أدونيس يدفع ثمن موقفه القديم
داود الشريان
استغل ادونيس ما يجري في ايران هذه الأيام «للتأمل في ما يتجاوز المسألة الانتخابية الى المسألة الدينية في كل ما يتصل بالعلاقة بين التشيّع والسياسة». وقبل ان يستفيض في تأمله الممتع، يوم الخميس الماضي في «الحياة»، ذكر بانحيازه القديم لثورة الامام الخميني، واشار الى تحذيراته، وإن شئت شروطه، على هذا الانحياز. وهو لجأ الى هذه المقدمة الموثقة، خشية معاودة بعضهم اتهامه بأنه تراثي وابن التراث بكل ملابساته.
ادونيس كتب هذا التأمل، ربما، استجابة لبعض الدعوات التي ألحت بالسؤال عن صمته حيال ما يجري في ايران، وذكرته بموقفه القديم. ولهذا استجاب، من خلال الحديث عن التشيع باعتباره شأنا ثقافيا وليس سياسيا أو طائفيا. وقال ان التشيع هو «الوجه الآخر غير السلطوي، للحياة الاسلامية العربية: الحرية، المخيّلة، التمرد، الشعر…الخ. وفي هذا ما يتيح لنا القول، بشيء من التبسيط، إن التاريخ العربي ينهض على دعامتين: فن بناء الدولة الذي شُغل به أهل السنّة، وفن بناء الثقافة الذي شغل به أهل التشيّع».
بصرف النظر عن توصيف ادونيس للدعامتين، وصحته من عدمها، فإن اللغة التي استخدمها في نقده للثورة الايرانية في نقل التشيع من «انتصار للحق والعدالة» الى «مؤسسة فقهية سياسية – اجتماعية، وسياسة وسلطة، ومعجم آخر للأمر والنهي. وخاضع لآلية الفقه العسكري» لم تسعفه في الدفاع عن موقفه القديم على النحو الذي اراد، واختلط موقفه الثقافي والسياسي بحساسيات السجال السائد.
ادونيس لم يكن مضطرا الى الخوض في هذا الموضوع. وليته لم يفعل. وحين استجاب، كان بإمكانه ان يتحدث عن الانحراف الذي أحدثته التجربة الايرانية في التشيع، من دون ان يعمم نعوت التسلط والتجبر والقمع، وقتل المخالفين على اصحاب «فن بناء الدولة». اذ ان الظروف السياسية التي نشأ فيها التشيع، وتلك التي تشكل فيها كسلطة سياسية، هي عمر الحضارة العربية الاسلامية، وممتدة عبر دول مختلفة، وتستعصي على الاحكام المطلقة، فضلاً عن أن تلك النعوت تنافي فكرة «فن بناء الدولة»، وتعميمها اضعف الرؤية المتمساكة التي بسطها ادونيس بلغة جميلة، لشرح اسباب الخلل والتعدي الذي حل بالتشيع. ومثلما اتهم ادونيس سابقاً، اخشى ان يأتي من يشبهه، بعد هذا الموقف، بالراحل المفكر عبدالله القصيمي الذي عاش يرفض فكرة الدين، لكنه افنى عمره في حوار معه.
الحياة