آية الله منتظري عن الثورة بعد 30 عاما: إنهم يضعون الدستور تحت أقدامهم
بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إنتصار الثورة الإسلامية في إيران أجرت صحيفة “ماينجي” اليابانية حواراً مع آية الله العظمى حسين علي منتظري، وهو من أبرز قادة الثورة و مؤسسي الجمهورية الإسلامية ، شغل منصب نائب القائد او الامام طوال العقد الأول من عمر الثورة (1979-1989)، لكن الإمام الخميني نزع تكليفه بسبب أفكاره الخاصة.
فيما يلي نص الحوار الذي أعده للنشر سعود المولى:
السؤال 1: ذكرتم في مذكراتكم: “إنني كنت أحذر دائما السجّانين ومديري السجون من المعاملة غير الإسلامية مع السجناء، وكنت دائما أرسل ممثلين عني إلى السجون ليراقبوا أمر مراعاة الاخلاق الإسلامية وعدم ظلم السجناء وعدم تضييع حقوقهم، فحينما يكون شخص ما سجيننا فانه لا يجوز أن نظلمه حتى وإن كان – حسب قول السادة- من المنافقين. وكان السيدان أنصاري نجف آبادي ومحمدي يزدي ممثلين عني في السجون وكانا يلاحظان شكوى السجناء؛ وبإختصار فإني كنت معارضاً للتشدد وللعنف الحاصل ضد اي شخص؛ حتى انني قلت انه لا يصح التعبير عن هؤلاء السجناء او الخصوم بـ”المنافقين”. (المذكرات، ص 620). لكن البعض هنا في ايران يعتقد أن التشدد والغاء الفئات المعادية للثورة من أمثال مجاهدي خلق هو الذي ادى إلى تمكين أسس الثورة الإسلامية إلى الآن. وطبعا هذه النظرية تعني قبول إستخدام “القهر الديني وفقاً للضرورة”. فما هو رأيكم؟
منتظري: ان كل ما ورد في ما ذكرتموه عن مذكراتي كان محل إلتفاتي وحساسيتي في السابق وحتى الآن.. والحال أني قلت واقول ان جميع الأفراد سواء منهم المعارض أم الموالي لهم حقوق إنسانية وانه يتوجب مراعاة هذه الحقوق. وحساسيتي هذه قد زادت أكثر حينما رأيت أن من يُعتقل – ويكون سبب إعتقاله معارضته للنظام- يُواجه أسوأ الأوضاع في السجون. وأحيانا تكون الأحكام الصادرة بحقه لا تتناسب مع جرمه. كما انه لا يتم مراعاة الحقوق الإنسانية بالنسبة لمن يقضي فترة محكوميته في السجن. والأسوأ من كل ذلك هو ما حصل بعد معركة “المرصاد” من اعدام لبعض من حكم عليهم سابقاً بالسجن لفترة أعوام وذلك بسبب استمرارهم على مواقفهم المعارضة للنظام.. أنا لم أكن ولن أكون معارضاً لتنفيذ حكم من يرتكب جرماً ويكون الحكم صادراً عن محكمة صالحة مع مراعاة جميع مراحل الدعوى سواءاً مرحلة صدور قرار الإتهام، أو حق إمتلاك المحامي، أو حق الإستئناف الخ… ولكنني كنت أعتقد أنه، أولاً، لا يمكن مواجهة الفكر بالقوة القهرية، وثانيا أنه في حال صدور حكم فلماذا لا يمتلك المحكوم عليه حق الدفاع أو حق إمتلاك المحامي أو حق الإستئناف؟ ولماذا لا يعامل بصفته إنساناً؟ وبكلمة واحدة فإني كنت أنتقد التشدد والعنف وهدر الحقوق.
طبعا لا بد من الإشارة إلى أن المعارضين كانوا أيضاً في فترة من الزمن يمارسون العنف، وكانوا يستخدمون السلاح وأنهم، بأعمالهم هذه، فرضوا العنف والتشدد على النظام والثورة… والبعض. من خلال ممارستهم أعمال الإرهاب والإغتيالات، أعطوا ذريعة للنظام ليتشدد مع المعارضين منذ ذلك الحين وإلى الآن. ومن هنا فإن العنف الصادر من قبل الطرفين في الساحة أدى إلى سنّ سنة ونهج سيء لدى المؤسسات الأمنية والقضائية في البلد وذلك تحت شعار تمكين اُسس النظام، ونحن لا زلنا مبتلين بهذا الى اليوم.
السؤال 2: بالرغم من أن سماحتكم قد فقدتم نجلكم الكريم في حادثة إرهابية قام بها “مجاهدو خلق”، إلا أنكم كنت تؤكدون على المواجهة المصحوبة بالرأفة الإسلامية، واقترحتم ذلك على السيد الخميني. بإعتباركم والد فقد إبنه في حادثة إرهابية، هل كنتم تُكنّون البغض لهذه الفئة؟
منتظري: لا يخفى على أحد معارضاتي الفكرية مع منظمة “مجاهدي خلق” التي غيّرت إيديولوجيتها منذ سنوات ما قبل الثورة. في تلك الفترة كنت مع أشخاص آخرين، كـآية الله الطالقاني، في السجن وكنا نلتقي معهم وبما أنهم قد غيّروا أفكارهم وكانوا ينتمون إلى الماركسية فقد قمنا بمعارضتهم من الناحية الفكرية والعملية. ومنذ تلك الفترة تعرّفت على قادتهم وأفكارهم ورأيت غرورهم الكاذب وبناءاً على هذا رأيناهم بعد الثورة قد فصلوا طريقهم عن الشعب. وبعد ذلك أيضاً لم أتفق مع هذه الفئة أبداً، في حين أنهم كانوا يلتقون باشخاصهم او بمواقفهم وشعاراتهم مع آية الله الخميني وكانوا يتحدثون معه. طبعا ربما هو أيضا كان يريد أن يتم الحجة عليهم. فالسادة من منظمة “مجاهدي خلق” كانوا يريدون حصة أكبر وذلك من خلال طبائعهم اذ هم طلاب سلطة وسيطرة حصرية عليها، كان ذلك لا يتوافق مع سائر الثوار. فقاموا بأعمال عنف، ولم يقتلوا إبني فحسب بل قتلوا الكثير من الكبار ومن النخب الحوزوية والجامعية وكذلك من الناس العاديين، وبذلك فرضوا خسائر كثيرة على البلد. في ذلك اليوم الذي استشهد فيه إبني محمد -28 حزيران 1981- أصدرت بياناً وقلت فيه انه إضافة إلى إبداء حزني على فقدان ولد – كان لسنوات طوال قد ناضل وتحمّل التعذيب والتشريد والسجن – فإن حزني الأشد هو على أن فتيانا ذوي نقاء وطهر وحديثي العهد بالعمل السياسي والنضال، قد انخدعوا بشعارات واهية طرحها زعماء هذه المنظمة، وكان ذلك أصعب من إستشهاد إبني.
السؤال 3: لقد كتبتم رسالتين إلى الإمام الخميني قبل رحيله ابديتم فيهما سخطكم الشديد على إنتهاكات حقوق الإنسان في السجون. هل ان آية الله الخميني كان غير مطلع على هذه الإنتهاكات أو على المحاكم غير العادلة؟ أم أنه كان مطلعاً ولم يفعل شيئاً؟
السؤال 4: لقد أشرتم في مذكراتكم إلى “حواشي” السيد الخميني قائلين إنه “في الأعوام الأخيرة من عمره كان يجري في الكثير من الأحيان استغلال إسمه” (المذكرات، ص 663). ويستنتج من هذا أن الإشارة هنا إلى السيد أحمد الخميني أو الشيخ هاشمي رفسنجاني او السيد خامنئي. في تلك الفترة من كانت له القدرة السياسية؟
منتظري: في الجواب على السؤالين 3 و 4: أستبعد أن الخميني كان مطلعا على الوضع السيء في السجون. وبعض الذين كان هو يلتفت إليهم إما انهم لم يستطيعوا وإما انهم لم يرغبوا في أن يقدموا له التقارير، وإما ان حاشيته كانوا يراعون حاله فسعوا الى ألاّ ينقلوا الأخبار والتقارير إليه. في يوم من الأيام قلت له: سيدنا! إذا كان شخص لا يوافق الثورة ولا يوافقك لكنه منشغل بأمر نفسه ولم يمارس أي نشاط فهل يحق لنا حبسه في السجن؟ فقال: لا !، هل أنا من اصول الدين لكي يوضع في السجن من لا يقبلني؟، كان رأيه مثل هذا. ولكن البعض كان يفعل أشياء بإسمه وكانت تحصل أعمال كثيرة بإسمه وبالنتيجة أدت كلها إلى أضرار وخسائر للإسلام والثورة ولشخص آية الله الخميني.
السؤال 5: سماحتكم في مقابلة سابقة مع الصحيفة في شباط 2007 قلتم: “أن الثورة كانت من أجل حرية جميع أبناء الشعب، لا من اجل حرية الحكومة في ان تغلق أفواه المعارضين”. الآن وبعد مضي ثلاثين عاماً على حدوث الثورة الإسلامية في إيران، كيف ترونها؟
منتظري: كان آية الله الخميني قد رفع شعاراً ونحن كنا معه والناس أيضا كانت معه وبواسطة تلك الشعارات جاءت الناس إلى الساحة وانتصرت الثورة، وكان الشعار هو “الإستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية”. الإستقلال قد حصل إلى حد ما، لكن ماذا عن الحرية والجمهورية الإسلامية؟ لا يزال الطريق طويلا أمامنا. فبخصوص الحرية يجب القول إنه بالرغم من الشعارات الحالية التي يرفعها المسؤولون – ونموذج على ذلك ما قالوه في أميركا بأن إيران أكثر البلاد حرية في العالم (اشارة الى خطاب نجاد في الامم المتحدة) – فإن هذا القول غير صحيح… فالحريات المشروعة والمصرّحة في الدستور تسحق بسهولة وذلك من خلال الحصانة التي وضعها السادة لأنفسهم فوق الدستور والشرع!. ولا تزال أحزاب عدة لا تمتلك الحرية، وبعض الفئات السياسية اعتُبرت غير قانونية بسبب معارضتها لأسلوب الحاكمين. ووسائل الإعلام المادحة للحاكمين هي الحرة فقط ولها أن تقول ما تشاء أو أن تكتب بما تُؤمر به، ولكن الإعلام المستقل عن الحكومة يتحمّل مشاكل من جهة السلطات والمؤسسات الأمنية والقضائية. وبعض الأشخاص يحظر عليهم بث الاخبار او التصوير.
المسؤولون يتحدثون عن وجود الظلم وعدم العدالة في العالم؛ ألا يوجد في بلدنا ظلم ولا عدالة وتعدٍ على حقوق الآخرين؟!، لقد قلت في خطبة صلاة عيد الفطر: لماذا أغلقتم منذ عشرة أعوام الحسينية التي بنيت بأموال شخصية وكانت محل تدريس الفقه والاخلاق الإسلامية وإقامة المجالس الدينية؟ بعد قولي هذا رأيتم ما حصل، لقد إعتقلوا حجة الإسلام الشيخ مجتبى لطفي أحد أعضاء المكتب وتعرّض بيته وبيت صهري للتفتيش وصادروا أشياء كثيرة. لماذا إحتلّوا مكاتبنا في مشهد وقم؟
وحول الجمهورية أيضا لا بد من القول: مع التدخل الظالم للمؤسسات العليا القابضة على كل شيء كمجلس صيانة الدستور أو بعض المؤسسات العسكرية، تحولت الإنتخابات إلى تصفيات للمرشحين بكل معنى الكلمة. وقد وصموا أناساً لائقين وثوريين ومجرّبين في الخدمة العامة وخدمة الناس والمجتمع، وصموهم بتهمة معاداة الدين والنظام وتحت ذرائع واهية، والسبب الوحيد هو أنهم كانوا ينتقدون. وعمليا أدى ذلك الى رفض صلاحيتهم للترشح. وكل من على ذوق الحاكمين ينجح اسمه في صناديق الإقتراع ويعتبرونه –خطأ- ممثلاً عن الناس!، ومن الواضح أن هؤلاء هم وكلاء الدولة لا وكلاء الامة!
إن السادة يلاحظون فقط بند الولاية المطلقة، ولكنهم يضعون سائر بنود الدستور تحت أقدامهم. إن الولاية المطلقة التي يعتبر السادة أنها فوق القانون تؤدي إلى حكومة فردية وديكتاتورية، هذا في حين أنه يجب ان يكون الفقيه – بسبب كونه فقيهاً- مشرفاً على السلطات الثلاث من حيث التنبيه على ألا تمارس عملاً مخالفا لموازين الإسلام، لا أن يتدخل في كل جزئيات البلاد، وألا تكون هناك أي قدرة للناس ولمن ينتخب بواسطة الآراء الحقيقية للناس.
ومن الأمور الأخرى هي وضعية المعيشة والإقتصاد. فعلى الرغم من الشعارات المرفوعة نرى ان الناس مبتلون ويبتلون يومياً أكثر من ذي قبل.
السؤال 6: من مضمون رسالتين منسوبتين إلى الإمام الخميني إلى سماحتكم نرى أنه قد حذّركم من ممارسة أي عمل سياسي، ويُستنتج أنكم كنتم مرتبطين بـ”مجاهدي خلق”. ودفاعكم عن السجناء بعد الثورة ايضا هو مما يعزّز صحة هذا الإستنتاج. وبحسب رأيكم فإن الثورة يجب أن تكون في خدمة الإسلام والشعب، وأن تضع الرأفة الإسلامية نصب عينها. ولكن يُستشعر أن معارضيكم يستغلون آراءكم ضدكم وهذا أمر مؤسف.
منتظري: إنني أرى أن المسؤوليات الدنيوية أمر إعتباري ولم أكن أرغب فيها؛ وبناءا على هذا فانه حين وافق خبراء الشعب (اي مجلس الخبراء الذي يرشح الولي الفقيه) وأيدوا ترشيح الشعب لي كنائب للقائد، وذلك بطرحهم لعريضة يعرّفونني من خلالها قائداً مقبلاً، كتبت رسالة إلى رئيس الخبراء وأعلنت معارضتي للامر. وخلال الفترة التي كنت فيها مسؤولاً حاولت ألا أكون مدّاحاً. وأن لا اغفل عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على اعتبار أنني أصبحت قائم مقام القائد، وألا أصمت أمام الأخطاء. فإذا كان رأي آية الله الخميني ان يعزلني من منصبي فقد كان من الأجدر به أن يقول لي ذلك بشكل ودّي موضحاً أنه ليس من المصلحة أن تكون لدي مسؤولية سياسية. وكان هذا هو النهج الصحيح، لا أن يوجّه لي إتهامات كدعم “مجاهدي خلق” وذلك من دون أن يطلب مني إيضاحاً لكي يمكنني الدفاع عن نفسي، وأن يقول لي بوضوح: عليك أن لا تتدخل في الأمور السياسية. فهل حينما دخلت في ساحة النضال منذ عام 1963 كان ذلك بإذن ورأي أحد لكي أترك السياسة الآن؟! أفلا نقول إن سياستنا عين ديانتنا؟!، أليس آية الله الخميني بنفسه يقول – في كتاب تحريرالوسيلة، باب صلاة الجمعة-: “إن الذي يقول إن الدين منفصل عن السياسة لم يفهم لا الدين ولا السياسة”؟!، فلماذا يصدر أمراً يحدد فيه من عليه أن يتدخل في السياسة ومن عليه أن لا يتدخل؟
السؤال 7: السيد الخاتمي الرئيس السابق كان يبدي سياسة متعاطفة تجاه “مجاهدي خلق” وهو قد قبِل توبة الكثير من أعضاء المنظمة وأعطى إذنا بعودتهم إلى الوطن. البعض يعتقد أن سياسة السيد الخاتمي جاءت في زمن كانت قد اثمرت فيه المواجهات المتشددة التي كانت تمارسها الجمهورية الإسلامية في إيران لإضعاف منظمة “مجاهدي خلق”. ما رأيكم؟
منتظري: لست مطلعاً على سياسات السادة، ولكن يوجد من بين أعضاء “مجاهدي خلق” من غُرر بهم وبسبب بعض المواجهات العنيفة غادروا الوطن، وهم لأي سبب من الأسباب ندموا وتعبوا من تعاونهم مع المنظمة، فأتمنى أن يعودوا إلى أحضان الشعب من خلال عفو عام.
السؤال 8: هنالك تحسن مشهود في وضع حقوق الإنسان نسبة إلى الأعوام الماضية في إيران. لكن منظمات حقوق الإنسان الدولية كمنظمة العفو الدولية لا تزال تنتقد وضع حقوق الإنسان في إيران وتطالب بتحسينه. كيف تقيّمون أمر حقوق الإنسان في إيران في الوقت الحاضر؟ وإن كانت هنالك مشاكل فما السبيل لرفعها؟
منتظري: أن يقال إن وضع حقوق الإنسان في الحال الحاضر أفضل من السابق فهو أمر نسمعه يومياً. لكن أولئك الذين يمارسون الإنتهاكات لا يزالون يعتقدون بممارستها، الا انهم صاروا يسعون الى ذلك من خلال شباك القانون لكي يظهروا أن أعمالهم قانونية. والأهم من ذلك أن معظم أعمالهم ليست خافية عن أعين الناس ووسائل الإعلام، وهذا يؤدي بهم إلى أن يضطروا الى الجواب. وهذه أرضية مناسبة . لكن للأسف هنالك أشخاص لا يزالون في السجون بجرم إبداء آرائهم الإنتقادية كالشيخ هادي قابل وبعض الطلبة. وبعض من كان مسجونا في السنوات السابقة اُطلق سراحه بكفالات باهظة ولكن لا يُعرف ما هو وضعه بعد. وبعض الأموال والأمكنة قد احتلت وصودرت ولم تسترجع. والبعض قد حُرم من حق الدراسة أو العمل لأسباب واهية.
في الختام أسأل الله تعالى الرفعة والعزة للشعب، وأتمنى أن تراعوا الأمانة في القيام برسالتكم الإعلامية، وأن تظهروا الحقائق.
منتظري يرى حدوداً لولاية الفقيه ولا يرفض إقامة علاقات مع واشنطن
بغداد – «الحياة»
ما يحدث في ايران له تأثير مباشر في العراق. هذه بداهة يتفق عليها الوسط السياسي والديــــني في العراق وخـــــارجه. ولأن الأمر بديهي إلى هذه الحدود يـــتجنب المســـــؤولون في الحكومة العراقية إبداء مواقف واضحة من أحـــداث ما بعد الانتخابات الايرانية، مكــــتفين بتقديم التهاني البروتوكولية وانتظار ما سيؤول إليه الوضع في طهران، فيما نجد النواب أكثر حرية في التعبير عن مواقفهم.
ويؤكد المرجع الشيعي الايراني المعروف آية الله حسين علي منتظري ان للمرجعية في النجف تأثيرا كبيرا في إيران نرى النجف تراقب الاحداث عن كثب، من موقع المختلف مع نظرية ولاية الفقيه الإيرانية.
ولا يرفض إقامة علاقات مع الولايات المتحدة ويقول إذا كان لإيران «في وقت ما مصلحة في قطع العلاقات مع أميركا واحتلال سفارتها، فإن هذه المصلحة ليست دائمة، و في زمن تحول العالم إلى قرية و أسرة واحدة لا بد لشرائح المجتمع العالمي أن يكونوا مرتبطين ببعض». لكنه يرفض بشدة إقامة علاقات مع إسرائيل.
القوى السياسية العراقية المقربة من ايران التي تتمتع بدعم طهران والاوساط السياسية والدينية في طهران، رحبت على الفور بإعلان فوز أحمدي نجاد ثم ما لبثت أن لاذت بالصمت بعد اندلاع الأحداث.
النائب حميد معلة، مسؤول العلاقات الإعلامية في «المجلس الإسلامي الأعلى» بزعامة عبدالعزيز الحكيم رأى ان «الانتخابات الايرانية لن تحدث تغييرا في العراق، كونها شأناً داخلياً يجري بعيدا عن الضغوط الخارجية».
وأضاف في تصريح الى «الحياة» ان «الامر حسم بفوز الرئيس احمدي نجاد وما يجري من تظاهرات متوقع الحدوث في اي بلد». و «الحكومة الايرانية برئاسة نجاد ترتبط بعلاقات جيدة مع القادة السياسيين العراقيين».
في المقابل يعتقد سنة العراق الذين يتهمون طهران بدعم عمليات تصفية حقوقهم السياسية من خلال تأجيج الحس الطائفي بأن التغيير ربما يقود الى تخفيف وطأة التدخل والنفوذ التي طبعت سياسة نجاد.
ويرى القيادي في «جبهة التوافق» رشيد العزاوي ان «الانتخابات ونتائجها تحول مهم في مسار العمل السياسي في إيران المتهمة بالتدخل في الشأن العراقي، والاحداث التي نشهدها تمثل رغبة حقيقية رافضة للسياسة التي انتهجتها القيادة السابقة».
وكان الناطق باسم الجبهة سليم عبدالله قال لـ «الحياة» ان سياسة ايران «مرتبطة بالنظام الاستخباراتي وليس بالرئيس، لكنه أضاف أن «النزاع الحالي سيضعف امكانات تدخلها السلبي في الشأن العراقي».
القيادي الكردي محمود عثمان يعتقد بدوره بأن «انتخاب احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية يضر بمصالح المنطقة عموما والعراق خصوصا، كونه شخصية غير معتدلة»، مشيرا الى ان الفترة السابقة من حكم الرئيس الايراني «شهدت سجالا حادا حول التدخل في العراق من خلال دعم الميليشيات، بالاضافة الى القصف الايراني للقرى الكردية».
ويقول القيادي في القائمة العراقية اسامة النجيفي ان «الـــــتظاهرات التي جرت بعد اعلان فوز الرئيس احمدي نجاد لا يمكن تفسيرها الا بـــــوجود رغبة حقيقية في التغيير، لكن لا أتــــوقع تغـــييراً في السياسة الخارجية لأن من يتحكم بها هو المرشد الاعلى وليس الرئيس».
وكان منتظري قال لـ «الحياة» من مقر اقامته في قم قبل الانتخابات الاخيرة، رداً على سؤال عن ولاية الفقيه في النظام الايراني ان هذا المفهوم «نظرية دينية لكنها على أي حال سياسية ايضا، والفقيه خبير في القضايا الإسلامية ولا بد أن يكون هو المشرف لأن هذه صفته وهو مختص بأمور الإسلام، لكنه ليس متخصصاً في سائر المجالات كالسياسة الخارجية والأمن في البلد، وما إلى ذلك. هذه المسائل تحتاج إلى خبراء ومختصين ولابد من إسنادها إليهم، لا أن يتدخل شخص واحد في كل الأمور ويعمل كل شيء».
واكد ان لحوزة النجف تأثير في ايران وفي العراق وقال: «الحوزة ترجع إلى ألف عام، وحين حكم نظام صدام انقطع ارتباطها بحوزة قم، ولكن آية الله السيستاني مرجع كبير وبإستطاعته أن يشرف جيدا على أمور العراق، ولديه الكثير من المقلدين في إيران و في كثير من البلدان».
منتظري الذي كان حتى عام 1988 خليفة لآية الله الخميني قبل ان يقصيه إثر اعتراضه على عمليات إعدام معتقلين قال عن العلاقة مع الولايات المتحدة: «إذا افترضنا أنه في يوم ما كانت المصلحة في قطع العلاقات مع أميركا واحتلال سفارتها، فإن هذه المصلحة ليست دائمة، و في زمن تحول العالم إلى قرية و أسرة واحدة لا بد لشرائح المجتمع العالمي أن تكون مرتبطة مع بعضها في المجالين السياسي والاقتصادي، ما عدا إسرائيل التي نراها حكومة غاصبة ولا نوافق على الارتباط معها».
في موازاة ذلك، تراقب مرجعية النجف الاحداث في ايران عن كثــب. ويؤكد مقربون من الحوزة ان اخـــتلافها مع قم ومع النظام الايراني حول مفهوم «ولاية الفقيه» لايقلل من أهميتها بقيادتها الدينية، و ان اي ضرر يطاول النظام الاسلامي فيها يضعف هيبة الاحزاب الدينية في العراق.
ويقول الأستاذ في الحوزة الشيخ نور الجوادي ان «معظم مكاتب المرجعية منشغلة هذه الايام بمراقبة احداث الشارع الايراني» ويضيف: «من المعروف ان مراجع النجف الاربعة لا يعتقدون بنظرية ولاية الفقيه، لكنهم يرتبطون بصلات روحية اكبر بكثير من تلك النظرية مع الشعب الايراني».
وكان السيستاني وهو من اصول ايرانية رفض دعوة من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني علي اكبر رفسنجاني لزيارة طهران، واعتبر مقربون من المرجعية ان الرفض جاء على خلفية الخلاف بين الحوزتين الدينيتين في النجف وقم حول دور الحوزة في الحياة السياسية، فضلاً عن أن النجف تعتبر نفسها المرجعية الاكبر لقيادة الاسلام الشيعي.