الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

ضرب إيران قبل رمضان… أو بعده?

سركيس نعوم
قبل الانتخابات النيابية الأخيرة سادت بعض الاوساط الاميركية خشية جدية من فوز فريق 8 آذار فيها وقائده “حزب الله”. وكان منبع هذه الخشية  اعتقاد الاوساط المذكورة ان من شأن الفوز الانتخابي دفع الحزب وفريقه الى تأليف حكومة يسيطران عليها ويحددان سياستها انطلاقاً من الاستراتيجيا الاقليمية التي في اطارها يعملان. أما اسباب هذه الخشية فكانت متنوعة، بعضها له علاقة بـ”المحكمة الخاصة بلبنان” التي بدأت اعمالها وحددت مهمتها بمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. اذ تعتقد الاوساط نفسها ان “حكومة 8 آذار” ستفعل كل ما في وسعها من اجل احباط المحكمة المذكورة، سواء بعدم التعاون معها او بأعمال اخرى كثيرة وخصوصاً اذا كان “حزب الله” يعرف ان المحققين الدوليين قد توصلوا الى خلاصات من شأنها توجيه اتهامات الى بعض عناصره أو الى حلفاء له على المستوى الاقليمي. علماً ان 8 آذار وقائده لم ينظرا بارتياح الى ما نشرته مجلة “در شبيغل” الالمانية عن التحقيق لانه اتهم الحزب بالعملية الجرمية. ولأن الحزب كان يخشى اتهاماً كهذا، ليس لأنه متورط في الاغتيال وهو الذي نفى ذلك، بل اقتناعاً منه بانه قد يكون اشارة الانطلاق للبدء بمحاصرته بل ضربه عسكرياً اذا اقتضى الامر ذلك. اما البعض الآخر من اسباب خشية الاوساط الأميركية اياها، فكان له علاقة باقتناعها بان اسرائيل وخصوصاً اذا كان حاكمها يمينياً متشدداً لن تنتظر من حكومة يسيطر عليها بل يقودها “حزب الله” عملية عسكرية ضدها كي تتحرك ضده، بل ستبادر الى توجيه ضربة عسكرية إليه، اي الى لبنان، مستفيدة او محاولة الاستفادة من كل التدريبات والمناورات التي اجرتها منذ فشلها ضد هذا الحزب عام 2006 والتي لا تزال تجريها.
طبعاً أجريت الانتخابات ولم تتوافق نتائجها مع مخاوف الاوساط الاميركية المشار اليها اعلاه. فـ”حزب الله” فازت لوائحه المشتركة مع حركة “امل” كلها. لكن لوائح حلفائه المسيحيين والسنة والدروز لم تفز كلها الامر الذي ابقاه واياهم اقلية في مجلس النواب الجديد تماماً مثلما كانوا في المجلس السابق ولكن مع فارق اساسي هو انه لم يعد في استطاعتهم “تعيير” الغالبية بانها وهمية.
ولا يقلل من اهمية فوز 14 آذار ادعاؤه تمثيل الغالبية الشعبية الذي كان “حزب الله” اول من طرحه في محاولة للتخفيف من وقع الفشل على جماعته وللفت اخصامه الى قوته الشعبية وغير الشعبية والتي لم تتأثر مطلقاً بالانتخابات او بغيرها.
هل يعني ذلك ان لبنان تجاوز “قطوع” اعتداء اسرائيل عليه؟
طبعاً لا. فتجمّع 14 آذار، وخلافاً لكل ما يقوله اخصامه الداخليون والخارجيون، ليس حليفاً لاسرائيل وليس متواطئاً معها وإن اختلفت نظرته الى موضوعات مهمة جدا وطنية وقومية عن نظرة “غريمه” 8 آذار. و14 آذار لن يشكل حكومة او لن يستطيع تشكيل حكومة ليس فيها 8 آذار وقائده “حزب الله”، رغم ان نسب تمثيل الفريقين لا تزال موضع خلاف. وهذا الأمر تعرفه اسرائيل. وقد حذّر منه بنيامين نتنياهو اكثر من مرة في الفترة الاخيرة وخصوصاً عندما قال ان بلاده سترد عسكرياً اذا نفذ “حزب الله” عملية عسكرية ضدها، واوضح انه سيحمّل حكومة لبنان مسؤولية الرد اذا كان الحزب ممثلاً في الحكومة الجديدة، وهو سيكون ممثلاً. وتحميل لبنان هذه المسؤولية يعني عدم اقتصار الرد على الحزب بل شموله البلاد كلها.
هل يمكن ان ينفذ “حزب الله”، في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة والخطيرة من تاريخ لبنان والمنطقة، عملاً عسكرياً ضد اسرائيل من شأنه التسبب بدمار البلاد وربما بجر المنطقة كلها الى صراع عسكري لا يمكن التكهن بنتائجه؟ او بالاحرى هل يمكن ان يرتكب خطأ كهذا؟
يستبعد معظم متابعي “حزب الله” منذ نشأته من اللبنانيين والعرب والاجانب امراً كهذا. لكنهم يستدركون ان قيام اميركا او اسرائيل بضرب ايران عسكرياً (صاروخياً وجوياً) سيدفع الحزب الى فتح جبهة الحرب مع اسرائيل وفتح ابواب “جهنم صواريخه” على كل مناطقها. ويؤكدون تالياً ان عملاً كهذا سيجعل اسرائيل تشن حرباً تظنها نهائية على “حزب الله” وحلفائه، بل على لبنان كله، وربما تأخذ في طريقها جهات غير لبنانية اذا لم تلتزم “الحكمة” كالعادة.
هذا الجواب الذي قدّمه المتابعون المذكورون اعلاه يثير بدوره سؤالا مهماً هو: هل ستضرب اميركا او اسرائيل ايران؟ الجواب استنادا الى مصادر متابعة في واشنطن، هو ان اميركا اوباما لا تنوي الاقدام على هذا الامر لانها تركّز على الحوار ثم على العقوبات في حال فشله، الا اذا استفزتها ايران او اهانتها. اما اسرائيل، فان الجواب نفسه يشير الى ان احتمال ضربها ايران عسكرياً لا يزال قائماً وقوياً. ويشير ايضاً الى ان الذي لم توافق عليه اميركا ايام جورج بوش لن توافق عليه ايام اوباما، ولن تعطيه ضوءاً أخضر أو حتى اصفر. ولا يغيّر في هذا الواقع اعلان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في العراق ان اميركا لا تستطيع منع اسرائيل الدولة السيدة من اتخاذ اي قرار بما في ذلك قرار ضرب ايران لكنه (اي كلام بايدن) ضاعف القلق في المنطقة اذ جعل زعماءها يتساءلون عن الدافع اليه. وهو قد يكون واحداً من اثنين. الاول، الضغط على ايران كي تتجاوب على نحو اسرع مع مبادرة اوباما. والثاني، “زلة” لسان يملك صاحبه معلومات تفيد ان حرباً اسرائيلية على ايران سَتُشن.
طبعاً لا احد يستطيع الجزم بموضوعات كهذه. لكن ثمة امرين يمكن الاشارة اليهما، الأول ان اميركا لن تستطيع ترك اسرائيل تُهزم على نحو يؤدي الى هزيمة لها مع ما يرتبه انتصار ايران عليها وعلى اميركا وحلفائها في العالم (وفي مقدمهم العرب) من آثار بالغة السلبية. والآخر هو ان الضربة العسكرية لايران لا يمكن ان تنفّذ خلال شهر رمضان، فإما ان تنفذ قبله، أو لا تنفذ… أو ربما ترجأ إلى الخريف المقبل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى