الأحوال الشخصيّة .. مرّة أُخرى
لا زال “وضع” مشروع قانون الأحوال الشخصية, و الذي تحدّثت عن رأيي فيه في ثلاثائيات (39), غير واضحٍ أبداً, فبعد تفاؤلٍ حذر ساد الأوساط المعترضة عليه يوم أمس بعد إعلان السيد رئيس مجلس الشعب الدكتور محمود الأبرش “إيقاف” هذا المشروع و دعوته إلى “نسيانه” أكّد السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس ناجي عطري في مداخلته أمس في مجلس الشعب رداً على مداخلة للبرلماني السيد عمار بكداش شكر فيها الجهات المعنية على إيقاف هذا المشروع, أكّد أن المشروع لا زال “ورقة عمل” و أنه لم يعرض بعد على مجلس الوزراء للموافقة عليه ثم تحويله إلى مجلس الشعب لإقراره, و أن هذه الورقة هي رؤية اللجان المشكّلة لدراسة القانون و تعديله “لينسجم مع المرحلة الراهنة”, أي أنه لم يصل بعد إلى مرحلة “مشروع نهائي”. كما انتقد السيد رئيس مجلس الوزراء ردود الفعل الرافضة لهذا القانون من قبل أوساط حقوقية و برلمانية و إعلامية و رأى أنها تتنافى “مع الديمقراطية و الرأي الآخر”.
طبعاً مع احترام رأي المهندس ناجي عطري و مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظته أن ما تسرّب إلى وسائل الإعلام لم يكن مشروعاً نهائياً و إنما كان مجرد رؤية للجنة مشكّلة لهذا الأمر إلا أنني أعتقد أن الجدل و النقاش الذي دار في وسائل الإعلام المحلّية (ومنها وسائل إعلام رسمية أو شبه رسمية) هو أمر طبيعي و جيّد, بل أنه مدعاة تفاؤل أيضاً, و اعتراض العديد من أعضاء مجلس الشعب على المشروع قبل وصوله إليهم هو انعكاس لرأي شريحة واسعة من المواطنين, و هذا هو دورهم الدستوري و القانوني الذي لا شك أن القيادة تشجّع و تدعم ممارسته بهذا الشكل الحضاري.
إن مشروع القانون الجديد (أو ورقة العمل) يحوي الكثير من النقاط التي تستوجب الانتقاد و الاعتراض, و ليس فقط في شكله و مضمونه و إنما حتى في مسيره نحو الإقرار, فعلى سبيل المثال لا أعتقد أنه كان من الضروري أن تكون اللجنة التي وضعت هذا الاقتراح سرّية, فقانون الأحوال الشخصية هو أمر عام لكل المواطنين و لا يمس شؤوناً “حسّاسة” تقتضي سرّية القائمين عليها.
لا أريد أن “احتطب من الشجرة الواقعة” كما يقول أخوالي, لكنني أود أن أضيف رأياً بخصوص أحد مواد ورقة العمل لم أر أن أحداً تحفّظ عليها, ألا و هي المادة (49) الترقيم (2) و القائلة بأن: “ولي المجنونة و إن سفل دون أبيها عند اجتماعهما”, و اعتراضي يأتي على استخدام كلمة “مجنونة” في نص قانوني لدولة عصرية ذات شعب راقي بعلمه كشعبنا السوري الحبيب. لا يوجد شيء علمي اسمه “مجنونة” و إنما هناك أشخاص (ذكور و إناث) يعانون من اضطرابات عصبية أو نفسيه أو كلاهما (مجازاً: معاقون عقليون) لا يتمتعون بالملكة العقلية التي تؤهلهم لكي يكونوا أولياء أنفسهم, و هذا الأمر يمكن أن يكون مؤقتاً أو دائماً, و أعتقد أن القانون يجب أن يحوي معايير علمية واضحة موضوعة من قبل لجنة طبية لتقرير أهلية المريض العقلي أو النفسي لكي يكون ولي نفسه لا أن تختصر كل هذه المسألة الحساسة بكلمة سطحية مثل “مجنونة”.
طبعاً هذا مجرّد رأي…
انتقد بعض المهتمّين بالموضوع تصرّف بعض وسائل الإعلام السورية من حيث أنها لم تذكر شيئاً عن مشروع القانون طيلة الأسابيع الماضية لكنها سارعت إلى نشر إعلان الدكتور الأبرش أمس حول “إيقاف” القانون و كأنه انتصارٌ لهم, لكنني أعتقد أننا, بدل تركيز الإشارة إلى السلبية الإعلامية (و لا أقصد تجاهلها) علينا أن ننوّه لنشاط وسائل إعلامية أخرى, رسمية و غير رسمية, و إعلاميين نشطين ساهموا بتشكيل حوار شعبي جميل و راقي باستضافة المختصين و تلقي آراء المواطنين, و أعترض على تقليل أهمية عملهم بالقول أنهم عملوا “ضمن الهامش” أو “داخل الخطوط” لأنني لا أعتقد أن العمل الجيد يجب أن يكون لزاماً “فوق الهامش” أو “ما بعد الخطوط”. لكنني أنتقد و بشدّة بعض الوسائل الإعلامية التي “تفتخر” أنها تعمل “فوق الهامش” لأنها قد تتعجّل بنشر الأخبار الموسّعة عن أي سياسي لبناني و لو كان من الدرجة العاشرة إن عطس أو أصيب بتلبّك معوي, لكنها لا تهتم لأي شيء يهم سوريا و السوريين بشكل مباشر, و كأن الشؤون المحلية السورية تحدث في زيمبابوي أو في الأرجنتين. و لأسباب شبيهة بالمذكورة أعلاه أود أن أشكر نشاط العديد من السادة أعضاء مجلس الشعب على نقلهم لهموم و تساؤلات المواطنين إلى قبة البرلمان.
إن كل جدل و نقاش مبني على أسس فكرية تضمن احترام الرأي الآخر و وجوده حول أي موضوعٍ كان هو أمر إيجابي و يصب في مصلحة المواطن, و بالتالي في مصلحة الوطن, و لذلك أهنئ كل من شارك و يشارك في الحوار الحضاري من أجل قانون أحوال شخصية يكفل حقوق جميع المواطنين على اختلاف اعتقاداتهم, و نتمنى أن يكون هذا النشاط فاتحة خيرٍ للوطن… لأنه يستحق الخير كلّه.
عن ” مدونة أمواج اسبانية في فرات الشام”