استراتيجيات العلاقات العربية – الإيرانية
علي محمد فخرو
إشكالية الحياة السياسية العربية، المتمثلة في فيضان أنظمة حكم، تضع مصالحها فوق مصالح الأمة الكبرى، وفي مجمعات مقموعة غير ناضجة في الفكر والممارسة، هذه الإشكالية تقود شيئاً فشيئاً إلى فاجعة في الروابط العربية – الإيرانية. وقد وصلت هذه الفاجعة إلى أقصاها في الأسبوعين الماضيين في شكل جنون إعلامي عند الجانبين العربي والإيراني.
فالمناقشات التلفزيونية حول الأحداث في طهران، والمتعلقة بانتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة، والتي من المفروض أن تكون موضوعية وهادئة وحذرة، كانت تنحرف بين الحين والآخر إلى مواجهات فجّة بين مسلمين عرب ضد مسلمين إيرانيين، وبين قوميين فرس متعصّبين ضد قوميين عرب مهووسين. وبدا واضحاً أن في الجهتين مجانينهم وأن على الضفتين من لا يملون نبش الماضي ومن لا يحذرون الانخراط في اللعبة الإعلامية الغربية الدولية التي تهدف إلى جر الجميع إلى جحيم المواجهات العبثية.
أن يصل الحال إلى قلب موضوع محلي يتعلق بالصراعات الانتخابية في إيران لأن يكون مدخلاً لصراعات عرقية ومذهبية، بل وحضارية، بين العرب والإيرانيين، فإن ذلك يدعو لوقفة تأمل وتحذير لكلا الطرفين، فالجهتان تلعبان بالنار وتلعبان في يد الأغراب وتحققان ما تريده بعض دوائر الغرب الاستعمارية وما تريده على الأخص الصهيونية التابعة في فلسطين. لا يختلف اثنان حول وجود خلافات بين العرب وإيران، سياسية وأمنية من مثل الجزر الإماراتية المحتلة والوضع العراقي. لكن المواضيع السياسية الآنية شيء، والمواضيع الاستراتيجية الكبرى شيء آخر.
من المواضيع الاستراتيجية أن إيران دولة إسلامية شقيقة، وأن أخذها بأحد المذاهب يظل ضمن المظلة الإسلامية التي تظلل الجميع وليس خارجها. وليس من حق أحد أن يعتقد بأن المذهب الذي ارتضاه لنفسه هو الإسلام. والمذاهب الإسلامية لا تحتاج لأن تستبدل المجادلة الحسنة، التي دعا إليها الإسلام، بالمناكفات والمماحكات الجدلية السقيمة. فمثل هذه الأساليب لن تضر المذاهب بقدر ما ستضر الإسلام نفسه.
ومن المواضيع الاستراتيجية ما يتعلق بأحكام الجغرافيا. إن العرب والإيرانيين يتقاسمون ضفتي مياه الخليج بالتساوي. والجانبان، كجغرافيا، باقيان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، بينما أن القوى التي تحاول التفريق بينهما، بل وإدخالهما في أتون عداوات تاريخية دائمة، هي التي سترحل إن عاجلاً أو آجلاً. فالنفوذ والوجود الأمريكي والغربي في الخليج، والمؤامرات والاختراقات الصهيونية هي كلها ظواهر مؤقتة ستزول إن عاجلاً أو آجلاً، وسيكون من المفجع الاعتقاد بأنها ستكون باقية معنا وأنها يجب أن تكون عاملاً حاسماً في علاقاتنا مع بعضنا بعضاً.
ومن المواضيع الاستراتيجية أن المجتمعين، على الضفتين، يحاولان الاستقرار في نظام سياسي واجتماعي مستقر. فالثورة الإسلامية الإيرانية هي من أكبر وأهم ثورات القرن العشرين، وهي محاولة عميقة ومترامية الأطراف لتجديد الإسلام فكراً وممارسةً. ولأن أهدافها كبيرة فإنها لا تزال، بعد ثلاثة عقود، تطرح الأسئلة وتمارس التجارب. ومع ذلك فإن الأهداف في الجانب الإيراني أكثر تحديداً وتركيزاً، وبالتالي اندفاعاً. أما الجانب العربي الخليجي، في الضفة المقابلة، فإنه لا يزال يعيش مرحلة التفتيش عن مظلة فكرية توجّهه في السياسة والاجتماع والثقافة. إن هذا الفرق بين الجهتين لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مساجلات واختلافات، ولكن من المعيب والمضر أن تصل إلى مراحل التأزم والتلاسن كما يراها الإنسان ماثلة أمام عينه في المجادلات التلفزيونية العبثية.
ومن المواضيع الاستراتيجية أن إيران الثورة الإسلامية تواجه أخطار الحروب والحصارات السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية من قبل الغرب الاستعماري ورأس حربته الصهيونية في فلسطين المحتلة. وهناك فرق بين تصرّف ثورة تتنفس الصعداء وبين ثورة مخنوقة بالتهديد والمؤامرات الدائمة. وهذا الوضع يجب أن يظل في البال عند الحكم على هذا الحدث أو ذاك التصرف.
ومن الممكن ذكر استراتيجيات فكرية وعملية كثيرة. إن صلب الموضوع هو أهمية أن يتعامل الجانب الإيراني مع العربي، ويتعامل الجانب العربي مع الإيراني على أسس ومنطلقات تكون خارج السقف الذي نراه في بعض الساحات الإعلامية العربية والإيرانية. إن هذه البؤر، المشكوك في بعضها، يجب أن تغلب البعيد المدى على الآني والاستراتيجي على المرحلي. إن فتح جحيم صراع عبثي بين إيران والعرب لن يكون إلا في صالح جبروت شمشون الصهيوني ومناصريه.
الخليج