الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

تعالوا نفهم إيران أولاً

بيتر بومنت
عندما زرت ايران السنة الماضية من اجل تغطية الانتخابات البرلمانية، تبينت لي دولة تختلف تماما عن الانطباع السائد. وجدت نفسي أتحدث عن عالم الاجتماع اميل دوركهايم الى منتج موسيقى كلاسيكية في مقهى وأجادل حارس مسجد جنوبي طهران في الوضع السياسي السائد في المدن الشيعية في العراق. جلست مع فنانين وشربت فودكا مهربة في حفل. تحدثت الى معلمة ليبرالية ترتدي الحجاب عن قيد الحريات الشخصية في كل ما يتعلق بالزي الاسلامي. بل إن توجه مؤيدي الرئيس محمود احمدي نجاد، الذين التقيتهم في القرية، كان أكثر تعقيدا واختلافا مما عرفت. لان ايران الحقيقية تختلف تماماً عن الطريقة التي ينظر إليها الغرب.
لهذا فان كثيرا من المواقف التي اثيرت الاسبوع الاخير في الغرب والتي تتصل بالازمة في ايران غريبة عنّي احيانا، ويصعب علي أن ألحظ المكان الذي يصفونه. هذا مقلق. اذا كنت قد تعلمت شيئا ما في السنوات الخمس عشرة التي غطيت فيها الازمات الدولية، فانه طريقة تبسيط او تشويه التقارير الصحافية وجعلها حقيقة مطلقة بدل مواجهتها. تبين لي مقدار خطر أن تكون هذه التقارير تغذي مسار اتخاذ القرارات في حكومات الغرب، كما رأينا في حالة العراق.
في حالة ايران، نلحظ صيغتين مختلفتين تماما عن الدولة. فمن جهة، توجد الصورة التي يصورونها في اليسار العالمي القديم، والتي تُجدّد بفضل جيل راديكالي جديد من النشطاء الاجتماعيين، ومعارضي العولمة ونشطاء حماية البيئة. هذا اليسار يتغذى بكتابات كتاب مثل عالم اللغة نعوم تشومسكي وصحافيين مثل جون فيلجر، اللذين تسيطر على تصورهما العام رواية “معادية للاستعمار” تعادي التدخل الغربي. ومن جهة أخرى توجد جماعة أكثر تنوعاً، مع تأثير أكبر في متخذي القرارات؛ جماعة يقع اعضاؤها بين المعسكر الليبرالي والمحافظ الجديد. والمشترك بين اعضائها هو الايمان شبه الديني بقوة الديموقراطية الغربية على أن تهب قيمها للمجتمعات التي لم تذق الحرية قط. هذا ايمان، اذا جاز لنا ان نسميه كذلك، ما يزال صلبا بالرغم من إخفاقاته العديدة في السنين الاخيرة.
التصوران هما فقاعة، احداهما للاخرى، في مركب مهم واحد هو عدم التنوع المفرط الذي تصفان به ايران – سواء كمجتمع يؤيد أحمدي نجاد أو مجتمع يبغي التغيير. يوجد بين كتاب اليسار ميل الى تأييد أحمدي نجاد، صديق الفقراء وعدو الصهيونية، ويرونه ضحية محاولة انقلاب أكثر من كونه مسؤولا عن انقلاب من داخل مكتب الرئاسة. اما في الجانب الثاني فيميلون الى تبني رواية الحرية وتصوير المتظاهرين على أنهم ينفذون مطامح الجمهور الايراني.
يجب فحص الأحداث وراء الثرثرة المعتادة في شأن الصراع بين منكر المحرقة أحمدي نجاد وممثل الأمل فيما يشبه الاصلاح الديموقراطي مير حسين موسوي. لا يمكن وصف المعركة على الشرعية في إيران وصفا تبسيطيا. اشتد التوتر السياسي والاجتماعي منذ ظهور الاصلاحيين، وهؤلاء يتحدثون عن مشكلات يمكن فهمها فقط في سياق ايراني. مثلا كيف يجب على الناس التصرف في بيوتهم وفي المجالات العامة.
نحن موجودون في لحظة حاسمة، لا بالنسبة للشعب الايراني فقط، بل بالنسبة للمنطقة كلها. التحدي ليس صياغة الواقع ليصبح شيئا ما نشعر بارتياح اكبر معه ويحقق آمالنا وآراءنا السابقة. التحدي هو الفهم، لاننا بالفهم فقط سننجح في الامتناع عن إحداث الظروف التي تؤدي إلى تكرار الاخطاء الكبرى للعقد الأخير.
“معاريف”
ترجمة “المصدر” – رام الله
النهار
( المحرر الخارجي لصحيفة الـ”أوبزرفر” البريطانية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى