الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

الجدار لايتداعى

الكثير من الإيرانيين، وربما معظمهم، ضاقوا ذرعا بالثيوقراطية. لكن هذا لا يعني أنهم ضاقوا ذرعا بالدين
فريد زكريا
كلما شاهدنا صورا شبيهة بالتي رأيناها في إيران خلال الأسبوعين الماضيين، نميل إلى تذكر عام 1989 في أوروبا الشرقية. ففي تلك الفترة، حينما نزل الناس إلى الشوارع وتحدوا حكوماتهم، تبين أن تلك الأنظمة المستقرة ظاهريا كانت جوفاء وانهارت بسرعة. وانبثقت الديموقراطية الليبرالية بعد ذلك. فهل ستشهد إيران ثورتها المخملية أيضا؟
الأمر ممكن لكنه غير محتمل. ففي حين أن شرعية النظام أصبحت موضع شك ــ وهي ضربة مميتة على المدى الطويل ــ فهو سيتمكن على الأرجح من استخدام أسلحته وأمواله في الوقت الراهن لتعزيز نفوذه. وهو يمتلك الكثير من كليهما. تذكروا أن سعر النفط كان أقل من 20 دولارا للبرميل عام 1989، وهو يبلغ 69 دولارا للبرميل الآن. الأهم من ذلك أن عام 1989 كان غير اعتيادي إلى حد كبير، كما أشار زبغنيو بريجنسكي. لكن لم يتبين أن هذه السابقة التاريخية تشكل دليلا مفيدا لحركات أخرى مناهضة للدكتاتورية.
القوى الثلاث الأقوى في العالم العصري هي الديموقراطية والدين والقومية. وفي أوروبا الشرقية عام 1989، كانت كلها موحدة ضد الأنظمة الحاكمة. كان السكان يكرهون حكوماتهم لأنها تحرم الشعب من الحرية ومن المشاركة السياسية. وكان المؤمنون يكرهون القادة الشيوعيين لأنهم ملحدون وحظروا الدين في بلدان كان للإيمان أهمية كبيرة فيها. وقد رفض الناس أنظمتهم أيضا لأنهم اعتبروها مفروضة عليهم من قبل قوة إمبريالية خارجية ممقوتة، ألا وهي الاتحاد السوفييتي.
الوضع في إيران أكثر تعقيدا. ومن الواضح أن الديموقراطية تتعارض مع هذا النظام القمعي. لكن قوى الدين ليست معارضة له بالوضوح نفسه. الكثير من الإيرانيين، وربما معظمهم، ضاقوا ذرعا بالثيوقراطية. لكن هذا لا يعني أنهم ضاقوا ذرعا بالدين. ويبدو أيضا أن الإيرانيين الأكثر تدينا الفقراء وسكان الأرياف صوتوا للرئيس محمود أحمدي نجاد.
ثمة طريقة واحدة فقط لاستعمال الدين ضد قادة إيران، لكنها تتضمن تطورا غير مرجح: إن أصدر آية الله العظمى علي السيستاني المقيم في العراق فتوى يدين فيها طهران بشكل من الأشكال، سيكون ذلك حدثا مزلزلا، وقد يؤدي إلى انهيار النظام. تذكروا أن السيستاني إيراني، ولعله يحظى بالتقدير أكثر من أي آية الله آخر في العالم الشيعي، وهو معارض لعقيدة ولاية الفقيه التي أدت إلى نشوء جمهورية إيران الإسلامية. وهو يرى أنه لا يجدر برجال الدين ممارسة السياسة، ولهذا السبب تجنب لعب دور كهذا في العراق. لكن من غير المحتمل أن ينتقد النظام الإيراني علنا. (غير أنه رفض لقاء أحمدي نجاد عندما زار هذا الأخير العراق في مارس عام 2008).
القومية هي الأكثر تعقيدا بين هذه القوى الثلاث. طوال معظم تاريخه، استغل النظام الإيراني المشاعر القومية. فآية الله روح الله الخميني وصل إلى الحكم من خلال تصديه للشاه الذي كان يعتبر دمية في يدي أمريكا. وبعيد الثورة، شن العراق هجوما على إيران، واستغل الملالي المشاعر القومية من جديد. وقد دعمت الولايات المتحدة العراق في تلك الحرب، متجاهلة استعمال صدام حسين للأسلحة الكيميائية ضد الإيرانيين ـ وهو أمر لم يتمكن هؤلاء من نسيانه قط. وخلال السنوات الثماني الماضية، أتاحت تهديدات إدارة بوش المبطنة بالهجوم على إيران للملالي أن يحشدوا الدعم الشعبي. (كل المنشقين الإيرانيين، بدءا من أكبر غانجي وصولا إلى شيرين عبادي، أشاروا إلى أن الكلام عن هجوم جوي على إيران قوى النظام). ويجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة لا تزال تمول المجموعات المتمردة والمعارضة التي تحاول الإطاحة بالجمهورية الإسلامية. ومعظم هذه المجموعات صغيرة جدا واحتمالات نجاحها معدومة وتحصل على تمويل لاسترضاء أعضاء الكونغرس اليمينيين. لكن حكومة طهران قادرة على تصوير ذلك على أنه حملة مستمرة ضد إيران.
في هذا السياق، الرئيس أوباما محق في توخي الحذر والتعبير عن تأييده المعنوي للمتظاهرين الإيرانيين من دون التدخل سياسيا. فلطالما استخفت الولايات المتحدة بتأثير القومية في أنحاء العالم، مفترضة دائما أن الناس لن يخدعوا بالنداءات الرخيصة والفاضحة للتصدي للهيمنة الأجنبية. لكن انظروا إلى ما يحدث في العراق اليوم، حيث يتباهى رئيس الوزراء نوري المالكي بأن انسحاب القوات الأمريكية هو “طرد بطولي للمحتلين الأجانب”. بالطبع، لما كان المالكي قد وصل إلى منصبه لولا هذه القوات المحتلة، التي لاتزال تحمي حكومته حتى اليوم. لكنه سياسي حذق ويعرف ما سينال استحسان الشعب العراقي.
أحمدي نجاد سياسي يتمتع بشعبية واسعة أيضا. وقد بدأ يتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالتدخل. يجب أن ترتكز استراتيجيتنا على إظهار مدى سخافة هذه الاتهامات وعدم صحتها. إن بدا أن الرئيس أوباما يتبنى حركة المعارضة ويتباهى بذلك، سيساهم في إنجاح استراتيجية أحمدي نجاد بدلا من استراتيجية أمريكا.
زكريا هو مقدم برنامج GPS With Fareed Zakaria على شبكة سي أن أن أيام الأحد في الساعة الواحدة ظهرا بتوقيت شرق الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى