لها أجر رضاعتهم أو حضانتهم، تماما كما يدفع لأي مرضعة غريبة يوضع الطفل في عهدتها.
كانت الدعوة الإسلامية في بداياتها ثورة اجتماعية حقيقية على الأوضاع الاجتماعية التي سبقتها، وكان الإسلام خطوة متقدمة في سلم التطور الاجتماعي لمجتمع الجزيرة العربية، بأحكامه التي حملت بعدا أكثر تطورا من النواحي الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية.
وقد حصلت المرأة على مكاسب كبيرة في الدين الجديد، الذي اعتبرها إنسانا كامل الأهلية، مساويا للرجل في التكليف والثواب والعقاب، كما يتضح ذلك في العديد من الآيات القرانية الكريمة، ما جعل النساء يكافحن ويضحين بحيواتهن وكل ما يملكن نصرة للدعوة الإسلامية التي رأين فيها نصيرا لحقوقهن.
إلا أن التفسيرات اللاحقة للحوادث والنصوص الدينية أنتجت أحكاما شرعية تمييزية ضد المرأة بامتياز، فقد استخدم النص الديني لخدمة العقلية الذكورية المسيطرة التي أعادت الاعتبار للعادات والأعراف القبلية التي سادت قبل الإسلام ، مسبغة عليها لبوسا مقدسا، بتعميم حوادث واقوال تمت في ظروف ومناسبات مؤقتة من العصر الأول للدعوة، واقتطاعها من سياقها الظرفي والتاريخي، وتثبيتها كأحكام أزلية غير قابلة للتغير أو التعديل، وانحدرت المرأة نتيجة لذلك ثانية إلى أسفل السلم الاجتماعي، وتحول الإسلام إلى دين معاد للمرأة بعد أن كان نصيرا لها في مطلع الدعوة.
بعد أن استقلت الدول العربية الحديثة وجدت أن القوانين السابقة والتي كان معمولا بها في العهد العثماني لم تعد تفي بمتطلبات تنظيم العلاقات بين المواطنين في الدول المدنية الحديثة، فتم تغيير جميع القوانين واستعارة الكثير من القوانين الغربية المعاصرة بما يلاءم روح العصر، عدا قوانين الأحوال الشخصية التي بقيت مطابقة للقوانين الفقهية من القرن الرابع الهجري.
أساس قوانين الأحوال الشخصية:
لم تكن تلك المقدمة إلا محاولة لإلقاء الضوء على الأساس الذي قامت عليه قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية، والتي لا يجرؤ أحد على المناداة بتطويرها وتغييرها لأنه سيتهم بالكفر والهرطقة باعتبار أن أي تغيير فيها سيكون منافيا للشريعة الإسلامية كما يدعي البعض.
لن أناقش هنا مشروع القانون الجديد فقط، لأنني لا أجد اي اختلاف فيه عن القانون القديم، من حيث الجوهر، و الذي اعتبره مستقى دون شك من مرحلة تاريخية سابقة لمجيء الدعوة الإسلامية اي ما يطلق عليه الفقهاء أنفسهم مرحلة الجاهلية، متغاضين عن جوهر وروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها العادلة، والثورة التي أحدثها في هذا المجال. ولكن لتسهيل البحث فسأعتمد مواد مشروع القانون الجديد مثالا.
والسؤال هنا، هل يختلف القانون الحالي، أو مشروع القانون الجديد، في جوهره عن وصفنا السابق لأوضاع المرأة في مرحلة ما قبل الدعوة الإسلامية؟ وهل يستقي مواده من روح الشريعة ومقاصدها العادلة، أم من مرحلة ما قبل الإسلام؟
يتطابق مشروع القانون الجديد، والقانون الحالي الموضوع عام 1953، في جوهره ومعظم مواده، مع مجلة الأحكام الشرعية الموضوعة في عهد الإدارة العثمانية عام 1876 وقرار حقوق العائلة الموضوع عام 1917 من قبل الإدارة نفسها، اللذين اعتمدا المذهب الفقهي الحنفي أساسا لهما.
يقوم القانون الحالي ومشروع القانون الجديد، ولا فرق بينهما، على أساس فكرة ” شراء” الرجل للمرأة بالمهر الذي يدفعه لها، والذي يطلق عليه الفقهاء ” ثمن الوطء”! معجلا، بحيث يمنع من “الدخول بالمرأة” إن لم يدفعه، ومؤجلا، يمكن اعتباره كتعويض ” استهلاكه” للمرأة خلال فترة الزوجية، ويمكن للمرأة أن تفتدي نفسها من زوجها بالخلع، بتعبير مطابق لافتداء الأسير لنفسه من آسره، ويلزم القانون الحالي الرجل فقط بمسألة الإنفاق دون اي اعتبارات أخرى داخل العلاقة الزوجية، ويعتبر الأطفال ثمرة الزواج ملكية خالصة للرجل، حتى أنه يدفع لزوجته ثمن إرضاعهم وحضانتها لهم_ والمسماة قانونيا بأجرة الحضانة و أجرة الرضاع – وبقاءه وليا عليهم هو أو احد عصبته من الذكور، حتى لو حملت الأم مسؤوليتهم الكاملة بسبب الطلاق أو الترمل، وتولت تربيتهم والإنفاق عليهم وحدها كما يحدث اليوم في كثير من الحالات.
المرأة في القانون متاع، إنسان قاصر الأهلية تنتقل ولايتها من الأب أو الأخ إلى الزوج بل حتى الابن، وتعامل قانونيا تماما كالمعتوه والمجنون الذي لابد من وجود ولي له، حسب القانون نفسه.
القانون والعصر
كما ذكرنا سابقا فهدف القوانين المعاصرة هي تنظيم العلاقة بين المواطنين ضمن الدولة الحديثة، على أساس المساواة بينهم بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم وطائفتهم، بما يلبي احتياجات الحياة المعاصرة، وذلك ما يستدعي، بين حين وآخر، استبدال القوانين في دول العالم أجمع بأخرى أكثر حداثة وتطورا، تناسب متطلبات التطور والتنمية التي تحكم المجتمعات، فهل ينطبق هذا المفهوم على مشروع القانون الجديد؟
لقد أتى المشروع الجديد متخلفا حتى عن القانون الحالي بالكثير من مواده التي لم تعد تناسب واقع المرأة والأسرة في عصرنا الحديث، ولولا وجود كلمة (الإيدز) في المادة 203 لأعتقد من يقرأ المشروع أنه مأخوذ من أحد الكتب الفقهية التي كتبت في القرن الرابع الهجري، قبل أن يغلق باب الاجتهاد بقرار بشري أخذ صفة القدسية ولم يعد يحتمل النقاش من أحد. إذ ترد في مشروع القانون الجديد مفردات ومصطلحات لا علاقة لها، لا بمفهومها، ولا دلالاتها، بالزمن الحاضر مثل : نكاح، فسخ النكاح، موطوأته، الدخول، زوجة غيره أو معتدته، يملك عليها ثلاث، اللعان، حد القذف، متعة الطلاق، الجهاز عارية لابنته، النشوز، المرأة محل الطلاق، يملك الزوج على زوجته، تربص، أجرة الرضاع، أجرة الحضانة، الفيئة، ملة، ولي المجنونة ابنها وإن سفل، التخارج، يخشى عليها من الفتنة، ذمي، كتابية….
ومفاهيم لم يعد لها وجود في الأسرة الحديثة مثل:
• مفهوم المهر كثمن لشراء المرأة بحيث يحق للمرأة الامتناع عن الدخول حتى يدفع لها مهرها المعجل ( المادة 105).
• مفهوم الكفاءة فللولي طلب فسخ النكاح للكبيرة إن لم يكن الزوج كفؤا ( المادة53) والعبرة في الكفاءة الصلاح في الدين وعرف البلد؟؟؟؟( المادة 54).
• ويحق للقاضي بناء على طلب من اكتملت أهلية الزواج لديه أن يطلب من الأب ميسور الحال أن يزوجه تحقيقا للمصلحة ( المادة 44).
• المواد المتعلقة باللعان والنسب وضعها من لم يسمع إطلاقا بوجود ما يسمى فحص DNA الذي يثبت علميا نسب الطفل 100%.
• على الزوج إسكان زوجته في مسكن أمثاله ( المادة 125).
• نفقة كل إنسان قادر على الإنفاق من ماله الخاص إلا الزوجة نفقتها على زوجها ( الماجدة 132).
• النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم ( المادة 135) وينطبق ذلك طبعا على الزوجة العاملة التي لا تلزم بالإنفاق لا على بيتها ولا على أولادها.
• وهو ملزم بالإنفاق عليها ولو كانت موسرة الحال( المادة 136).
• الخلع عقد بين الزوجين يتفقان فيه على إنهاء الزواج ببدل تدفعه الزوجة أو غيرها لزوجها أو غيره بموافقة الزوج الآخر قبل الدخول أو بعده ( المادة 181).
• لا يسجل الخلع في المحكمة قبل قبض الزوج بدل الخلع ( المادة 187).
• التفريق للإيلاء ( المواد 222- 226).
• التفريق للظهار ( المواد 227- 229).
• أجرة الحضانة ( 302- 314).
• لا يحق للأم الحاضنة السفر بالمحضون إلا إلى البلدة التي جرى فيها عقد نكاحها؟؟؟( المادة 320) ولايحق لها أن تسافر إلى البلدة التي تعمل بها إن لم يوجد بها أحد أقاربها المحارم؟؟؟؟( المادة 320).
• أجرة الرضاع ( 330-331).
• إذا كانت المرضع ليست أما ( 333) وهل بقيت مرضعات في العصر الحاضر؟
• وصي الحمل ( المادة 393).
• لا ترث المرأة من زوجها المريض مرض الموت إذا اختلعت منه برضاها، أو اختارت نفسها بالبلوغ ( المادة 429).
تعارض المشروع مع دستور الجمهورية العربية السورية، والقوانين المعمول بها :
يرد في دستور الجمهورية العربية السورية المواد التالية:
المادة 25
1ـ الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم و أمنهم.
2ـ سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين الموطنين.
كما أن الدستور يحمي الأسرة التي هي خلية المجتمع الأساسية
المادة 44
1ـ الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة.
2ـ تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.
المادة 45
تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.
وأستطيع الجزم أن مشروع القانون الجديد يتناقض في معظم مواده مع مواد الدستور السابقة، إذ أنه يميز بين الموطنين على أساس الجنس والدين، كما أنه يحد من مشاركة المرأة ومساهمتها الفعالة في المجتمع بإتاحة الفرصة للرجل برفع سيف الطلاق بإرادته المنفردة، والتي يمكن أن تعيق أي مساهمة للمرأة في مناحي الحياة التي نص عليها الدستور. وهو بعيد كل البعد عن مفهوم الأسرة، خلية المجتمع الأساسية، والتي ألزمت الدولة نفسها بحمايتها.
تعارض قانون الأحوال الشخصية مع مفهوم الأسرة في الدستور:
يناقض مشروع القانون المادة44 من دستور الجمهورية العربية السورية الذي يعتبر الأسرة هي الخلية الأساسية لمجتمع الدولة الحديثة، الأسرة المؤلفة من زوج وزوجة يؤسسان معا حياة مشتركة هدفها سكن كل منهما إلى الآخر، تقوم على أساس المودة والرحمة، ويتشاركان معا في تربية أطفالهما والعناية بهم وحمايتهم وتأمين مستلزمات العيش الكريم لهم من صحة وتعليم وفتح مجال مشاركتهم في جميع مناحي الحياة، على قدر استطاعة الوالدين، وتظهر نقاط التناقض بين مفهوم الأسرة المعنية بالدستور والأسرة المعنية في مشروع القانون في نقاط عدة:
1- يترجم مفهوم امتلاك الرجل للمرأة الذي ساد في مرحلة ما قبل الإسلام بمواد قانونية تستخدم تعابير مستمدة من تلك الفترة التاريخية، فالرجل يمتلك المرأة امتلاكا مؤقتا (أي يستأجرها) بالمهر الذي يدفعه، والأطفال ملك له، إذ يدفع للزوجة أجر رضاعتهم وحضانتهم، ويتجلى هذا المفهوم المتخلف المهين لمكانة المرأة الإنسانية، ومكانتها كشريك للرجل في الحياة الزوجية وتنشئة الأطفال بتعابير قانونية فجة ك “أجرة الحضانة” أو “أجرة الرضاع” والتي تستوفيها المرأة من الرجل وتبقى دينا له على الأم في حال إعساره! وذلك في المواد 191-193، 302-305 308 – 311، 317، 329-336. ويبقى هو أو جدهم العصبي، وليهم حتى لو كانت المرأة، كما يحدث في كثير من الحالات في زمننا الراهن، هي المسؤولة الأساسية أو الوحيدة عن تربيتهم وتنشئتهم والإنفاق عليهم، ولا تجوز ولايتها عليهم، إلا في حال عدم وجود أي من العصبات ( المادة 48)
2- رغم أن القانون يعرف الزواج على أنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء الحياة المشتركة والنسل ( المادة 27)، وهو عقد يقوم على رضى الطرفين واتفاقهما على إقامة هذه المؤسسة المشتركة، إلا أن إنهاء هذه المؤسسة يمكن أن يتم بإرادة منفردة من الزوج، أحد الطرفين المتعاقدين، دون أي اعتبار لمصلحة الأطفال ناتج الزواج، ودون أن تترتب على الزوج أي نتائج أو عقابيل لقراره المنفرد، سوى دفع مؤجل العقد، ونفقة لا تتجاوز العام إن أصاب المرأة بؤس وفاقة! كذلك يتيح القانون للزوجة طلب الطلاق بعد ثلاثة أشهر من إعسار الزوج وعدم قدرته الإنفاق عليها، فأي أسرة حديثة معاصرة يمكن أن تقوم على هذا المفهوم وأين هي مصلحة الأطفال؟
3- يحدد القانون الحقوق المعنوية المشتركة بين الزوجين في مادة واحدة فقط هي المادة 97، أما الحقوق المعنوية للزوجة على زوجها و الزوج على زوجته فتحددها المادتان 98، 99 بمفهوم متخلف قائم على مبدأ طاعة الزوجة لزوجها، ومسؤوليتها وحدها في الإشراف على البيت وتنظيم شؤونه، حتى ولو كانت عاملة، دون أي اعتبار لمفهوم المشاركة في إدارة البيت وشؤونه حسب الواقع المعاصر، والمادة 130 التي تشترط سفر الزوجة مع زوجها دون اعتبار لمكان و ظروف عملها، والمادة 131 التي تسمح للزوجة برعاية والدها المريض وإن أبى الزوج ذلك، والتي تتيح في نفس الوقت للرجل طلاقها لنفس السبب بحجة تعارض ذلك مع واجباتها الأسرية الأخرى!. في حين تخصص 17 مادة ( المواد 100-117) للحديث عن الحقوق المادية في المهر، في امتهان حقيقي لكرامة المرأة وامتهان أكبر لمفهوم الأسرة الحديثة، إذ تشترط تلك المواد دفع الرجل للمهر قبل الدخول، أو احتسابه دينا عليه، أو امتناع المرأة عن الدخول حتى يدفع لها مهرها المعجل، ما يتضمن اعتبار المهر ثمنا لاستمتاع الرجل بها أو ثمنا للوطء كما يعرف في بعض التعابير الفقهية! وتتحدث المادتان 119 و 118 عن متعة الطلاق بنفس المفهوم المتخلف، والمواد 121- 124 عن الجهاز والمواد 125- 129 عن حقوق المسكن والمواد 132- 163 عن النفقة بحيث يمكننا القول أن هنالك خمس مواد تتحدث عن الحقوق المعنوية بين الزوجين، مقابل 60 مادة تتحدث عن الحقوق المادية، دليل أن هذه المؤسسة قائمة قانونيا لا على التفاهم والمشاركة بل على الملكية المؤقتة أو الاستئجار.
4- قنن الاسلام تعدد الزوجات وأباح الزواج من أربعة ضمن ظرف وسياق تاريخي معينين، واشترط فيه العدل غير المتحقق في أي زواج متعدد نراه اليوم، ورغم ذلك يبيح القانون تعدد الزوجات في المواد 64-66، حتى لو كانت الزوجة قد اشترطت عليه عدم الزواج من أخرى في عقد الزواج، دون أن تترتب عليه أي تبعات قانونية، كمثل من أخل بشرط أي عقد قانوني، وللقاضي أن لا يأذن للرجل بالزواج من أخرى دون وجود مسوغ شرعي في المادة 71، ولكن دون أي تحديد للمسوغ الشرعي، ودون أي تطبيق لتلك المادة من قبل القضاة على أرض الواقع.
