ثورة تويتر.. أحلام أميركا في إيران
هذا المقال للكاتب وعالم الاجتماع الكندي ومراقب الأحداث السياسية العالمية ماكسيميان فورت يحاول فيه تنوير العالم بشأن ما سميت ثورة تويتر في إيران ليفهم الناس الموضوع على حقيقته.
أي ثورة؟
إذا تحدثت العناوين عن ثورة تويتر في كندا (أي في مجتمع على اطلاع واتصال واسع بالإنترنت ومعرفة تامة بتقنيتها ولديه أعلى نسبة من مالكي الحاسوب الشخصي) سيبقى الشك يساور المرء لأن 74% من الكنديين بحسب الاستطلاعات لم يسمعوا بخدمة تويتر، ونسبة 1.45% فقط هي التي تستخدم هذه الخدمة، معظمهم من الشباب والمهنيين أو في الجامعات، وأنا ككندي يستخدم تويتر بفعالية أمثل جزءا من أقلية صغيرة.
وتتمثل الثورة الوحيدة هناك في هذا السياق في مجرد وجود شخص يستخدم هذا الموقع خارج هذه الفئة القليلة، ناهيك عن تحديات تحول النظام السياسي باستخدامها، وهذا الأمر لا ينطبق على كندا فقط، فوفقا لدراسة أجرتها كلية الاقتصاد في جامعة هارفارد فإن 10% فقط من مستخدمي تويتر هم من ينتجون 90% من مضمون هذه الخدمة، أما ثورة تويتر الحقيقية فهي في الإثارة وترويج تويتر لذاته ومشاهدة معظم المستخدمين وهم ينتجون مضمون تلك الخدمة.
وفي الوقت نفسه هناك البعض ممن زعموا في تحليلاتهم أن ما تسمى ثورة تويتر في إيران هي الثورة الكبيرة التي يتطلعون إليها، وقد غاب الشك عن تلك التحليلات التي قدمت على عجل وعليه فما الذي تبقى لنا الإثارة والدعاية المروجة والتفكير غير الواقعي ومجرد التسرع والاندفاع لمشاهدة العناوين الرئيسية القادمة من خدمة تويتر وغيرها من وسائل الإعلام الاجتماعية.
إنها ثورة حقا، ولكن بالنسبة لتويتر الذي تشبه نشأته نشأة العديد من مؤسسات الإنترنت أواخر التسعينيات، وهي شركات تعمل دون خطة عمل واضحة، بيد أنها تحصل على تمويل بعشرين مليون دولار من هنا وثلاثين مليونا من هناك. وربما يكون تويتر مناسبا أو غير ذي صلة بإيران، لكن الموضوع جيد للترويج لتويتر نفسه.
في إطار تجهيزي لإعداد هذه المقالة، شاركت وتابعت مجموعة من الرسائل عبر تويتر تتحدث عن الانتخابات في إيران بدءا من يوم 13 يونيو/حزيران وهو اليوم التالي للانتخابات وحتى صبيحة يوم 17 يونيو/حزيران الجاري، وقد جمعت عينة من 1280 من مساهمات مستخدمي تويتر، كما اخترت العينات التالية التي تحمل عبارات تطري وتمدح تويتر وطرق استخدامه كما يلي:
• يجب أن تتم تغطية الثورة الإيرانية عبر تويتر ويوتيوب والمدونات
• تويتر مدهش
• مذهل ذلك الذي قدمه تويتر في الانتخابات الإيرانية
• دور تويتر في الانتخابات الإيرانية سيكون تاريخيا
• شكرا لك يا تويتر
• نحن نحصل على معلومات عبر تويتر أكثر مما نحصل عليها من وسائل الإعلام التقليدية وهذا رائع
• تحول إلى الأخضر لتعبر عن التضامن مع الثورة
• كم هي رائعة وساحرة تغطية تويتر للأحداث
• حولت صورة تويتر الخاصة بي إلى خضراء دعما للثورة من أجل الانتخابات الحرة.
لم يكن أحد ممن أطلق العبارات أعلاه من مستخدمي تويتر من الإيرانيين المزعومين، بل كل من أطلقوها يوجدون في أميركا باستثناء شخص واحد يعيش في كندا.
ثورة من؟
لكن هناك من يريدنا أن نصدق أن هناك ثورة تويتر في إيران بينما في الحقيقة لا يوجد شيء من هذا القبيل هناك، ليس هذا فحسب، بل إن كل ما يروج له حول قوة تويتر ما هو سوى خداع وكذب، أما الشيء الموجود عوضا عن ذلك فهو الاندفاع للوصول إلى النهاية بكيل المديح لتويتر لتغطيته مظاهرات الشوارع في إيران.
كم يمثل ثوريو تويتر الإيرانيون؟ الحقيقة هي أن عدد الإيرانيين الذين تم التحقق من استخدامهم لتويتر أقل من 45 ومعظمهم لم يتم التأكد من مواقعهم، ومعظمهم يرسل بالإنجليزية، بالإضافة إلى أن أقل من ثلث الإيرانيين هم من يمكنهم الوصول إلى الإنترنت.
والظاهر أن الشباب الذين شاركوا في المظاهرات واستخدام تويتر تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، وهي الفئة التي تشكل أبرز المصوتين لأحمدي نجاد من بين كافة أعمار الفئات وفقا للاستطلاعات.
قدمت أسوشيتد برس تحليلا مشابها مع ملاحظة أن استخدام الإنترنت في إيران ما زال يشكل ظاهرة غير شاملة، ويقتصر استخدامها على الشباب وسكان المدن، مما يعني أن استخدام تويتر وغيره من خدمات الإنترنت حكر على الشباب والليبراليين.
وربما تمت المبالغة في أعدادهم بينما يتم تجاهل مشاعر الفئة الأكثر محافظة بين غير المتصلين بالإنترنت، خاصة أن من استطلعت أسوشيتد برس آراءهم من الإيرانيين قالوا إن ما يسمى تويتر أوجد وهما بأن طهران تشهد ثورة أخرى وأن تويتر أمر مهم بالنسبة للإيرانيين.
وعليه فإنه في ثورة تويتر هذه لا تعبر الفئة المشاركة فيها عن مستخدمي الإنترنت من الإيرانيين، كما أن مستخدمي الإنترنت لا يمثلون العدد الأكبر منهم، ثم إن الشباب لا يمثلون الشباب، وحتى الإيرانيين ربما كانوا غير إيرانيين، وهذه هي القوة الساحرة حقا لوسائل الإعلام الاجتماعية.
ماذا يقول الثوريون؟
يقول المتظاهرون “أين صوتي؟” لست متأكدا من مكان وجود أصوات الخاسرين في الانتخابات الإيرانية، ولكن أشك فيما إن كانت في تويتر، ربما كانت وجهة النظر هذه خاطئة وربما صوتوا عبر تويتر وربما يعتقد المرء أن تلك الشابات الجميلات بزينتهن وماكياجهن وحليهن إنما يدلين بأصواتهن الحقيقية عندما يتحدثن بالإنجليزية في طهران مع المصورين الأجانب.
بعض الصحفيين يعتقدون أنهم يرون مرحلة جديدة في تطور الثورة الاجتماعية من خلال استخدام تويتر في إيران، ويزعمون أن المعلومات تتدفق خارج البلاد عبر تويتر، والسؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا: ما هي تلك المعلومات وما طبيعتها؟
شخصيا لا أعتقد أن طريقة نقل الأحداث الحالية مجدية، وهي عندما تحصل تكون مكررة مئات المرات يوميا، وفي هذا السياق كتب مدير الإعلام الرقمي في جامعة واشنطن هانسون حسين أن هناك كما هائلا من الكلام ولكن بدون مضمون.
وقال: “أتضايق حين أنظر إلى المعلومات التي تبث عبر تويتر من إيران، فهي قديمة ومكررة، لا يمكننا أخذ ذلك مأخذ الجد وعلينا التدقيق في الحقائق قدر استطاعتنا”.
كما كتب مايكل كرولي: “أن ما يقلقني في المعلومات التي تنقل عبر تويتر والمدونات أنه لا يمكن التحقق من صدقتيها، فقد رأيت العديد منها وأعتقد أنها ملفقة ومزورة”.
ويتفق معه شاهد آخر بقوله: “إن كنت ممن يعتمدون على تويتر فربما اعتقدت أن هناك أنواعا كثيرة من الأمور قد حدثت ولكنها وبكل بساطة لم تحدث مما يشكل تزويرا لمجريات الأمور على الأرض، وفي أحسن الأحوال تشعر بالإرباك وربما يدفعك ذلك إلى الاعتقاد أن أحمدي نجاد لا يمتلك شعبية على الإطلاق في أوساط الشعب الإيراني”.
قرأت ما ظل يكرر إرساله أحد مستخدمي تويتر لمدة يومين وكان مضمونه مع القليل من التصرف أن الجيش الإيراني يتحرك الآن لمواجهة المتظاهرين، ووصف ذلك بالخبر الأكيد، بينما في الواقع لم يكن هناك جيش يتحرك ضد المتظاهرين، لا في ذلك الوقت ولا قبله ولا حتى بعده.
ويبدو أن بعض المعلومات قد خطط لها لنشر بيانات خاطئة عن سبق إصرار وتصميم، ومنها الإشاعات برفض الجيش تنفيذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، وكذلك المعلومات المتعلقة بوجود مليوني شخص في الشوارع، وكذلك عن وجود 500 عنصر من مليشيا حزب الله اللبناني أرسلوا إلى إيران للمساعدة في السيطرة على الوضع، وهي أخبار عارية من الصحة.
ومن هذه الأخبار كذلك أن الشرطة طردت الطلاب من مباني الجامعة وكذلك الخبر بمقتل 10 إلى 15 شخصا في اشتباكات إحدى الليالي داخل سكن الجامعة وأن الأرض مغطاة بالدماء، ومصدره أحد مستخدمي تويتر موجود في أميركا، علاوة على ما ذكر عن إعلان إضراب وطني في إيران يوم الثلاثاء كما ورد من أحد مستخدمي تويتر في نيويورك.
إن تويتر لا يسمح بمشاركة الأميركيين في هذا المسلسل فحسب ولكنه يسمح لهم بفبركة الأخبار حول إيران وتقديمها على أنها تبدو مستمرة، وفي الحقيقة فإن بإمكان أي شخص أن يقدم نفسه عبر تويتر على أنه إيراني، وحقيقة الأمر أنه يتم تشجيع هؤلاء كلهم ليكونوا كذلك.
هل هي الأحسن؟
تثير النقطة الأخيرة قضية كيفية التأكد من صدقية المعلومات التي تتوفر عن طريق تويتر، فهذه ليست أول ثورة تويتر كما يدعي بعض مستخدمي تويتر، وكانت آخر ثورة تويتر في مولدوفا، كما أنني تابعت شخصيا وعن كثب أعمال الشغب في اليونان عبر تويتر وغيره من وسائل الإعلام العديدة.
وما زال موقع تغطية أحداث الشغب ناشطا ووفر خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2008 معلومات لا تحصى نسبها إلى مصادر مستقلة تعج بالصور وأشرطة الفيديو، وكان العديد إن لم تكن الغالبية من تلك الوقائع في اليونان، إذ كان الحدث يونانيا أوجده اليونانيون واستخدموه بأنفسهم، ولهذا السبب لم أنتقد في الماضي استخدام خدمة تويتر كما أفعل الآن.
لا توجد مساءلة أو شفافية بخصوص خرافة “ثورة تويتر الأسطورية” ولا نعلم أين ولماذا يفعلون ذلك؟ فليس من السهل معرفة الحقيقة حتى من خلال وسائط الإعلام التقليدية، خاصة عندما يتم إرسال التقارير من مناطق النزاع كما حصل في العديد من المرات في الماضي.
وقد ذكر عدد من المراسلين أنهم يرسلون التقارير من قلب مناطق النزاع، في حين كذبهم الآخرون وقالوا إنهم لم يكونوا هناك أو أنهم ربما لم يغادروا فنادقهم، ولكن لا يمكننا فعل الشيء نفسه مع تويتر.
ليست تقارير تويتر أقل مصداقية من وسائل الإعلام الأخرى فحسب، بل إنها أقل توفيرا للمعلومات على نطاق أوسع وأكاد أجزم بأن نصف مقالة في وسيلة تقليدية تحتوي على معلومات أكثر من كافة معلومات تويتر مجتمعة طيلة يوم كامل.
ثورة في الخيال الأميركي
ربما كان من الصعب تحديد عدد الأميركيين الذين شاركوا في ما تسمى بثورة تويتر الإيرانية، خاصة أنه في ظل السياق الجيوسياسي الحالي فإن مستخدمي تويتر من الإسرائيليين (من أكثر المشاركين في تويتر) لديهم مصلحة كبرى في التلاعب بالمناقشات خدمة لمصالحهم وتحقيقا لأهداف دولة إسرائيل كما يفعل العديد من الأميركيين.
والشيء الذي يمكن القيام به هو محاولة إثارة مشكلة بين الإيرانيين وبين حزب الله كما جاء في رسالة أحدهم: “الغالبية العظمى من القوات التي تتصدى للمتظاهرين تتكون من لبنانيين وعرب استخدموا واستؤجروا لقمع الإيرانيين الشجعان”، بينما اختار مشارك آخر تحدثت إليه اقتباسا من التلمود وجهه للمتظاهرين الإيرانيين.
ولعله من المثير للاهتمام أن صحيفة جروزاليم بوست استطاعت التعرف على ثلاثة إيرانيين ممن يشاركون في تويتر بالإنجليزية فقط بمجرد انضمامهم زاعمة أن مشاركاتهم من إيران.
كان للإدارة الأميركية مصلحة قوية في انطلاق ما تسمى بثورة تويتر في إيران، وهذه حقيقة واقعة، فقد تدخلت وزارة الخارجية الأميركية وطلبت من موقع تويتر تأجيل الموعد المقرر لصيانة الموقع حتى لا تعرقل وصول رسائل المشاركين في الخدمة من إيران.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إيان كيلي بأنه أدرك في نهاية الأسبوع أهمية الإعلام الاجتماعي كوسيلة حيوية لخدمة المواطنين وكوسيلة لإرسال المعلومات إلى الخارج، واستطرد يقول: “من الجلي جدا أن هذه الأنواع من الإعلام الاجتماعي تلعب دورا مهما في مجال الديمقراطية ونشرها في مختلف أنحاء العالم”.
كما نشرت فايننشال تايمز يوم 17 يونيو/حزيران 2009 “الشيء الذي تقوم به وزارة الخارجية بالطبع هو التأكيد على الزعم الذي لم يتم إثباته وهو أن هذا أمر مهم بالنسبة لإيران، في حين لم تحرص على تحديد نوعية الناس الذين تمت تقويتهم والأخذ بأيديهم، وأية كلمة يتم نشرها أو حذفها، وفي الوقت نفسه تزعم إدارة أوباما أنها لا تتدخل في الشؤون الإيرانية”.
هناك من مستخدمي تويتر من يتصلون بموقع أوباما ويحثونه على ارتداء ربطة عنق خضراء تضامنا مع الشعب الإيراني.
الصحافة الأميركية