القوة الآتية في ايران
أفرايم هليفي
في ذروة الاسبوع الثاني من الانتفاضة الشعبية في ايران، وفي اعقاب قرار حكامها التأكيد النهائي لنتائج الانتخابات الرئاسية، جدير ابداء الرأي في مزايا عدة للواقع الجديد في الدولة.
في الخطاب التأسيسي لآية الله علي خامنئي يوم 19 حزيران، شدد الزعيم الروحي على أنه في الدولة توجد “ديموقراطية دينية”. هذه ديموقراطية موجهة تقرر فيها الدولة المرشحين للانتخاب كما تقرر نتائج عملية الانتخابات العامة. غاية هذه الطريقة ضمان أن تضطر المعارضة للنظام توجيه نشاطها في اطار النظام نفسه، بما ينطوي عليه الامر، من تسليم بنتائج كل جولة انتخابات. إذ ان “الدين لا يسمح باعمال الغش، تزوير الانتخابات ليس ممكنا على الاطلاق”، على حد تعبير خامنئي.
على مدى ثلاثين سنة نجحت هذه الطريقة في الحكم في ضمان تماسك السلطة. السلطة هي التي قررت السماح لـ”الاصلاحي” خاتمي ان ينتخب في الماضي رئيساً، وهي التي قررت تنحيته. قبل ذلك، حاول مؤيدوه احداث تغييرات مبالغ فيها في انماط الحياة في الدولة وقمعوا بيد من حديد، فيما هو نفسه، وقف جانبا.
اليوم نحن نفهم أنه قبل أربع سنوات وقعت الانعطافة. القيادة سمحت في حينه لرجل مصدره الحرس الثوري، احمدي نجاد، للتنافس ضد هاشمي رفسنجاني – رجل دين مركزي ورئيس سابق لمرتين – و”هزمه”. فنشأ شق في عصبة الحكم.
في الانتخابات الاخيرة سمحت السلطة بخطوة اخرى: فقد خاطرت باقرار ترشيح مرشحين “من داخل العصبة”، موسوي وكروبي، لمواجهة الرئيس المنصرف، المدعوم من قبلها. وبالأحرى افترضوا مرة اخرى أنهم سيوجهون المتطلعين الى الاصلاح للتصويت في صالح الرجلين، اللذين سيوافقان، مثلما في الماضي على النتيجة.
هذه المرة تحطمت الاواني. فجوة التأييد للرئيس القائم مع باقي المرشحين لم تكن مقبولة من الجمهور في ايران ومن الاسرة الدولية المتنورة. المرشحون الذين هزموا لم يطأطئوا الرأس أمام شركائهم السابقين، وصعدوا على موجات المعارضة الشعبية العلنية. فتح شرخ عميق في السلطة، على نحو فاجأ كل من له صلة بالامر. النظام في غالبيته ذهل من مظاهر التمرد و”الديموقراطية الدينية” بدأت تخلي مكانها لطغيان القوة الساحقة للمتظاهرين ضدها بذراع ممدودة.
للحكم في طهران القوة لقمع كل معارضة، ويمكن الافتراض انها ستواظب على ذلك الى أن تنتهي المظاهرات ومظاهر المعارضة. ولكن ثمن النجاح في الحفاظ على النظام قد يكون باهظاً، معزّزاً من احتمال انقسام ذي مغزى في القيادة.
لقد كان مهما للنظام ان يحافظ على صورة القوة والوحدة الداخلية، سواء تجاه الخارج ام تجاه الجمهور. فشل قوات الامن في اغلاق الدولة اغلاقا محكما ومنع نقل التقارير والمعلومات عما يجري فيها يعد بتغطية دولية متسعة لأعمال القتل والعنف في طهران والمدن الاخرى. بقدر ما يستمر الوضع الحالي في الشوارع، بقدر ما تتدهور العلاقات في المستويات العليا لآيات الله، هكذا ستضعف قوتهم داخل منظومة السلطة ويزداد وزن الحرس الثوري داخل الدولة. في السنوات الاخيرة اصبح قادة الحرس قوة صاعدة، سواء في السياسة الداخلية أم في المنظومات الاقتصادية والنشاطات المدنية بشكل عام.
اذا ما تضررت مكانة رفسنجاني، الذي دعم موسوي، واذا ما اتخذت ضده اجراءات لدرجة اعتقاله، سيتعين على خامنئي ان يفكر اذا لم يكن اعطى يده لعملية ثورية متجددة في الدولة ستجرفه هو ايضا في يوم من الايام ونهايتها حكم مطلق للحرس الثوري.
الكثير متعلق الان بسلوك كل اللاعبين في الساحة. فهل سيستأنف محبو الحرية (الاصلاحيون) المظاهرات بعد مهلة توقف قصيرة؟ اذا ما دخل حرس الثورة في عمل مضرج بالدماء ضدهم، فكيف ستبدو ايران بعد؟ هل سيرفع الاصلاحيون موسوي الى النصر، ام الى اعتقاله او موته؟ هل سيستخدم خامنئي ما تبقى له من مكانة لوقف التدهور ام سيعطي ضوءاً أخضر لاستخدام المزيد من القوة حتى النهاية المريرة؟ حتى نهايته المريرة؟
كل ما يمكننا أن نفعله هو أن نأمل بالخير الاكبر – القضاء على السلطة الحالية، والاستعداد للشر الاكبر – سلطة الحرس الثوري.
“يديعوت أحرونوت”
ترجمة “المصدر” – رام الله
(رئيس الموساد ومجلس الامن القومي الاسرائيلي الاسبق)
النهار