5- آخر اهتمامات مشروع القانون الجديد مصلحة الأطفال ضمن المؤسسة الزوجية، وهم من يفترض أن يحظوا بأكبر عناية فيها، وإذا أمكننا احتساب المادة 272 لصالح مشروع القانون الجديد، والتي لم تكن موجودة في القانون الحالي، والتي تحدد بعض حقوق الأطفال، إلا أننا نجد انتهاكا لتلك الحقوق بعدم تحديد واجبات الوالدين بشكل كاف، وتناقض الحقوق الواردة في تلك المادة مع مواد قانونية أخرى تميز ضد الطفل من بينها:
• تبيح المادة 45 زواج الطفل بعمر 15 سنة، والطفلة بعمر 13، ( تعريف الطفل هو القاصر الذي لم يبلغ 18 عاما حسب اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت عليها سورية)
• نفقة الأولاد حتى زواج الأنثى أو كسبها، والغلام حتى سن 16
• نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأطفال في المادة 155
• يحرم الأطفال من نفقة الأب عليهم فيما لو تم تمديد فترة حضانة الأم لهم المادة 317
• لا حدود قانونية لسلطة التأديب في المادة 355، ولا يذكر القانون سوى جملة اجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي في المادة 272
• لا تسلب ولاية الولي على القاصر إذا حكم بجريمة الدعارة، ولكن فقط إذا حكم عليه بتلك الجريمة أكثر من مرة حسب المادة 357
التمييز بين المواطنين على أساس الجنس:
تحمل الكثير من مواد مشروع القانون الجديد تمييزا ضد المرأة وتضعها في مكانة أدنى من مكانة الرجل ضمن المؤسسة الزوجية ، بل أن بعض المواد تحمل تحقيرا للمرأة، ولا تتناسب مع المكانة الاجتماعية التي وصلت إليها اليوم، وتتناقض مع مفهوم المشاركة في الحياة الزوجية، وتعطي الرجل سلطة داخل المؤسسة الزوجية كترجمة للتعبير المتعارف عليه في الثقافة السائدة والذي يطلق على الرجل لقب ” رب الأسرة ” والذي إن لم يحمل معنى الألوهية، فهو يحمل بالتأكيد معنى الامتلاك. كما أنها تسلب المرأة الإرادة والحق في التصرف بحياتها، كائنا بشريا كامل الأهلية، فالزوج هو الذي يسمح ويمنع، وللمرأة الطاعة.
هذا التمييز ضد المرأة نجده واضحا في المفاهيم التالية:
1- تبقى المرأة في نظر القانون شخصا غير كامل الأهلية، بدلالة وجود ولي لها حتى ولو تجاوزت سن الرشد، وتتساوى في ذلك قانونيا مع المعتوه والمجنون الذي تبقى الولاية عليه بعد سن الثامنة عشرة وفق المادة 347، وصحيح أن مشروع القانون لا يشترط ولاية الولي لعقد زواج الكبيرة ( دون تحديد قانوني لعمر الكبيرة) ، إلا أن سلطة الولي تبقى موجودة في المادة 53 التي تتيح للولي طلب فسخ نكاح الكبيرة إذا زوجت نفسها، من غير موافقته ولم يكن الزوج كفؤا، والمادة 156 والتي تعيد نفقة الأرملة أو المطلقة على وليها، وتشترط المادة 324 على ولي الأنثى أن يبقيها في بيته حتى تتزوج إذا كانت دون الأربعين ولو كانت ثيبا.
2- شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد ( المادة 38).
3- شروط عقد الزواج غير ملزمة للزوج في الفقرة 4 من المادة 41
4- عدم تساوي السن الأدنى للزواج بين الذكر والأنثى المادة 44
5- إباحة تعدد الزوجات دون ضوابط ( المواد 64-66، 71)
6- انتهاك خصوصية المرأة بمراقبة طموثها ( المادة 60)، وذلك ما كان متاحا سالفا بسبب العيش المشترك في العائلة الممتدة، في حين لم يعد متاحا في العصر الحالي ويمكن استبداله بفحوص طبية دقيقة كاختبار الحمل، والفحص بالأمواج فوق الصوتية لتحري وجود الحمل…الخ
7- حقوق الزوج على زوجته الطاعة وليس التفاهم المشترك ( المادة 98)
8- من حقوق الزوج على زوجته أيضا الإشراف على البيت وإدارة شؤونه ( المادة 98)، حتى ولو كانت عاملة بنفس عمله خارج المنزل، بدل أن يوصى بمساعدتها في إدارة شؤون المنزل التي أصبحت تتطلب جهدا كبيرا في الحياة المعاصرة، وتشكل عبئا كبيرا حتى على المرأة المتفرغة لإدارة المنزل.
9- من حقوق الزوجة على زوجها زيارة الأهل واستزارتهم بالمعروف، (المادة 99 )، وذلك يعني ضمنا أن من حق الزوج ألا يسمح لزوجته بغير تلك الزيارات.
10- للزوج حق إسكان ابنه من غير زوجته معها بينما ليس من حقها ذلك إلا برضا الزوج ( مادة 129).
11- على الزوجة السفر مع زوجها ( مادة 130) دون اعتبار لمكان عمله أو رغبتها، أو التفاهم بين الشريكين على تلك المسألة.
12- نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة نفقتها على زوجها ( المادة 155)، دون تحديد إن كانت المرأة عاملة أم لا، تحمل هذه المادة تمييزا معنويا ضد المرأة وماديا ضد الرجل.
13- يتيح القانون للزوج الطلاق بإرادة منفردة ( المادة 164، 166)، وهو فسخ لعقد تم برضاء الطرفين ويفسخ بإرادة طرف واحد.
14- التعويض المادي في الطلاق التعسفي فقط إن كان الزوجة ستصاب ببؤس وفاقة و لا يتجاوز نفقة سنة لأمثالها ( المادة 180).
15- الخلع عقد بين الزوجين يتفقان فيه على إنهاء الزوج ببدل تدفعه الزوجة..( المادة 181 – ) بدل عن ماذا؟
16- للزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة ( مادة 240، مادة 207) دون اعتبار لإرادتها.
17- ليس للأم أن تسافر بولدها في أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه (مادة 320) والعكس ليس صحيحا.
18- الولاية على نفس القاصر للأب ثم الجد العصبي ثم للعصبات ( مادة 354) ولاتنتقل للأم إلا إذا لم يكن له عصبة ( حسب المادة 48).
19- في ميراث ذوي الأرحام مطلقا للذكر مثل حظ الانثيين ( مادة 609 وغيرها من مواد الإرث).
20- يبدأ التمييز بين الذكر والانثى من المرحلة الجنينية ( 611-613).
21- بل إن القانون يميز حتى بين الوالدين في حال مرضهما فيعطي الزوجة حق رعاية والدها المريض في المادة 131، ولا يعطيها حق رعاية والدتها المريضة، أي أن لزوجها الحق في منعها من رعايتها.
التمييز ضد الرجل:
1- يلزم الزوج بدفع النفقة إلى زوجته ولو كانت موسرة الحال ( مادة 136)، كما أن المواد المتعلقة بالنفقة تلزم الزوج دون ولا تلزم الزوجة العاملة بالإسهام في نفقات الأسرة.
2- تطلق الزوجة بعد إمهال الزوج المعسر ثلاثة أشهر( مادة 208).
التمييز على أساس ديني وطائفي
يتعارض التمييز على أساس ديني وطائفي ضد المواطنين غير المسلمين مع المادة 25 من دستور الجمهورية العربية السورية الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف جنسهم وعرقهم ودينهم، ويتجلى هذا التمييز في عدة مواد من مشروع القانون الجديد، وبالأخص ضد المرأة غير المسلمة، وذلك بالمواد التالية:
1- المادة 3 : تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجة كتابية، حين الضرورة، ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية
2- حق الابنة في رعاية أبيها المريض ( ولو كان غير مسلم )! (المادة 131)
3- تجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين (المادة 142)
4- نفقة الزوجة على زوجها ولو كانت كتابية! (المادة 155)
5- لا نفقة مع اختلاف الدين إلا للأصول والفروع (المادة 161)
6- في كفالة الصغير يشترط اتحاد الدين بين الكفيل ورئيس الجمعية!( المادة 277)
7- تسري شروط الأم الحاضنة على سائر الحاضنات ماعدا اختلاف الدين (المادة284)
8- حرمان الأم الحاضنة غير المسلمة من حضانة ابنها بعد 4 سنوات من العمر (المادة 293)
تعاريف قانونية
هنالك مبدأ قانوني متعارف عليه عالميا وهو أن تعرف المصطلحات المستخدمة قانونيا، وذلك ما لا يتوفر في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، إذ ترد مصطلحات دون تعريف قانوني فرغم أن الزواج نفسه معرف إلا أننا لا نجد في كل القانون تعريفا واضحا للمهر، ربما لأن المشرع المعاصر وجد حرجا من تعريفه بأنه ” ثمن الوطء” لذا تغاضى عن ذلك التعريف، كما أن المشروع لا يعرف الولي، أو الكبيرة، أو غير ذلك وحتى إن عرّف نجد تعريفاته في معظم الأحوال غامضة مبهمة والسبب في ذلك أنه تم استعاراتها من عصر آخر لا علاقة له بالعصر الحديث، كتعريف الكفاءة، أو المسوغ الشرعي أو غيرها.
مفاهيم وتناقضات قانونية
1- لعل الخلل الكبير والذي يمكن ان يرقى إلى مستوى الفضيحة القانونية، هو (المادة 640) و التي تبيح الزنى والزواج الثاني للأزوج المسيحيين، وبغض النظر أن ذلك مخالف لتعاليم الدين المسيحي، فمن الواضح انه تم صياغة مواد قانونية تحمل صفة الخصوصية الطائفية، دون استشارة الطائفة نفسها، لكن الأنكى من ذلك أن تلك المادة القانونية لم تحدد أي من الزوجين يحق له الاستمرار في العلاقة الزوجية في حال وقوع الزنى أو الزواج الثاني، إذ تبين المادة المذكورة أن الدعوى تسقط بانقضاء ستة أشهر من تاريخ العلم بوقوع الزنى أو الزواج الثاني، او صفح الزوج المدعي عن المخطئ، ويمكن لمشروع القانون أن يفخر بأن له قصب السبق في تشريع تعدد الأزواج في الدول المدنية الحديثة!!!!
2- حاول المشرعون إدخال بعض المفاهيم العصرية على مشروع القانون، إلا ان محاولاتهم تلك باءت بفشل ذريع لأنها أقحمت تلك المفاهيم إقحاما على منظومة فكرية سلفية متخلفة، فنجد القانون يحدد حقوقا مشتركة للزوجين في (المادة اليتيمة 97) ، ثم لا يلبث أن ينقلب على نفسه في المادتين التاليتين ليعطي الرجل حق السماح والمنع، والزوجة وجوب طاعته! وحتى لو أباح القانون للمرأة أن تعتني بوالدها ( وليس والدتها) المريض، أو يلزم الزوج بنفقة تعليمها( المادة 140) إلا أنه يشرط ذلك بعدم تعارضه مع واجباتها الأسرية، ومعلوم كم هو مطاط هذا المفهوم.
3- يتعمد المشرع التغاضي عن ذكر المرأة العاملة، رغم تزايد عدد النساء العاملات اضطرادا، وضرورة أخذ الوضع الجديد للمرأة داخل الأسرة نتيجة عملها خارج المنزل ساعات طويلة، والدخل الذي تؤمنه، والذي يفوق في بعض الحالات دخل الرجل، وضرورة تحمل جميع أفراد الأسرة عبء العمل المنزلي، للتخفيف من الضغوطات التي ولدها التناقض بين النظرة التقليدية النمطية لواجبات المرأة داخل الأسرة، والمؤيدة بالقانون، وبين واجبات ومسؤوليات كل فرد داخل الأسرة التي يعمل فيها كلا الأبوين خارج المنزل. كما يناقض مشروع القانون في جميع فقراته الدستور، وقوانين العمل المعمول بها في سورية (قانون العمل الموحد، وقانون العاملين الأساسي) والتي تعطي المواطن ذكرا كان أم انثى حقوقا وواجبات متساوية، إلا أن سيف الطلاق التعسفي يبقى مسلطا على رقبة الزوجة، مهددا إياها بهدم كيان أسرتها إذا أصرت على العمل أو اختيار نوعيته أو مكانه أو تنفيذ المهام الموكلة إليها فيه، دون موافقة زوجها، الذي صحيح أنه لا يستطيع قانونيا منعها من العمل أو التقدم فيه، إلا أنه يستطيع ببساطة تطليقها دون تبعات تذكر. وكسابقه لا يحدد المشروع الجديد العلاقة بين المرأة العاملة وزوجها، بل يذكر مرة واحدة وبشكل عارض أن نفقتها تسقط إذا عملت خارج المنزل دون إذنه، ويتساءل المرء هنا، على أي أسس تقوم علاقة زوجية لا يتفاهم فيها الزوجان على عملهما خارج المنزل، كما يذكر في (المادة 320) أن المرأة الحاضنة يمكنها أن تسافر بمحضونها داخل القطر إلى البلدة التي تعمل فيها لدى أي جهة من الجهات العامة، ولكن شريطة أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيما فيها!! وما ذا تفعل لو كلفت من قبل الدولة بالعمل في مدينة لم يكن لها فيها محرم، ومتى كان مفهوم المحرم موجود في بلدنا في العصر الحديث، حيث تعيش الكثير من النساء والأمهات لوحدهن أو مع أطفالهن في بيوت مستقلة هن فيها مسؤولات مسؤولية كاملة عن حيواتهن وحيوات أبنائهن؟؟ كما تحتم (المادة 130) على الزوجة السفر مع زوجها، دون أي ذكر لعملها أو مكانه، وبالمناسبة يتفرع عن هذا المفهوم القانوني المتخلف تطبيقات إدارية عديدة، كأن يصرف للزوج الديبلوماسي في حال تكليفه بمهمة خارج القطر تعويض سفر وإقامة زوجته وأولاده، في حين لا يصرف مثلها للمرأة الديبلوماسية، علما بأن تواجد المرأة اليوم في السلك الديبلوماسي يزيد على نسبة 11%، وبينهن سفيرات في عواصم عالمية هامة. من ناحية أخرى ينيط القانون بالمرأة جميع المهام المنزلية، دون اعتبار لكونها عاملة أم لا، في حين يعطي الرجل الحق في الراحة التامة بعد العودة من العمل، حتى لو كان يقوم بنفس عمل الزوجة تماما.
4- يتناقض مشروع القانون مع الدستور والقانون المدني في مسألة اعتبار المرأة مواطنا كامل الأهلية، إذ تعتبر شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد، في حين تعتبر شهادتها شهادة كاملة وفقا للدستور وفي القانون المدني.
5- في سابقة قانونية خطيرة لم تكن موجودة في القانون الحالي، يعطي المشروع الجديد الحق لأي شخص الادعاء في عدة قضايا ومن بينها فسخ عقد الزواج بين زوجين، حتى ولو لم تكن له مصلحة في ذلك( المادتين 21،22)، وذلك مطابق لقانون الحسبة في مصر والذي نتج عنه مأساة تطليق المفكر نصر حامد أبو زيد من زوجته، رغما عنهما، بناء على دعوى أقامها شخص لا يمت لهما بأي صلة، لمجرد انه وجد في أفكار أبا زيد ما لا يعجبه، فكفره، فأين ذلك من الحقوق الشخصية للمواطن التي صانها الدستور والقانون؟
6- حد القذف المذكور في المادة 220 غير موجود أصلا في قانون العقوبات، الذي عاقب مثل هذه الجرائم بالحبس.
7- يعارض المشروع من رؤيته الضيقة للشريعة الإسلامية، مبدأ التساوي في الإرث، رغم أنه يقر بمبدأ إرث الأراضي الأميرية والوصية الواجبة غير الشرعيين من وجهة النظر الفقهية الضيقة.
8- التناقض ضمن مشروع القانون نفسه، كسن الزواج الذي تحدده (المادة 44) ب18 سنة للفتى و17 للفتاة، وطبعا لا يوجد منطق في الدنيا يبرر أن لا يكون سن الزواج للفتاة أيضا 18 سنة، سوى عدم احتمال فكر المشرع أن يتساوى الرجل والمرأة حتى في تلك المسألة. ورغم ذلك يعود القانون لينقض نفسه في المادة 45 التي تبيح للقاضي أن يأذن بتزويج المراهق إذا أتم الخامسة عشرة والمراهقة إذا أتمت الثالثة عشرة، إذا ادعيا البلوغ، وإذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما ( كيف؟ ولماذا؟) أما المادة 82 فتسمح بالمصادقة على عقد الزواج إذا أتم الفتى 17 والفتاة 15؟؟؟
ايجابيات القانون
رغم كل ما تحدثنا به سابقا، لابد لنا أن نذكر هنا، كي تستوفي الدراسة شروط الموضوعية، بعض النقاط الايجابية التي ورد ذكرها في المشروع الجديد، رغم أنها كما ذكرنا لا تخرج عن إطار المنظومة المتخلفة المتكاملة، وتتلخص تلك النقاط في ما يلي:
1- صندوق التكافل الأسري، وتستحق الأرامل والمطلقات نفقاتهن من هذا الصندوق، مع أنه من السهل جدا إثبات عدم استحقاقهن لهذه النفقات، إذا حصلن على مساعدة ولو بسيطة جدا من الأهل، أو عملن بأجور متدنية.
2- أليس من العدالة أن يتلقى الزوج المعسر إعانة من الصندوق نفسه، ما دام القانون يبيح لزوجته طلب الطلاق بعد 3 أشهر من إعساره، أليس في ذلك حماية لكيان الأسرة والأطفال؟
3- يحسب لمشروع القانون الجديد إفراد مادة خاصة للحديث عن الحقوق المشتركة للزوجين داخل الزواج( مادة 97) ، ومادة أخرى عن حقوق الأطفال على أبويهم ( المادة 272)، رغم أنه لحقت بتلك المادتين عشرات المواد التي تتناقض معها.
4- وضع مصلحة المحضون في تقرير تمديد فترة حضانة الأم له، وإن كان الأولى وضع مبدأي التخيير ومصلحة المحضون كمعيارين لتحديد مسألة الحضانة ككل.
5- الوصاية على القاصر للأفضل سواء كان الوصي ذكرا أم أنثى ( المادة 375)
6- يعتبر مشروع القانون الجديد طلاق المرأة المفوضة بتطليق نفسها طلاقا بائنا ( المادة 170)، في حين كان يحق للرجل مراجعتها أثناء عدتها في القوانين السابقة.
فهل شكلت هذه الايجابيات أسبابا موجبة كافية لاستبدال القانون الحالي بالمشروع موضوع الدراسة، وهل استطاعت أن تلبي احتياجات العلاقات الجديدة التي أنتجتها الحياة المعاصرة؟
نحو قانون أسرة عصري بديل:
غالبا ما نُسأل، نحن النساء، وبالأخص الناشطات في مجال دعم قضايا المرأة، والرجال الذين قادهم حسهم الإنساني العميق إلى وجوب حصول كل إنسان على حقه، وإلى أن لا نهوض للأوطان إلا بالنهوض بالمرأة، غالبا ما نُسأل: ماذا تريدون؟
وببساطة نجيب، نريد قانون أسرة عصري، يحمي حقوق جميع أفراد الأسرة نساء ورجالا وأطفالا، ويطلق قدراتهم وطاقاتهم الكامنة كي يشاركوا جميعا في مسيرة بناء الوطن وتنميته.
قانون ينسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة، ويجيب على أسئلتها، ينظم العلاقة بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات بما ينسجم مع دستور الجمهورية العربية السورية، وقوانين الدولة السورية، التي هي الأخرى بحاجة لتعديل موادها المجحفة بحق المرأة وخاصة في قانوني الجنسية والعقوبات، ولأنظمتها النافذة التي تحمل أيضا تمييزا مستترا ضد المرأة.
قانون ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سورية، وألزمت نفسها بتغيير قوانيها وأنظمتها النافذة بما ينسجم معها، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة( السيداو) ، واتفاقية حقوق الطفل.
قانون عادل مبني على مبدأ المشاركة واحترام إرادة الطرفين المبرمين للعقد بنفس القدر واحترام شروط ذلك العقد، وضمان حقوق طرفيه أثناء الشراكة وعند انفضاضها، لكنه يضع بالأساس العلاقة الإنسانية بين الشريكين ومصلحة الأطفال الفضلى في قمة أولوياته.
قانون لا يقوم على مبدأ الشراء أو الامتلاك، بل يتحمل طرفيه، كل حسب قدرته، مسؤولية بناء المؤسسة الزوجية، وتأمين مستلزمات هذه المؤسسة معنويا وماديا، وأساسا مسؤولية العناية وتنشئة الأطفال وتأمين جميع متطلباتهم المعيشية والعاطفية والصحية والتعليمية والترفيهية.
قانون يتوخى العدل في موضوع الإرث، في زمن أصبحت فيه الابنة كالابن مسؤولة عن رعاية والديها عند الكبر، ولم يعد الجد مسؤولا عن أبناء ابنه المتوفى، وأصبحت الأرملة أو المطلقة، هي المسؤولة الأولى، وربما الوحيدة، عن معيشة وتربية أبنائها، دون أي مساعدة من العائلة في أغلب الأحيان، ولم يعد فيه الأخ مسؤولا عن أخته، فالأحكام تتغير بتغير الأحوال، والأساس هو العدل، وذلك هو جوهر الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
قانون يراعي العدل أيضا عند انفصام عرى العلاقة الزوجية، بمراعاة مصلحة الأطفال الفضلى في مسألتي الحضانة والإنفاق، وتأمين سكن الحاضن أما كانت أم أبا، مادام الأطفال بحضانته، ويضمن تقسيم ثروة الأسرة بالعدل بين الطرفين، حتى ولو لم تكن المرأة عاملة خارج المنزل، إذ يكفي السنوات التي قضتها في رعاية الأطفال ثمرة الزواج.
هل الشريعة هي العائق؟
هل الشريعة الإسلامية هي حقا العائق أمام استبدال القانون الحالي المتخلف ومشروع القانون الجديد الأكثر منه تخلفا، بقانون أسرة عصري بديل؟
لنعد إلى النصوص والحوادث الدينية في صدر الدعوة:
أساس نظرة الإسلام للمرأة:
تتضح مكانة الإنسان بشكل عام امرأة كان أو رجلا والمساواة بينهما مساواة كاملا في المكانة الإنسانية والتكليف الثواب والعقاب في أكثر من ستين آية قرانية كريمة منها:
” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” الحجرات 13
” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ” التوبة 71
أما فيما يتعلق بالأحوال الشخصية موضوع بحثنا هذا فيمكن استقاء روح الأحكام الدائمة من الكثير من النصوص والحوادث التي حفلت بها السيرة النبوية، فالدعوة التي لم يكن من الممكن أن تغير سريعا المجتمع القائم على استغلال القوي للضعيف إلى مجتمع أكثر عدلا، وضعت أسس التغيير التدريجي الذي لو استمر كما كان ينبغي له أن يسير طبقا لروح الإسلام ورسالته العادلة، لوصلنا إلى المجتمع القائم على العدل والمساواة والمحبة بين البشر، وهو مبتغى الدعوات والحركات الإصلاحية على امتداد التاريخ البشري:
الزواج في الإسلام:
يرسي الإسلام حكما عاما أزليا يعرف الزواج تعريفا إنسانيا متطورا صالحا لكل زمان ومكان في الآية الكريمة:
” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” الروم 21 .
فالزواج هنا هو أرقى أشكال الاتحاد بين إنسانين، ذكر وأنثى، لهما نفس المرتبة الإنسانية، لأنهما خلقا من نفس واحدة. اتحاد يقوم على المودة والرحمة، بحيث يكون كل منهما سكنا للآخر، أي ملجأ روحيا ونفسيا في مختلف مراحل الحياة. فالمساكنة القائمة على المودة والرحمة هي جوهر هذه المؤسسة، وهو التعريف الأبلغ والأرفع لتلك العلاقة الإنسانية التي تقوم بقصد الاستمرارية وتكوين الأسرة التي ستحتضن أطفال المستقبل، إذ لم تعرّف هذه العلاقة لا بالحب ولا بالعشق ولا بالرغبة الجنسية، وكلها عوامل تزول بفعل الزمن حتى لو كانت متقدة متوهجة في بداية العلاقة بين الذكر والأنثى، بل عرّفت بتلك العلاقة الإنسانية التي لا تخبو ولا تنضب والقائمة على سكن كل نفس للأخرى وعلى المودة والرحمة.
في تلك الآيات التي حددت أسس الزواج في الإسلام، لا نجد أي إشارة إلى المهر أو القوامة أو الإنفاق أو التعدد، بل الاتحاد النفسي والروحي بين نفسين، ذكر وأنثى. وكما يتضح من الآيات السابقة، فالقاعدة الأساسية للزواج في الإسلام هو الأحادية، أما التعدد فقد ورد في الآيات التي تضبط أحكاما متعلقة بالأحوال التي سادت في زمن نزولها، وقيدت بشروط تتناسب وذلك.
اختيار الزوج :
أعطى الإسلام المرأة الحق بالموافقة على الزواج أو رفضه” الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ” (صحيح مسلم، سنن أبي داوود ) .
ومن الطبيعي آنذاك أن يختلف وضع الأيم عن البكر، إذا علمنا أن البكر كان يعقد قرانها وهي طفلة وتزوج عند سن البلوغ، فمن الطبيعي أن لا تستطيع الفتاة في هذا العمر أن تقرر لوحدها موضوع زواجها، أما في عمر أكبر بعد أن تكون قد كبرت ومرت بتجربة الطلاق، وغالبا الترمل، فهي قادرة على تقرير من تختاره .
المهر:
كان المهر قبل الإسلام كما ذكرنا ثمن شراء المرأة من قبل الزوج يدفعه لمالكها وهو وليها، وطبعا لم يكن بمقدور الدعوة الجديدة قلب هذا المفهوم، الذي بقي حتى يومنا هذا، لكن الإسلام أضفى على المهر بعدا أكثر إنسانية, فوصفه بالهدية ” وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ” النساء 4.
وقد بينت لنا بعض الحوادث المذكورة في السيرة النبوية، كيف بدأ المهر يأخذ شكل هدية معنوية، أكثر منها مادية، في تطور بطيء لإنهاء مفهوم الزواج كشراء للمرأة، إلا أن هذا التطور قطع للأسف بقسوة تحت وطأة الضغوط الاجتماعية الرافضة للتغيير، بعد النكوص الذي لاقاه مفهوم التعامل مع المرأة انسانا حرا كامل الأهلية في الدعوة الجديدة.
” عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام” فقد “أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما ” ( سنن النسائي )
وفي حديث من السيرة النبوية، أن رجلا أراد الزواج من امرأة ولم يكن يملك شيئا يدفعه مهرا لها، فسأله الرسول الكريم ” ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها فقال تقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم قال اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن ” ( صحيح البخاري ومسلم وغيرهما )
القوامة:
يتفرع عن منظومة قوامة الرجل على المرأة سيطرة مطلقة داخل المؤسسة الزوجية، تتوافق والنظام الاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك، بدئا من الخطبة، حيث الرجل هو الذي يختار، وللمرأة فقط أن توافق أو ترفض.
أما ضمن المؤسسة الزوجية فرغم أن الإسلام حد كثيرا من سيطرة الرجل المطلقة على المرأة، مانحا المرأة استقلالها الاقتصادي، مانعا الرجل من التصرف بما تملك دون موافقتها، حاضا إياه على معاملتها بالمعروف والرفق واللين، بل مانعا إياه حق اتهامها بالزنا دون بينة، إلا أنه كان من المستحيل القفز فوق مراحل تاريخية متعددة، لم تصلها البشرية حتى اليوم، بإيجاد صيغة تفاهم أسروي يقوم على التفاهم والحب، لا على السيطرة والقهر .
فبقي الرجل هو الآمر الناهي داخل المؤسسة الزوجية، وبقي الرجال يقاومون الامتيازات التي منحها الإسلام للمرأة بكل ما أوتوا من حجج، وهنا يحدثنا عمر بن الخطاب ( رض ) :
” والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم، فبينا أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها مالك ولما هاهنا وفيما تكلفك في أمر أريده، فقالت لي عجبا يا ابن الخطاب ما تريد ان تراجع انت وإن ابنتك لتراجع رسول الله ( ص ) حتى يظل يومه غضبان، فقام عمر فاخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها يابنيّة إنك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان، فقالت حفصة إنا لنراجعه فقلت تعلمين إني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله إياها، يريد عائشة، قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها فقالت أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه “(البخاري ومسلم )
ورغم أن سيرة الرسول ( ص ) كانت مثلا واضحا للصحابة وبقية المسلمين في أن على الزوج أن يعامل زوجته كإنسانة لها الحق في القبول والرفض والاختيار في كل مسائل الحياة اليومية، إلا أن نفسية الفرسان الأشداء آنذاك لم تكن قد هيأت لقبول مثل ذلك التغيير، الذي سيسلبهم امتيازات كانوا يعتبرونها من طبيعة الأشياء، ولم يكن يدور بخلدهم ذات يوم انها قابلة للمناقشة أو المراجعة. وقد بقيت تلك المقاومة الضارية لامتيازات المرأة داخل المؤسسة الزوجية هي الموجه الرئيس لأفكار الرجال الذين تنطعوا لتفسير أحكام الإسلام على امتداد القرون التالية، فقد الغوا وتناسوا كل الإشارات والدلالات ومقاصد الأحكام المتعلقة بالمرأة داخل المؤسسة الزوجية، ولم يقروا سوى بامتياز الرجل داخلها، وقد اعتبرت آية ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ” النساء 34 تشريعا وحيدا ناظما لتلك المؤسسة، فقد استنبطوا من ظاهر قوله تعالى ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أن القوامة تستند إلى تفضيل إلهي مطلق لجنس الرجال على جنس النساء، وأن ذلك حكم إلهي على مدى الأزمان والعصور، لا يجوز نقاشه او تفسيره تفسيرا يتناسب وسياقه التاريخي.
وتأتي الآية الكريمة ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ” النساء 32
لتفسر التفضيل الذي عنته الآية الأولى، أي تفضيل الله تعالى الرجال على النساء بالرزق، واستخدام الفعل الماضي في الآيتين السابقتين هو توصيف لواقع الحال آنذاك، الذي كان فيه كسب النساء، حتى العاملات منهن في الزراعة أو الرعي أو الأشغال اليدوية، أقل بكثير مما يكسبه الرجال من غنائم الحرب، أو التجارة التي كانت حكرا على الرجال، إلا فيما ندر( السيدة خديجة ( رض)) .
فالقوامة هنا قوامة متعلقة بالسيادة الاقتصادية، التي مازالت منذ بدء الخليقة تصنف البشر في درجات وطبقات، لكنها لم تكن أبدا مقصد الشريعة الإسلامية، بل كل الشرائع التي أتت داعية إلى العدل بين البشر. وإلا لتناقض جوهر المعنى هنا مع الآيات الكريمة التي تساوي مساواة تامة بين الرجل والمرأة في التكليف والأهلية والثواب والعقاب.
وحيث أن تبدل الأحوال تستدعي تبدل الأحكام، فلا بد هنا من الوقوف طويلا أمام مفهوم القوامة الذي لم يعد مرتبطا بالسيطرة الاقتصادية، نتيجة خروج المرأة إلى سوق العمل، والذي لم تفرضه الحاجة الاقتصادية فحسب، بل تغير مفاهيم العصر أيضا.
