الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

التلفزيون السوري وأحداث إيران: فتنة استعمارية ضد دول الممانعة… والهدوء يسود طهران!

محمد منصور
يكشف التعامل الإعلامي مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران، عن حقيقة أن الصمت السياسي العربي تجاه تلك الأحداث، والتعبير عن موقف واضح منها (باستثناء تصريحات رسمية معدودة)، كان يتخذ من وسائل الإعلام الممولة من الأنظمة السياسية نفسها، وسيلة للتعبير عما لا يريد السياسيون قوله بصراحة.. ووجهاً لوجه!
وتبعاً لطبيعة العلاقات التي تربط بعض الأنظمة العربية بإيران، يمكن أن نرى طبيعة تغطية أحداث هذه الاحتجاجات الإيرانية الشعبية على نتائج الانتخابات، فمن حالة الشماتة المستترة في الفضائية المصرية، إلى لغة التحريض الخفي في قناة (العربية) السعودية، إلى حالة التوازن المنضبط في قناة (الجزيرة) القطرية، إلى صورة الخطاب الإعلامي المتماهي مع الموقف الرسمي الإيراني في الفضائية السورية… يتشكل المشهد الإعلامي على خلفية الموقف السياسي، الذي يضبط هوى الفضائيات العربية وأهواءها!
العنصر الآخر الذي يحدد اتجاه التغطية الإعلامية للاحتجاجات الشعبية الإيرانية المتصاعدة، هو طبيعة الأنظمة السياسية وشكل علاقتها مع الديمقراطية كثقافة وكخطاب (ولا نقول كممارسة لأن كل الأنظمة العربية تتفق في الممارسة على نبذ الديمقراطية) ففي وسائل الإعلام التي تتبنى أنظمتها خطاباً يحترم ثقافة الديمقراطية في الظاهر على الأقل، يمكن أن نرى حديثاً فيه شيء من الاحترام للإرادة الشعبية فيما يجري، أما في الأنظمة التي يعكس إعلامها خطاباً متشدداً ومتخلفاً عن لغة الإعلام المعاصر، فلا نرى ولا نسمع إلا صيغ الازدراء للتظاهرات الشعبية، ولمبدأ الاحتجاج على النتائج الرسمية للانتخابات باعتباره عملا عدوانياً وتخريبياً ومستفزاً وينال من هيبة الدولة، وليس سلوكاً ديمقراطياً لا سمح الله، ونقرأ على السطور وما بينها، خطاباً غاضباً من هؤلاء الغوغائيين الذين نزلوا إلى الشارع بدون إذن أو موافقة أمنية، وهم يستحقون قص رؤوس بلا شك!
هذا الخطاب مثلاً نجده في صورته النموذجية في وسائل الإعلام السورية، ولا فرق بين أن تتابع التلفزيون الرسمي الإيراني، أو ترى نشرة الأخبار في الفضائية السورية… بل ربما كانت الفضائية السورية ملكية أكثر من الملك، وقد عبرت عن غضبها من الإصلاحيين، وتجاهلت كل الآراء المؤيدة لهم من بعض المرجعيات الدينية الإسلامية، ورفضت في صياغة الخبر، وفي رؤية الحدث، وفي الحوار حوله، وفي التعليق عليه، رفضت أن تراه كتعبير عن حالة احتجاج شعبية في أية حال من الأحوال… وقد تبنت الفضائية السورية بحماس شديد، ودون استفتاء أي وجهة نظر أخرى، تبنت نظرية أن هذه الاحتجاجات مدفوعة من الخارج.. وفي تقرير إخباري بثته في إحدى نشراتها، اعتبرت ما يجري في إيران، وسيلة استعمارية جديدة للنيل مما أسمته (دول الممانعة) ومحاولة إشعال الفتنة فيها، بعد أن فشلت كل سبل المواجهة معها!
ولعل أطرف ما في أداء الفضائية السورية تجاه أحداث إيران، أن نشرة الأخبار تعتم تماماً على وجهة النظر الإيرانية الأخرى.. فهي تحتفي بآراء المحافظين ووجهة نظر أجهزة الدولة الرسمية دون غيرها… بحيث لا يفهم المشاهد ما هي المشكلة وأين يكمن الاختلاف بين المحافظين والإصلاحيين، حتى يعرف لماذا حدث ما حدث… وقد تابعت نشرة أخبار الفضائية السورية منذ يومين، وكانت الاحتجاجات في أوجها، فسمعت المذيع يقول أن المرشح الخاسر حسين مير موسوي أصدر بياناً يدعو فيه أنصاره إلى ضبط النفس، فأصابني الذهول الشديد لأن الوقائع وحالة التصعيد لا تشي بذلك… وعندما عدت إلى قناة (الجزيرة) وجدت أن بيان موسوي يدعو أنصاره إلى مواصلة الاحتجاج وضبط النفس.. وقد حذفت أخبار الفضائية السورية عبارة (مواصلة الاحتجاج) فبدا المعنى مختلاً، وخارجاً عن سياق ما يجري على أرض الواقع!
هذا الأداء الإخباري الذي تتبعه الفضائية السورية، لا يخرج في الواقع عن سياق معالجاتها المتخلفة لكثير من الأمور والأحداث، وهو يؤكد أن الإعلام السوري مدافع خاسر عن أي قضية… فالخطاب المتشنج الذي يغيب وجهة النظر الأخرى، والذي يندفع لتكرار مقولات غوغائية بطريقة تفتقر للإقناع، وتجتر المعنى ذاته على مدى أيام وأيام، مهما تغيرت الوقائع على الأرض… والتأكيد المستمر على أن الهدوء يسود العاصمة الإيرانية، فيما صور الموبايل في المحطات الأخرى تقول غير ذلك… سوف يدفع أي مشاهد محب لإيران ومتضامن معها ضد محاولة الصيد في الماء العكر، أن يهجر الفضائية السورية بلا تردد أو إبطاء… أولا لأن الضجر سيأكله من التحليلات السياسية المتشابهة والمستنسخة والتي تدور في حلقة مفرغة وتقول فكرة واحدة، وثانياً لأنه ببساطة يريد أن يعرف ما يجري كي يأخذ موقفاً سليماً قائماً على العقل والمنطق، وليس على خطاب انفعالي تعبوي عفا عليه الزمن!
أفهم أن من الصعب على التلفزيون السوري أن يقف على الحياد المطلق في تغطية أحداث إيران، بسبب طبيعة العلاقات التاريخية التي تربط سورية بإيران، وبسبب أن التلفزيون السوري هو التلفزيون الرسمي المعبر عن موقف الدولة… هذا أمر لا نختلف عليه، لكنني لا أفهم لماذا يجب ألا نتعامل مع الحدث بموضوعية تشرح وجهات نظر الطرفين، وتتابع ما يجري بلغة الخبر لا بلغة التعبئة والمواقف المسبقة وموضوعات الإنشاء السياسي الخطابي!
وعلى أية حال لم يخن التلفزيون السوري في تغطيته لأحداث الاحتجاجات الشعبية الإيرانية هويته المعروفة التي عوّد مشاهديه عليها، من حيث تقديم معالجات مضجرة، تفتقر للشفافية والوضوح في عكس الصورة الكاملة، وتبقى خارج سياق التفاعل مع الحدث… وهو ما يشكل دافعاً مثالياً كي نهرب إلى محطات أخرى قد لا نتفق معها في الرؤية، لكنها تقدم لنا على أية حال نقلاً حيوياً متجدداً لما يجري، بحيث يشكل مادة معقولة للتواصل مع الحدث وفهمه.
ناقد فني من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى