صورة إيران الجديدة بعد التظاهرات
باتريك سيل *
قد يكون من التسرّع أن نتوقّع ما سينتج عن الصراع الحاد على السلطة الذي يحصل حالياً في إيران. فقد يستغرق الموضوع أسابيع أو حتى أشهراً كي يظهر المعنى الكامل للأحداث المأساوية التي حصلت في الأيام الأخيرة. وإذا كان من أمر واحد واضح فهو أن إيران لن تكون هي نفسها بعد الآن. فهي لا تزال في قبضة ثورة غير منتهية. كما حصلت تغيّرات عميقة في صورتها وفي طبيعة نظامها.
وساهمت حملة العصيان المدني التي تحصل في شوارع طهران في رفع الغطاء عن الأحكام المسبقة والمعلومات المغلوطة التي تطلق حول إيران وبالتالي حول طموحاتها الإقليمية.
فلا يسع أحداً أن يصدّق أن هذا المجتمع الناضج والحي والمثقف والشفاف الذي يناضل من أجل العدالة والديموقراطية، يرغب في أن يسيطر على الشرق الأوسط ويفرض خطراً مميتاً على العالم بأكمله. وعوضاً عن السعي إلى فرض إرادتها على الآخرين، أصبحت إيران منهمكة بمشاكلها. ولم تعد الاساءة إلى صورة الجمهورية الاسلامية ممارسةً تحمل مصداقية.
بل على العكس، عوضاً من أن تكون إيران مصدر خوف، قد تصبح مصدر وحي للشعوب في الشرق الأوسط التي تعيش معظمها في ظل أنظمة سياسية مستبدة ومتحجّرة. قد يكون ذلك أفضل درس يمكن استخلاصه من الانتخابات التي جرت في إيران يوم 12 حزيران (يونيو) وما نتج عنها من اضطرابات.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتانياهو في أوروبا هذا الأسبوع. وبعث برسالة مفادها أن الغرب والعرب يجب أن يواجهوا ما اعتبره الخطر الكبير الذي يفرضه برنامج إيران النووي. وبهدف إجبار إيران على التخلي عن طموحها النووي، يريد نتانياهو أن تتمّ معاقبتها وضربها حتى تخضع. وبنظره، فإن قيام دولة فلسطينية، بعد أن أجبر نفسه على التطرق إلى هذا الموضوع، هي مسألة أقل أهمية، تحتمل إرجاءها إلى مرحلة لاحقة. إلا أن نتانياهو لن يلقى آذاناً صاغية بسبب آرائه الخاطئة هذه.
وبات من الواضح الآن أن المؤسسة المحافظة في إيران قد أساءت إلى الانتخابات وتلاعبت بنتائجها. فزعمت أن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد قد حصل على 63 في المئة من الأصوات فيما بالكاد حصل خصمه الأساسي رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي على 34 في المئة. وقد أقرّ مجلس صيانة الدستور أن عدد الأصوات في أكثر من 50 مدينة، كان أكبر من عدد الناخبين الفعليين. ومن بين 40 مليون صندوق اقتراع، قد يكون حوالي 3 ملايين منها مزوّراً. ويعتبر ذلك بمثابة عيّنة بسيطة عن واقع ما يحصل.
وقد رفض ملايين الناخبين النتائج الرسمية بمختلف معدلاتها. وتدعو المعارضة إلى إلغاء نتائج الانتخابات وخوض انتخابات جديدة. ولن تكون إعادة فرز الأصوات كافية. إلا أن المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي رفض الاستجابة لهذه المطالب وعوضاً عن أن يكون الحكم بين المتخاصمين، أعاد التأكيد على دعمه لأحمدي نجاد. وقد يكون ارتكب بذلك خطأً فادحاً.
فمن خلال التحيّز لطرف معيّن، أظهر خامنئي إلى العلن الشرخ العميق بين المحافظين والاصلاحيين في أوساط النخبة السياسية في إيران. وقد أصبح رمز القيادة المنقسمة. ففي الواقع، يعتبر خامنئي ضحية الأزمة الأساسي. وقد تم التشكيك بشرعيته وبمصداقيته كرجل دين. ومن خلال اتهام موجة الاحتجاج الشديدة على أنها تدار بالتواطؤ مع بريطانيا والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، بدا حكمه السياسي متصدعاً.
فقد قضى على الاحترام الذي كان يبادله إياه الشعب، عندما قام بإرسال القوى الأمنية ورجال ميليشيا الباسيج لتفرقة المتظاهرين المسالمين. وكانت ضحية قمعه ندا صالحي آغا سلطان، الشابة التي تبلغ سبعة وعشرين عاماً، والتي أصيبت برصاصة في صدرها وتوفيت يوم السبت الماضي وقد باتت صورة رمزية لحركة الاحتجاج وسميّت بـ «ملاك الحرية».
وتأتي النساء المثقفات اللواتي يشكلن 60 في المئة من بين مليوني طالب يتابعون تحصيلهم في الجامعات في إيران، في مقدمة حركة الاحتجاج. وهن يناضلن حتى أكثر من الرجال من أجل التوفيق بين هويتهن الاسلامية والأفكار والممارسات العصرية. كما أنهنّ مصممات على الدفاع عن حقوق المرأة.
ويعتبر الرئيس أحمدي نجاد الضحية الأخرى للأزمة. ففي حال تمّ التأكيد على فوزه بولاية رئاسية ثانية، فسيبدأها في ظل ظروف مشؤومة. لقد خسر ثقة نصف البلد على الأقل. وسيجد صعوبة في استعادة الاحترام أو حتى في أن يحكم. ومن الواضح أن هذا الرجل المحرّض الذي لا يرتدي لباساً لائقاً لا يمثّل الصورة التي يملكها الايرانيون عن بلدهم. فهو ليس الرئيس الذي يرغبون فيه. وقد علت في شوارع طهران الهتافات المطالبة بـ «إسقاط الديكتاتور!».
أما الرجل الأقوى في إيران اليوم فهو الرئيس الأسبق الذي حظي بولايتين علي أكبر هاشمي رفسنجاني. وقد تعيده الأزمة إلى الواجهة مجدداً. فهو يدرك جيداً شؤون البلد الداخلية. وكان له يد في رفع خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى وذلك بعد وفاة آية الله الخميني عام 1989. وخلال حملة الانتخابات، قام بمعارضة أحمدي نجاد وبدعم موسوي. ومن المعروف أنه يريد انفتاحاً على الغرب وقد يكون الرجل الذي يخشاه المحافظون على رغم أنه يحاول كما يقال أن يتوصل خلف الكواليس إلى حل وسط بين الفرقاء المتخاصمين.
واياً يكن الشخص الذي سيسيطر على شؤون ايران في الأسابيع والأشهر المقبلة، يجب أن يواجه بعض المسائل الضاغطة مثل الاستفادة من اليد التي مدّها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إيران وكيفية تلبية المطالب المتعلقة بطمأنة المجتمع الدولي حول طبيعة أنشطة إيران النووية وكيفية إعادة إحياء اقتصاد يعاني من تضخّم كبير ونسبة بطالة عالية وقطاع عام غير فاعل وكيفية تلبية مطالب الشعب ليس في ما يتعلق بإجراء انتخابات حرّة فحسب بل في ما يتعلق بالتمتّع بحرية التفكير والتعبير كأن يرتدي الفرد ما يشاء وأن يكون متحرراً من الحدود التي تفرضها المؤسسة الدينية وأن يحظى الشعب لا سيما الشباب منهم بامكانية التواصل عبر شبكة الانترنت.
وثمة عاصمتان في الشرق الأوسط تضمّان شعباً كبيراً قادراً على إسماع صوته من خلال النزول إلى الشارع هما طهران والقاهرة. فهذا ما يمكن أن يطلق عليه اسم «تأثير الجماهير». وعندما يتظاهر المدنيون بالملايين لا يمكن لأي نظام مهما كان قاسياً أن يطلق النار عليهم. فقد يوشك أن يخسر مصداقيته. وفي طهران، وقع بعض الضحايا ولا أحد يعرف بعد عددهم المقدر بالعشرات. غير أن هذا العدد كاف لإحراج الحكومة وإجبارها على أن تكون في موقف دفاعي.
تعمل إيران على إعادة صنع نفسها. ويعتبر ذلك بالنسبة إلى العالم برمته مشهداً رائعاً يستحق التوقف عنده. وعلى أي حال لا يزال الوقت مبكراً لإطلاق الأحكام.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الحياة