تعدد الزوجات:
لم تبح العقيدة الإسلامية تعدد الزوجات إباحة مطلقة، كما كان الأمر في مجتمع ما قبل الإسلام، وإنما قننته، وحددته بأربع، ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء , مثنى وثلاث ورباع” النساء 2 ووضعت له شروطا، فربطته بالعدل، فلم يعد شرط التعدد هنا المقدرة المالية للرجل كما كان الحال قبلا، بل العدل “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ” النساء 3، ثم لتأتي الآية الكريمة” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ” النساء 129، فشرط العدل ينفي إباحة التعدد ما دام الرجل غير قادر عليه، فلن يستطيع الانسان أن يعدل حتى لو حرص، وإن خاف ألا يتمكن من تحقيق هذا الشرط فليكتف بواحدة، والحكم واضح جلي هنا، يكاد يصل إلى التحريم. ويقول الطاهر الحداد في هذا السياق” ولكنه مهما كان الإسلام مضطرا إلى التدرج في تنفيذ غاياته وأحكامه، فقد برهن حبه للتوحيد بما نص عليه من تعذر العدل بين النساء. على أننا إذا رجعنا للآية القرآنية التي فسرت الزواج بأنه يقوم على المودة والرحمة وسكون النفس للنفس كما هو منطوقها- ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” الروم 21 – أدركنا تعذر انقسام هذا الشعور وآثاره في الحياة سوية بين الرجل ونسائه” الطاهر حداد ( امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص 124)
ودليل وقتية الحكم هو ربطه بموضوع اليتامى ” وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ” النساء 3
ففي مجتمع محارب يغزو ويغزى كانت أعداد الرجال تنقص عن أعداد النساء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار نشوء عدد كبير من الأيتام، فقد كان في زواج المرأة غير القادرة على إعالة نفسها وأيتامها ضرورة اجتماعية لحمايتها هي وأبنائها من الفاقة، ومن اعتداء الغير في مجتمع لم يكن قادرا على التخلص بعد من جوهر علاقاته القائمة على سطوة القوي على الضعيف.
الطلاق في الإسلام:
أباح الاسلام الطلاق، لكنه اعتبره أبغض الحلال، ويبدو واضحا في أحكامه الدعوة إلى التعامل بالمعروف والاحسان عند فصم العلاقة الزوجية حفاظا على سلامة المجتمع وبالطبع الأطفال، نتاج الزواج.
وتماما كما يحصل في عقد الزواج فقد اشترط الاسلام الاشهاد على تثبيت الطلاق “فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم” الطلاق: (2)
” وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا” البقرة: (231)
وقد ألزم الإسلام المجتمع وأولي الأمر بتأمين معيشة لائقة للمرأة المطلقة غير القادرة على القيام بأود نفسها ” يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا” الطلاق: (1)
حض الاسلام على المصالحة في حال وجود خلاف بين الزوجين، وطلب من الأقارب أو أولي الأمر أن يتدخلوا للصلح بينهما، فالصلح خير، وذلك حفاظا على العلاقة الزوجية والأسرة
” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما” النساء: (35)
” وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير” النساء: (128).
العدة:
نظم الاسلام فترة العدة التي على المرأة التزامها بعد الطلاق قبل الزواج من آخر، وذلك من أجل صحة النسب ” وللمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولايحل لهن أن يكتمن ما في أرحامهن” البقرة:ٌ (228)
أما عدة الأرملة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام ” والذين يتوقون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير” البقرة:ٌ (234)
ومن في سن اليأس ثلاثة أشهر، في حال الارتياب بكونها حاملا، وعدة الحامل لحين ولادتها”واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” الطلاق: (4)
ودليل أن العدة هي فقط لصحة النسب أن الطلاق من غير دخول لا يحتاج إلى عدة
“يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا” الأحزاب:(49)
ولم يشترط الاسلام على المرأة المعتدة سوى عدم الزواج في فترة العدة، لا كما هو شائع حاليا بأن تقبع في بيتها ولا تخرج منه وتمتنع عن أي نشاط خارجه. ثم إذا كانت الغاية من العدة ثبوت صحة النسب أليست الفحوص الطبية الحديثة بقادرة على ذلك اليوم؟
الحضانة:
لا يوجد في القرآن الكريم نص واضح بهذا الخصوص ، ولكن الآية الكريمة:
” لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإذا أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما” البقرة: (233)
فيها إشارة واضحة إلى ضرورة الرفق والرحمة عند معالجة هذا الموضوع ، بينما وردت في السيرة النبوية الشريفة حادثتان صريحتان :
” خير النبي ( ص ) رجلا وامرأة وابنا لهما فقال رسول الله يا غلام هذا أبوك وهذه أمك اختر ”
( أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داوود والدرامي )
و” إن امرأة جاءت الرسول ( ص) فقالت فداك أمي وأبي إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة فجاء زوجها وقال من يخاصمني في ابني فقال يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت وانطلق فأخذ بيد أمه فانطلقت به “.( أخرجه النسائي والترمذي وأبو داوود وأحمد والدرامي )
وفي الحادثتين خير الولد، وإن لم يكن واضحا في الحادثة الأولى خيار الصبي، إلا أن الولد في الثانية اختار أمه، فأعطيت حضانته .
وقال ( ص ) “من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة” .
وروي أن عمر بن الخطاب طلق زوجته الأنصارية بعد أن انجب منها ولده عاصما، ثم تزوجت بغيره، ثم أتى عليها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها ، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام ، فانطلقا إلى أبي بكر فقال له : مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبي فيختار لنفسه ( فتح القدير ، للشيخ الإمام كمال الدين محمد ) .
الإرث:
شكلت أحكام الإرث في الإسلام، بالنسبة للمرأة، قفزة نوعية عن الوضع الذي كانت عليه قبل الدعوة، إذ لم تكن المرأة ترث إلا فيما ندر، فالعرب كانت تقول “لا نورث من لا يركب فرسا ولا يحمل كلا،ولا ينكأ عدوا “، بل كانت المرأة تورث كمتاع في بعض الأحيان، كما ذكرنا سابقا. وكان رجال العائلة يستولون على أموال اليتامى، وخاصة اليتيمات، وقد استمر ذلك في السنوات الأولى للدعوة حتى نزلت الأحكام القاطعة التي تحرم على المسلمين أكل مال اليتيم وظلمه.
” وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا” (النساء 2)
وقد حدد الإسلام أربع حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل :
الحالة الأولى: ترث الأنثى نصف حصة الذكر في حالة الأخوة أولاد المتوفى، من الواضح جدا بالتمعن في الآيات السابقة، أن المواريث تطابقت مع الأحوال والأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في زمن الدعوة، ففي مجتمع كانت المرأة فيه تابعة، ملزمة نفقتها على الزوج، وفي الفترة بين زواجين على الأهل ( الأب ثم الأخ)، ومن ثم الابن، لأنها لم تكن عادة تكسب رزقها بنفسها، فمهمتها الأساسية آنذاك هي الإنجاب بالدرجة الأولى، لذا كان من الطبيعي أن يرث الأخ ضعف أخته ما دام ملزما بنفقتها، وملزما بدفع المهر للمرأة التي سيتزوجها هو، وملزما كذلك بالإنفاق على زوجته وأولاده، في حين كانت المرأة تحتفظ بإرثها، الذي يعطيها امتيازا يرغّب الخطاب بها، ويعينها على مصاعب الحياة في حال طلاقها أو ترملها إلى حين زواجها برجل يتكفل بنفقتها، فأعباء الأخ المادية كانت أكبر بكثير من أعباء أخته.
الحالة الثانية: في حالة التوارث بين الزوجين، يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه هي منه، لأنه ملزم بنفقة أولاده منها، بينما يلزم أهل الزوج حسب التقاليد القبلية بنفقة وحضانة أبناء ابنهم المتوفى، وتلك هي الحكمة من عدم توريث أبناء الابن المتوفى قبل أبيه، لأن العادات القبلية كانت تحتم على الجد أو العم احتضانهما وتربيتهما، وذلك ما يظهر جليا في سيرة النبي محمد ( ص) الذي احتضنه جده أبو طالب، وبعد وفاة جده احتضنه عمه أبو طالب.
الحالة الثالثة: يأخذ أبو المتوفى ضعف أم المتوفى إذا لم يكن لابنهما وارث، فيأخذ الأب الثلثان والأم الثلث، لأن الأب ملزم بنفقة الأم.
الحالة الرابعة: يأخذ أبو المتوفى ضعف أم المتوفى إذا كان عند ابنهما المتوفى ابنة واحدة ، فلها النصف ، وتأخذ الأم السدس ويأخذ الأب الثلث، لأن الجد في هذه الحالة ملزم بنفقة زوجته وهو ملزم أيضا بنفقة حفيدته حسب التقاليد القبلية التي كانت سائدة آنذاك.
أما في بقية حالات الإرث فترث المرأة مثل الرجل أو أكثر منه أحيانا، والقاعدة في ذلك واضحة بجلاء: الملزم بالنفقة يرث أكثر. واليوم وقد انتفى إلزام الأخ بالإنفاق على أخته، أو الجد على أحفاده، وباتت النساء العاملات ينفقن في الغالب كأزواجهن تماما، وربما يسألن عن نفقة أولادهن دون مساعدة العائلة في حال ترملهن أو طلاقهن، أفلا تستدعي تلك الأحوال تغيرا في الأحكام؟
إرث الأراضي الأميرية:
ترث المرأة في بلاد الشام الأراضي الأميرية بأحكام قانونية مختلفة عن الأحكام القانونية المستمدة من الأحكام الشرعية السابقة، حيث يرث الأصول والفروع فقط، كما ويكون الذكور والإناث من الأولاد والأحفاد متساوين في حق الانتقال أي ترث الأنثى مثل الذكر تماما عند وفاة والدهما.
و يطبق على الأراضي الأميرية قانونا عمل به إبان الحكم العثماني، ولما كانت الحكومات العثمانية قد نحت منحى الأنظمة الغربية في تنظيم أمورها القانونية ومن جملتها أنظمة الإرث الأجنبية التي تساوي بين الذكر والأنثى ، فقد طبق ذلك على الأراضي الأميرية أيضا، وبقي ذلك ساريا في بلاد الشام التي ورثت تلك القوانين العثمانية ولا زالت تعمل بها حتى اليوم. ومن الجدير بالتنويه أن حصر الإرث الشرعي تنظمه المحاكم الشرعية وفق النص القانوني أما حصر الإرث القانوني فتنظمه المحاكم الصلحية المدنية. فلماذا لا يعترض أحد على ذلك؟؟
الوصية الواجبة:
أقرت الوصية الواجبة مبدأ حصول الأحفاد على إرث من جدهم حتى ولو كان والدهم قد توفي قبله وهذا ما ترفضه المذاهب جميعها، لكن المشرع السوري أقره بناء على مستلزمات الحياة المعاصرة دون اعتراض أيضا، فهل الاعتراضات تقتصر فقط على كل ما يتعلق بالمرأة وحدها؟؟؟
زواج المسلمة بغير المسلم :
حرم الإسلام على المسلم والمسلمة الزواج بالمشركين ” ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ، ولو أعجبتكم ، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ” البقرة221 ، ومن الواضح أن في هذه الآية تساو كامل في تطبيق هذه الأحكام على المسلمة والمسلم بدليل تكرار نفس المفردات في خطاب واضح للرجال والنساء من المسلمين .
وقد اعتمد الفقهاء في تحريم زواج المسلمة بكتابي على الآية الكريمة ” يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن ” الممتحنة 10
ولكن بالعودة إلى أسباب نزول الآية نجد أنها تتعلق بحالة معينة وهي هجرة النساء المؤمنات من مكة إلى المدينة ، وترك أزواجهن من المشركين ، ولا تنطبق هنا كلمة كافر ، كما لم تنطبق أبدا على الكتابيين ، وقد ميز القرآن الكريم دائما بين المشركين والكتابيين ، وهكذا فلا توجد نصوص في القرآن والسنة تحول صراحة أو ضمنا بين زواج المسلمة ورجل من أهل الكتاب .ومصدر التحريم هو الإجماع.
خلفيات وظروف مشروع القانون:
لابد من الإشارة هنا إلى الغموض الذي أحاط بمشروع القانون، فقد سبق أن تبنت الهيئة الرسمية المعنية، أي الهيئة السورية لشؤون الأسرة، مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وشكلت لجنة علنية لوضع مشروع قانون أحوال شخصية جديد، مؤلفة من قانونين وعلماء دين متنورين وأخصائيين اجتماعيين، عملت لمدة أشهر وخرجت بتعديلات معقولة على القانون الحالي، متناسبة إلى حد ما مع متطلبات الحياة المعاصرة، وكان من الممكن اعتبارها خطوة للأمام نحو التغيير المنشود، ولكن فوجئ الجميع ومن بينهم أعضاء اللجنة أنفسهم بأنه في نفس الوقت الذي كانوا مكلفين به من قبل تلك الجهة الرسمية بوضع المشروع، كانت هنالك لجنة سرية مكلفة من قبل وزارة العدل، تعمل في الخفاء، ومن الواضح أنها مشكلة من علماء دين، سمحوا لأنفسهم تشريع قانون محدد بمنظور طائفة واحدة، وسمحوا لأنفسهم بأن يضعوا تشريعات للطوائف الأخرى وسمح لهم بتجاوز مفهوم المواطنة الحديث، ومخالفة الدستور والقوانين الأخرى المعمول بها في سورية.
هل يكفي تغيير القوانين؟
لابد من الإشارة هنا إلى أن تعديل القوانين لصالح المرأة ، ليس بلسما سحريا يمثل العلاج الناجع لجميع قضاياها ، إذ تقوى العادات والتقاليد أحيانا حتى على الدين والقانون، فالمرأة في الريف لا ترث رغم أن القانون يقر لها بذلك، وكثير من الأسر تتحايل على القانون بتزويج بناتها زيجات يعارضها القانون، ومن ثم الادعاء بوجود حمل لدى المرأة حيث تجبر المحكمة على تسجيل الزواج، دون أي عقوبة تطبق على الأهل أو الزوجين، ورغم التعديل اليتيم على القانون، الذي حدث في السنوات الأخيرة، والذي أقر رفع سن حضانة الأم لأطفالها، إلا أن رفض التعديلات الأخرى، كتأمين مسكن للحاضنة، أو نفقة لائقة من الأب لأطفاله ، يجبر كثير من النسوة المطلقات على التخلي حتى عن هذا المكسب القانوني الضئيل الذي جاء لمصلحتهن، لعدم قدرتهم على الإنفاق على أطفالهن.
هذا عدا عن أن كثير من النساء لا يعين حقوقهن أصلا، ويشعرن نتيجة الإرث التاريخي بمكانتهن الدونية أمام الرجل، فلابد إذا أن يترافق القانون بتغيير في الثقافة السائدة. وذلك يتطلب جهودا مشتركة من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، لنشر ثقافة بديلة، أساسها العدل والمساواة بين البشر، عن طريق التعليم والإعلام وجميع الوسائل المجتمعية الممكنة.
خاتمة:
وخلاصة الأمر أن ليس هناك ما يمنع وجود قانون أسرة، يمنح جميع أفرادها حقوقهم، ولا يتضمن ذلك إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة فحسب ، بل إلغاء جميع أشكال التمييز ضد أي فرد من الأسرة ، بما يتضمن ذلك من حماية للأطفال من العنف والإهمال اللذان يمكن أن يقعا عليهم من الأم أو الأب ، وحماية الرجل أيضا من التمييز ضده في المصاريف الهائلة التي يتحمل عبأها وحده عند تأسيس الأسرة كالمهر وتأمين المسكن وتأثيثه، حمايته من الظلم الذي يقع عليه في الكد وراء تأمين لقمة العيش لأسرته دون أن تكون زوجته ملزمة بإعانته حتى لو كانت امرأة عاملة، وذلك القانون لا يتعارض بالتأكيد مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها العادلة.
إن ما يمنع تطبيق مثل هذا القانون هو فقط العقلية الذكورية، التي سبق أن قبلت بإلغاء الرق و بتغيير الحدود في القانون كحد السرقة و الزنا والقتل ، في حين تقوّم الدنيا ولا تقعدها إذا طالب أحدهم بتغيير مادة واحدة من مواد قانون الأحوال الشخصية.
إن مطالبتنا بحقوق كاملة للمرأة، تدخل في إطار حق كل مواطن في العيش بحرية وكرامة، حياة عنوانها السعادة والهناء لا الشقاء والقهر، كما أن ضمان حقوق أي مواطن هو الذي يخلق منه شخصية مستقلة معطاءة مبادرة تسهم في مسيرة تنمية الوطن وتطويره .
موقع ثرى
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc